ان يمنّ الله على عباده بالبصر فتلك نعمة من نعمه ولكن النعمة الاهم ان يمنّ علينا الله بنعمة البصيرة لذلك جاء في كتاب الحق {فإنّها لا تَعمَى الأبصارُ ولكنْ تعمَى القلوبً التي في الصدور}.
هذا مدخل ساحاول من خلاله ان اتناول ظاهرة منتشرة جدا في مجتمعنا وتتعلّق اساسا بغياب البصيرة الواعية في رؤيتنا للاشخاص وللاحداث …ولعلّ السبب الرئيسي لهذه الظاهرة ما تحمله القلوب من حقد وغلّ على الاخرين ..علماء النفس يفسرون هذا الحقد بالاسباب التالية: الحاقد اما ان يكون شخصا لم يعثر على غاية في حياته او ان يعيش دوما في كهف مقارنة نفسه بالاخرين او أن لديه عدم قناعة بما يمتلك فيحقد على الناس ما يمتلكونه وهو يفتقده …واخيرا قلّة وعيه ومحدوديّة فكره … وهذا السبب الرابع هو بيت القصيد …
ما يحدث الان في الخارطة السياسية من سياسيين ومحللين ونقاد وفي تقديري المتواضع يندرج ضمن منظومة فقد البصيرة في جلّه …وهو نتاج لقلة الوعي او لمحدودية الفكر مما يطبع اصحابه بكثير من الغلّ والحقد وبعيدا عن الراي الثاقب ..فاختلافي مع الاخر لا يعني ان ابحث عن مساوئه من ثقب ابرة ..ولا يعني ان اتغافل عن حسناته مهما قلّت .. ولا يعني ان اقف له كبوليس في مفترق الطرق ليس لارشاده بل للبحث عما ارتكبه او قد يرتبكبه من اخطاء في قيادة عربته ..
فاقد البصيرة يصبح رادارا لا همّ له الا تسجيل المخالفات .. فاقد البصيرة يفرح بشكل مرضي عندما يشكّب على خصمه … ويستحيل ان يعترف بايجابياته ..فاقد البصيرة يعاني من امراض عديدة سببها الحقد هو لم يقرأ ما خطّه الكبير ايليا ابوماضي {يأبى فؤادي ان يميل الى الاذى .. حبّ الاذيّة من طباع العقرب) ولنفس الكاتب ايضا (انظر الى النار انّ الفتك عادتها … لكنّ عادتها الشنعاء تُرديها) … وهذا ما يقابله في امثالنا الشعبية {النار وقت ما تلقاش شنوة تاكل تدور تاكل بعضها}.
وما جاء في قصص القرآن قد يجعلني اتساءل من منّا من جينات قابيل ومن منّا من جينات هابيل ؟ وربما اتساءل ايضا هل بعضنا من جينات الشيطان او ممن اضلّه الشيطان وهو اوّل مثال يجسّد الحقد والكبر عندما رفض السجود لآدم كما امره الله …؟؟ اصحاب البصيرة والحكمة تركوا لنا كنوزا من العبر منها (اعرك اعرك وخلّي للصلح مكان) …
على الجميع ودون استثناء وانا اوّلهم ان ندرك في تقديري قاعدتين هامتين في كلّ عملية نقد وتحليل وبناء .. القاعدة الاولى ان يكون ذلك من قلب لا يحمل البغض والحقد بل يحمل عريشة حبّ وان لم يكن حبّا فليكن املا ..الم يقل كتاب الحقّ {ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه وليّ حميم ..} قد لا يعنيك كتاب الله وهذا شأنك لكن وعبر التاريخ اعظم وامتع عمليات التغيير في الانسانية هي التي بُنيت على بصيرة راقية لا مكان للحقد فيها ..
الرسول في فتح مكة وهو الذي عانى من قبيلته ايما معاناة ليُنهي فتح مكة بـ {اذهبوا فانتم الطلقاء} ان كان امر الرسول الكريم لا يعنيكم وذلك شأنكم ..انظروا ماذا فعل مانديلا مع خصومه …ولانّي من الذين آمنوا دوما بان لا احد منّا يمتلك الحقيقة الكاملة، دعوني اختم بمقولة من افضل ما قال وليام شكسبير وهي دعوة ليست لتقزيم الذات البشرية بل لنا جميعا مهما علا شأننا كاوّل خطوة من اجل بناء سليم … يقول الانكليزي الكبير {تنازلوا عن دوركم في اصلاح الناس واصلحوا انفسكم} …