و هكذا سقط ترامب كما سقط فراعنة عديدون قبله، بالانتخابات، بالثورات، بالانقلابات، بالمرض، بالشيخوخة، بعزرائيل … المهم أن ذلك الكرسي الخدّاع لا وفاء له مع أحد، و أن البدايات تتلوها حتما نهايات، و أن الغرور و الصلف هما المسماران الرئيسيان في نعش أي حاكم، و أن الشعوب لا تقبل أن يتجبّر أحد عليها و لو كانت أبله شعوب الأرض … أليس كذلك يا نسور قرطاج؟
سيكثر الحديث و التحليل ـ بل بدأ بعد ـ عن أسباب هزيمة دونالد ترامب و انتصار العجوز بايدن عليه … و عن الولايات التي كانت معه مباشرة و الولايات التي صوتت ضدّه دون تردد … و خاصة عن تلك الولايات التي أعيد فيها الحساب و الفرز بطلب من رئيس يكاد يطير صوابه … و ذلك كان من أسباب تطويل الانتظار و ذروة التشويق و وصل الأمر إلى نفاد صبر الشارع الأمريكي من هذا المصعّر خدّه، و الواثق من أنه وليّ نعمة القوم هناك، و الرافض لقبول أنهم انتهى قالوا له شكر الله سعيك و أرنا عرض كتفيك …
لذلك كنا البارحة نسمع تنهّدة ارتياح تخرج من صدر أغلب الأمريكان و تعبر القارات و المسافات لتصل إلى أسماعنا … بل يمكن أنها في الطريق اصطحبت معها زفرات صدور أقطار أخرى و شعوب و دول و برلمانات و مجتمعات مدنية و كثيرين من أحرار العالم … ليس في هذأ أدنى استبشار بمقدم “جو بايدن” و الرهان على خيرات و سلام و أحلام قد تأتي على يديه … أبدا … و لو كان ذلك صحيحا لوجدته شعوبنا سابقا لدى رئيسه أوباما و قد كدنا نخصص له استقبال بدر المدينة …
لا … بايدن ستبدي لنا الأيام ما يمكن أن يفعله أحسن أو أسوأ من سلفه المهزوم … و لكن حقيقة فرح البارحة أن العالم شعر بانزياح كابوس و صخرة و قناع رصاص و همّ ثقيل و طالع شؤم على سبعة مليارات صدر … الله كم استطاع هذا الأزعر البدين أن يجمع حوله من كراهية الكون، هو و جماعته يكرهون الآخر حتى الموت، و الآخر يبادلهم كراهية أشنع و أكثر سوادا … هكذا كان عصره و كانت سنواته الأربع …
كل خطاب، كل قرار، كل مقال، كل مؤتمر صحفي، كل تدوينة على تويتر … كانت تكشف عن معتوه بسطوة المال الذي كان حصّله من إرث عائلي و شغل مقاولات … و عن قماشة عنصرية جاهلة لا تفهم أن البلاد الأمريكية هي موطن الهجرة بامتياز، و أنه من العبث مطالبة خصم بالعودة إلى أرض أجداده، و قد تكون أقرب قليلا من أرض أسلافك يا بقر … و أن حنقه على الصينيين و حملته الهوجاء عليهم لم تفعل سوى أنها قوّت عودهم و أججت تحدّيهم … فإذا بهم يداورون حصاره لهم بحصار مضادّ يمسك برقبته … و أيضا برقاب شركات أمريكية عملاقة هي اليوم مهددة جرّاء تهوّره هذا، و جنت على أهلها براقش …
كما أن موجة الشعبوية التي صعدت به كما صعدت بغيره في فترة الردّة هذه … يبدو أن هذه الموجة بدأت في الانحسار و راح العالم يتعقّل و يبصر ألاعيب المشعوذين و أدعياء الزهد و باعة الشعارات المقعقعة … و إذا كان بعضهم يتبجّح بأنه حاز مليوني صوت (في ظروف يعلمها الله وحده) و معها الشرعية المطلقة بأن يعبث كما يشاء، فليعلم أن ترامب البارحة حصل على أكثر من سبعين مليون تصويت أي ربع السكان في بلد غنيّ قويّ كامل المدارك … و مع ذلك سقط من عل كالجذع الميت …
و لا عزاء أخيرا للسيدات، عفوا للولايا العربيات الأصيلات … أميرات التطبيع و مهرولات الخيانة و حريم السلطان المخلوع … فإذا كان نخّاسهم رحل به صندوق ديمقراطي لا يرحم، فإن رحيلهم صفّر القطار عليه … و في انتظارهم صناديق لا علاقة لها بالديمقراطية …