سرديار

الحبّ قدر

نشرت

في

لم تكن تفكّر يوما أن يأتيها الحبّ من جديد و لا أن تجازف و تفتح له ذراعيها..رغم أنّها عاشت زمنا تتمنّى أن تعيش قصّة حبّ مُتَكاملة : حبيب متيّم بها، تعشقه بحدّ الجنون..و بجنون الحبّ و لذّته يعيشان.. لكنّ لم يتحقّق شيء من أمنياتها..فكلّما خفق قلبها لتعيش قصّة حبّها، تكون من طرف واحد أو ظرف ما يَئد هذه القصّة في بدايتها…

<strong>وفاء بوترعة<strong>

حكايتها….. أنّها تزوّجت زواج مصالح بين العائلتين أُجبِرَت عليه ..عاشت مع زوجها حياة متوازنة هادئة…كانت راضية بعيشها معه ..أنجبت ولدين و هما كلّ حبّها بل كلّ عشقها، أعطتهما دون حساب تعيش بهما و لهما.. سارت حياتها في وتيرة واحدة لا جديد فيها غير ازدياد الأمراض و ظهور عدد السّنين على وجهها و جسمها أكثر من سنوات عمرها .. بعد صراع مع المرض، مات زوجها و تفرًق ولداها في غمار الدّنيا بينما عاشت هي بحزنها حتّى كبرت أكثر دون أن تكبر ..

اعتزلت الدّنيا بما فيها تنتظر يوم التحاقها بزوجها…صارت عالَة على ولدَيها، فأحدهما يعيش متنقلا بين دول أوروبا لا يستقرّ نظرا لطبيعة عمله..و الثّاني يعمل بالصّحراء في شركة بترول.. اقترحت أن تسكن دار المسنّين..عارضاها لكن لا حلّ آخر يطمئنان به عليها في غيابهما .. تعرّفت على ساكني دار المسنّين رجالا و نساء..إلاّ أنّها خيّرت الانزواء..فكانت حياتها بينهم رتيبة مُمِلّة لولا أنّها وجدت بعض المجلاّت و الجرائد تُشغِل نفسها بتصفّحها.. بنفس القاعة يجلس رجل قريب من عمرها، يقرأ كتبا و في بعض الأحيان يكتب على دفتر له..

بعد مدّة انتبهت لوجوده، فصارت تتابع حركاته إذ كان و هو يطالع يعبّر بقسمات وجهه و يده..أو يُهَمْهِمُ بصوت مسموع لأفكاره أو لِما يقرؤه.. و ذات مرّة تفاعل مع المقروء بشدّة و هو غائب عمّن حواليه..و لم يكن غيرها في القاعة..ضحكت بدون إرادتها.. فنظر لها و هو شبه غائب عن الوعي ثمّ انتبه لنفسه فضحك معها باحتشام.. و بلحظات، طالت الضّحكة بينهما.. أحسّت بإحساس غريب عنها..الضّحكة أدخلت عليها فرحة لم تذقها من زمن بعيد.. و مع الأيّام بدأت حواراتهما تتكاثر وتطول فاكتشفا ميولاتهما المتقاربة والتي بَنَت شيئا بينهما..

ما هذا القادم الجديد؟!! لقد أيقظ فيها أشياء..لم تكن تنوي الوقوع في الحبّ و لا فكّرت به بعد الزّواج..فقد تأكّدت -أو هكذا ظنّت-أنّ هذه المشاعر رحلت مع قطار العمر.. الحب … ‘أتاريه’ لا يزال متوقّفا، و لم يُرِد السّفر بمقوّمات الحياة لديها..لتأخذ فرصتها في أن تعيش الحبّ.. و يسبح قلبها في عوالم الفرح و الاشتياق و الآمال و….و… نعم٠٠٠لتلمس روحها ذاك الإحساس الجميل..ذاك الإحساس مُنعش للرّوح و القلب و العقل و٠٠٠ و حتّى الجسد.. فتأخذ فرصتها بأن تعيش الحياة .. كان يكتب مقالات و أقصوصات..صار يقرؤها عليها..سعدت باهتمامه بها..بدأت تشعر أنّه يكتب لها ..و فعلا كان يفعل لكن يخاف ردّة فعلها..لم يتوقّف فكلّ يوم يلمّح أكثر و أكثر حتّى جَهَر.. سَرَت فيها السّعادة..طارت بسماء الحبّ و الغزل و الأشواق و خفقات القلب التي لا تهدأ..

يا للعجب ها قد رفّ ثانية قلبها الذي دفنته قبل جسدها ..سبحان الذي يحيي العظام و هي رميم.. صحيح أنّ الحبّ قدرٌ ليس له موعد و لا خضوع لأعراف البشر و لا سلطان يتحكّم به..

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version