ثقافيا

الثقافة … بعيدا عن العاصمة و ضواحيها

نشرت

في

عندما تطغى المركزية على الفن يتّخذ الفنّ شكلا موحّدا يحدّد ملامح الثقافة المسيطرة على البلد و بالتالي ينتقي الفاعلين على الساحة من نفس المدرسة المهيمنة ثمّ يصبح الفكر نمطيّا و الإنتاج نمطيّا و الدعاية نمطيّة و حتّى التفاعل يصبح نمطيّا يمجّد هذا و يتجاهل ذاك.

<strong>رضا عزيز<strong>

ارتفعت الأصوات أخيرا مناديه بحق الفنّان في العيش الكريم في ظل وباء الكورونا و مطالبة بمنحه حق عرض أعماله للجماهير … و كنت شخصيّا من المتحمّسين لهذه المطالب الشرعية و الحياتية في الآن ذاته، و كنت أنتظر من الفنّانين المتضررين أن يتجاوزوا الاحتجاج الخطابي و التحرّك الميداني الشّارعي إلى ما هو أرقى و أعني الاحتجاج الإبداعي … و لكن طال انتظاري دون جدوى إلى أن أرسل لي صديق افتراضي عملا فنّيا يحكي عن مأساة الفنّان و حيرته بأسلوب فني بسيط و لكن على درجة من الوعي و العمق بالإضافة إلى عرضه مقترح حلّ قد يكون قاعدة لنقاش بنّاء بين السلطة و أهل الفنّ … قلت كيف يكون هذا و جهابذة الفنّ و نجومه غافلون و ربّما عاجزون فيأتي الابداع من نكرات يعيشون على بعد أميال من مركزيّة الفنّ و الثقافة؟ هل فعلا يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر؟ أم أن البحر مزيّف لا درّ فيه و ما أمواجه المتلاطمة إلا فقاعات نفخ فيها الاعلام فأضحت أمواجا هادرة تحدث صخبا أقلق خلق الله دون جدوى و لا منفعة؟…

فيلم “اختيار”، موضوعه عن الفن و المجتمع أثناء الجائحة … شريط قصير أبهر من شاهده و جرت دموع بعض الفنانين الذين اطّلعوا عليه تأثّرا بصدق المعنى و رقيّ التعاطي… مجموعة من الشباب من أصحاب الشهائد العليا جمعهم كهل ستّيني أو بلغة الكساد و الجمود شيخ ستّيني و لكن بلغة الخلق و الإبداع شابّ ستينيّ يتّقد حيويّة و نشاطا… من حقّهم عليّ ذكر أسمائهم ليس إشهارا و لكن اعترافا بنشاطهم و عزمهم و قدرتهم على تحدّي الصعاب … أولهم أستاذ تربية مسرحية الفنان نضال فرج، خرّيج المعهد الأعلى للفنون المسرحية،  و ثانيهم أستاذ تربية موسيقية الفنان الموسيقي أيوب عمامو، أما الثالث فهو الكاميرامان المحترف سلمان بن غالبة،  و رابعهم و المشرف على العمل الإعلامي ماهر جعيدان … لا يجمع بينهم إلا الانتماء للفن و الثقافة و السكن في مدينة الساحلين من ولاية المنستير…

عندما أقارن ما أبدعوه بما يعرض في قنواتنا التلفزية أتساءل هل نحن نعيش في نفس البلد و نتقاسم نفس الثقافة ونفس القناعات و نفس الأهداف أم أننا نعيش في عالمين مختلفين؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version