التغريبة الأخيرة… أو، من باع حقا: السلطة الفلسطينية أم إيران ومن صدّقها؟
نشرت
قبل شهرين
في
عبد القادر المقري:
منذ سنة إلا أسبوعا، أي منذ 7 أكتوبر 2023 والعملية المسماة “طوفان الأقصى”، تأججت المشاعر ومعها توزعت أسهم الدعم المطلق والتخوين المطلق… الدعم لمنظمة حماس بكل ما تقوله وتفعله وكذلك لكافة داعميها وأظهرهم إيران، وتهمة الخيانة التي وقعت جماعيا على سلطة رام الله التي أبدت إن لم يكن رفضا قراحا، فعلى الأقل تحفظا هو إلى توجس العواقب أقرب…
وقد قرأنا في صحفنا عربيا وتونسيا، وكذلك في المواقع الاجتماعية هذه الاتهامات التي اندفعت دون أية ضوابط للنشر (بالنسبة إلى الصحافة) أو خشية من أزمة ديبلوماسية مع سلطة فلسطينية ممثلة في نهاية المطاف ببلادنا، تطالع يوميا أوصافا هي شتائم مباشرة لرئيسها محمود عباس وهناك حتى من طالب بتصفيته جسديا ! … نعم قرأنا ذلك في صحفنا قبل أن نقرأه على فايسبوك الذي لا جُناح على أصحابه عموما، في زمن تخصص فيه الرقابة كل وقتها لمنتقدي الرئيس التونسي فأنّى لها الانتباه لشاتمي رئيس هذه الدولة العربية أو تلك … شُتم عبّاس وسُحل وتم هدر دمه والسبب أنه لم يخرج هاتفا بستة أكتوبر وعملية طوفان الأقصى… ولم يكفهم هذا، بل هوجم في الطريق جميع فلسطينيي الضفة الغربية ولحقهم من الشتم والتخوين ما لحق قيادتهم …
مع العلم بأنه حال بدء رد الفعل الغاشم للعدوّ على أهالي غزة، خرج أكثر من مسؤول في السلطة، وأوّلهم عباس، لإدانة هذا العدوان والتضامن الكامل مع غزة على أنها جزء من فلسطين، وليست معقلا لحركة لا وجود لفلسطين في اسمها ولا في مشروعها العابر للحدود… كما أن الشارع في رام الله والخليل والقدس الشرقية وجنين ونابلس وغيرها من مدن ومخيمات الضفة، شهد موجة عارمة من المواجهات والاعتقالات وتدمير البيوت والأملاك ومصادرة الأراضي… مما حدا بدولة الاحتلال أن أخرجت من الأدراج خطة معدّة مسبقا بترحيل جماعي لملايين سكان الضفة الغربية تزامنا مع سكان غزة… ونفس الكلام (أسوده وأبيضه) قيل عن عرب 1948 سيئي الحظ مع الجميع، بيد أنهم أكدوا فعليا انتماءهم للوطن الفلسطيني دون سواه… وهاهم يتحملون هم أيضا مشروع “ترانسفير” لا يقل عنصرية وإبادة عن نظيره المرصود لمواطنيهم في القطاع والضفة…
قلنا عن رد فعل العدوّ بأنه كان “غاشما” وهذا يكاد يكون وصفا ضعيفا لما جرى ويجري… لا يخفى على أحد أننا في ظرف دولي يتميز بعنصرين: أولهما الانتخابات الأمريكية واحتدام الصراع بين معسكرين يختلفان في كل شيء إلا في نقطة مساندة إسرائيل والتصميم على حماية تفوقها التام على “أجوارها” عربا وفُرسا… بل ويتزايد كالعادة المتنافسان الجمهوري والديمقراطي في دعم الكيان الغاصب ماليا وسياسيا وعسكريا واستخباراتيا… وثاني عنصري الظرفية ، غياب كامل لقوة مضادة توازن هذا الثقل المساند للعدوّ… فالاتحاد الأوروربي تدير معظم دوله اليوم حكومات وأغلبيات برلمانية من اليمين الأقرب إلى التطرف إن لم يكن متطرفا فعلا… أما روسيا، فقد تورطت في أوحال المستنقع الأوكراني إلى أمد غير محسوب، وأصبحت بدورها في حاجة لمن يدعمها ويفك الحصار ، بل الحصارات المضروبة حولها بسياج من فولاذ… ثم وحتى في ظروفها العادية قبل حرب أوكرانيا، وحتى لو عدنا إلى الزمن السوفياتي والحرب الباردة، فإن وقوفها إلى الجانب العربي لا يمكن أن يقاس بـ 1 بالمائة مما يقدمه الغرب لإسرائيل…
ومع احترامنا لآلاف المساندين الأشراف للقضية الفلسطينية والذين ملؤوا شوارع وجامعات أوروبا وأمريكا… فإن سلطة القرار تبقى دائما وأبدا في يد من يمسك السلطة المالية والعسكرية في هذه البلدان، وهو ليس بالضرورة الشارع… خاصة في قضية ليست ذات طابع مصيري وطني يمكن أن يطيح بحكومة ويصعد بأخرى… ولا نريد أن ننكأ جراح أحد فلكل منا ما يكفيه، ولكننا نذكر بكل حرقة عدد الأثرياء العرب (والمسلمين) وحجم الثروات العربية (والإسلامية) المودعة في بنوك الغرب، وكيف يتم توظيفها لشراء خُرَد السلاح ونوادي الكرة بدل امتلاك وسائل الإعلام الكبرى والتأثير في السياسات كما تفعل الجاليات المحسوبة على العدو والمتعصبة له… ولا حديث أيضا عن “الجاليات” العربية المبثوثة في كل بلدان العالم وخاصة الغربي منه، وهي المشتتة الغارقة في صعوبات عيشها ووضعية أوراقها وما يتهددها يوميا من قوانين تزداد تضييقا على المهاجرين… وفيها حتى نسبة طلّقت بالثلاثة وطنها الأمّ بعد أن فرت منه فرار الناجين…