تولّى أوّل أمس السبت 24 أفريل القضاء العسكري التخلّي عن القضية التي أثارتها “تلقائيًا” النيابة العسكريّة ضدّ النائب راشد الخياري وذلك لفائدة القضاء المدني لعدم الإختصاص.
والسؤال الذي يُطرح هنا، ماهي دواعي تعهّد المحكمة العسكرية بهذا الموضوع؟ فالقضاء العسكري يتعهد قانونيا بالقضايا التي يكون طرفاها أو أحد أطرافها عسكريا إضافة للقضايا التي تمسّ أمن الدولة.. وفي وضعية الحال فقد ذهب البعض إلى تبرير إثارة النيابة العسكرية للدعوى بالقول أنّ أحد الأطراف هو رئيس الجمهورية وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة وبالتالي فإنّه يتمتّع بصفة العسكري.
وحسب رأيي الشخصي فإن هذا التفسير لا يستقيم، فالرئيس هو فعلا القائد الأعلى للقوات المسلحة ولكنه يبقى مدنيًا، ذلك أنّ الرئيس مثل وزير الدفاع هو فعلا يشرف على الجيش ولكنه يبقى مدنيّا، ذلك أنّ تَحكُم القيادة المدنية في الجيش هي عقيدة في العلوم العسكرية والسياسية التي تضع المسؤولية النهائية لصنع القرار الإستراتيجي وقرارات الأمن القومي في البلاد في يد القيادة السياسية المدنية، بدلا من العسكريين غير المؤهلين في الأصل للسياسة أو ممارستها،
و لعلّ أفضل من قدّم لهذه النظرية هو صامويل هانتنغتون في كتابه “الجندي والدولة” والتي لخص فيها فكرة السيطرة المدنية على أنها “التبعية المناسبة للعسكريين المحترفين للحدود السياسية التي وضعتها السلطة المدنية” وفي الغالب يُنظر للسيطرة المدنية على الجيش كَسمة من سمات الديمقراطية. ألم يكن الرئيس المرحوم زين العابدين بن علي جنرالا في الجيش ومع ذلك لم نره يوما يحمل الزي العسكري لأنه ببساطة أصبح مسؤولا مدنيا منذ إعتلائه كرسي الرئاسة ، ولم تكن تطلق عليه صفة الجنرال إلاّ من منافسيه أو أعدائه عندما يريدون إبراز الجانب الدكتاتوري فيه فيقولون “الجنرال بن علي”..
ومن جهة أخرى فإنّ الفريق أوّل عبد الحميد الشيخ -رحمه الله- قد حمل أعلى رتبة عسكرية ولكنه تخلّى عنها منذ أصبح وزيرا ثم سفيرا وكذلك الشيء للجنرال مصطفى بوعزيز عندما تقلّد مهام وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية. ولم نسمع يوما أنّ بن علي أو وزيرا قادما من المؤسسة العسكريّة قد إشتكى للمحكمة العسكرية في خلاف له مع مدنيّين، او انّ النيابة العسكرية قد تعهدت تلقائيّا بدعوى كان أحد أطرافها عسكريا سابقا يمارس مهاما مدنية عليا.
وعلى كُلّ فإنّ المحكمة العسكرية قد صحّحت الخطأ بتخلّيها عن القضيّة لفائدة النيابة العمومية المدنية، وهذا في حدّ ذاته تمشّ محمود. بقي أن أشير إلى انّه على النيابة العمومية لدى المحكمة الابتدائيّة بتونس أن تفتح تحقيقا جديّا في مزاعم النائب راشد الخياري في خصوص تلقّي الرئيس قيس سعيّد لدعم مالي أجنبي لتمويل حملته الانتخابية، مع أنني شبه متأكّد أنّ النائب “البنادري السابق في فرقة السّلاميّة” يلقي بالتهم جزافا في حقّ الرئيس قيس سعيد “رايس الريّاس” (الذي لا أهضمه إطلاقا) … ولكن هذا موضوع آخر.