غرقت مواقع التواصل الاجتماعي و منذ بداية شهر فيفري في الحديث عن موعد 14 فيفري..بين تدوينات و سجالات و جدالات و صور وأشعار و أغان و تيكتوكات و طرائف و مقالات عن عيد الحبّ ..
و لعلّ من أجمل ما طالعته مقال يتحدّث عن الحبّ العابر للزمن .. المتجاوز لظروف الحرب و الحدود التي تصنعها السياسات .. مقال يتحدّث عن قصّة تمثال العشاق في منتزه ماريينسكي، في قلب العاصمة الأوكرانية كييف .. تمثال برونزي لعجوزين متعانقين، إنهما الإيطالي “لويجي” و الأوكرانيّة “موكرينا” ، رأسها مدفون في صدره، وذراعاه تحيطان كتفيها المَحنِيّتين في لحظة احتواء، تختصر شوق أكثر من ستين عاما… التقيا في المعتقل في النّمسا و تحابّا لمدّة سنتين و تمّ تفريقهما إثر نهاية الحرب في 1945 ليعيدا الالتقاء من جديد سنة 2004 … و ليصبح التمثال المخلّد للحظة لقائهما مقصدا للعشاق من كلّ أنحاء العالم ..
ستون عاما من الفقد و البحث قبل الالتقاء من جديد … ياه على صبر ناس زمان !..
قصّة قد لا تبدو معقولة في زمن التواصل الالكتروني لكنّ للحب قوانينه التي تخالف قوانين الواقع و الزمن … للحبّ حكاياته الخالدة التي لا تنتهي نطالعها في قصص قيس و ليلى و عنتر و عبلة و جميل و بثينة و ابن زيدون و ولادة .. نسأل عنها ابن حزم في طوق الحمامة و نزار قباني في أشعاره عن بلقيس و مي زيادة في رسائلها لجبران خليل جبران .. نتابع تردّد صداها مع أشعار أحمد رامي و نسمع زفراتها مع دندنات القصبجي .. و نذوب في ألحانها مع بليغ و وردة و مع فيروز و عاصي الرحباني ونسرح فيها بخيالنا مع تسلطينات الست و تأوهات حليّم و نتلذّذ موسيقاها بأصوات فريد و عبد الوهاب و نجاة و صليحة و سيدي علي الرياحي و نعمة و الجموسي … و نعيشها بخيالاتنا مع خوليو ايغليسياس و لارا فابيان و سيلين ديون… و تَحيى فينا من جديد مع أساطير ݒاريس و هيلين و انطونيو و كليوباترا …
في زمن ما غنّى الدوكالي “مرسول الحبّ” و لامه على غيابه و حمّله مسؤولية البعد و الصّمت .. فأين نحن اليوم من مراسيل الحب ؟
بين لهفة انتظار ساعي البريد أو مرسال الغرام و لهفة انتظار رنّة وصول رسالة الكترونيّة جديدة ما الذي تغيّر ؟؟
زمان كانت رسائل الحبّ ورقية طرية نديّة مكتوبة بحبر القلب و مداد الرّوح و عطر الشوق .. رسائل ما زال من يحتفظ بها يشتمّ رائحة دفئها و يشعر برعشة يد كاتبها و يستنشق حرارة أنفاسه و هو يبث فيها أشواقه .. رسائل تُراوغ الرّقباء و تُخبَّأ من أعين العواذل ، توضع تحت الوسائد فتطيل سهاد العاشقين و تتحدّى لوعة البعد و الحرمان و تلهب أمانيهم و أحلامهم .. رسائل مازال من يحتفظ بها يعود إليها إلى اليوم كلّما أرهقه الواقع و أعياه الزّمن ..
اليوم اختفت الرسائل الورقيّة و عوضتها الحواسيب و الأجهزة اللّوحيّة و الهواتف الذكية ، و نابت عن ساعي البريد المراسلات الالكترونية في سكايب و ميسنجر و واتس آب وانستغرام و غيرها و امتزجت اللغة بمقاطع الفيديو و الصور الفوتوغرافيّة و الايموجي و الآفاتار وطُوِيت المسافات و صار الوقت أسرع و الانتظار أقل مضضا و لقاء الحبيب – عبر شاشة الهاتف- أيسر و أسهل
و لكن هل مازال للحبّ نفس وهجه القديم في زمن الأجهزة الالكترونيّة و التطبيقات الحديثة ؟ في زمن التشات و السي سي و البلوك ؟
لو طرحت هذا السؤال على أحد شباب الألفية الثانية لضحك من سؤالي و هو الذي لم يعرف التعبير عن الحبّ إلا إلكترونيّا ، و لسخر ممّا أرويه له عن مراسلات العشاق قديما و ما تستغرقه من وقت و ما تستنفذه من طاقة … فلكل امرئ من دهره ما تعوّدا ..
و من الإجحاف في حق الجيل الجديد أن نهزأ من طرقه في التعبير عن حبّه فالحب يبقى هو الحبّ مهما اختلفت الأزمنة و العصور .. و هو ” جوهر الحياة ” كما يقول انشتاين في رسالته لابنته ليزرل حيث يؤكّد أن : هنالك قوة كبيرة جدا، إلى الآن لم يجد لها العلم تفسيرا رسميا و هي قوة تشمل و تُسيِّر كل ما سواها من القوى، و تقف خلف كل ظاهرة تحصل في الكون، و هي قوة لم يتم تعريفها عبر علومنا الحالية .. هذه القوة الكونية هي المحبّة ، وهي قوة تشرح كل شيء و تعطي المعنى الأوّلي للحياة فهي أكبر القوى الموجودة على الإطلاق، لأنه لا حدود لها. و هو يعتبر أنّه إذا أردنا أن تستمر البشرية، و إذا أردنا إيجاد معنى للحياة، وإذا أردنا إنقاذ العالم و كل الكائنات الحساسة به، فالمحبة هي الجواب الوحيد . و لعلّه يلتقي في ذلك مع ما أطربتنا به السّت في رائعتها ألف ليلة و ليلة حينما اعتبرت الحب أجمل هديّة