الحقد لا يصنع الدساتير … ولا يخفّض من نسبة التضخّم!
نشرت
قبل سنتين
في
هل بنى رئيسنا استراتيجية الانقضاض على الحكم والانقلاب على شركائه، بالتعويل فقط على سيكولوجية الشعب الساخطة على الأوضاع السياسية التي عاشتها البلاد منذ 14 جانفي، والحاقدة على كل من حكموا منذ يوم الخديعة من شهر جانفي؟
والسؤال الأهمّ هو هل يحبنا الرئيس حقّا أم يكرهنا…ويحقد علينا…فمنذ جلوسه على كرسي قرطاج لم نر حبّا على ملامحه ولم نسعد كثيرا بابتسامته…ولم نسمع كلاما جميلا يشعرنا بأنه حقّا يحبّنا…ولا حتى بيت شعر ينسينا همّ المرحلة…فهليحبّنا الرئيس أم يحبّ فقط أصواتنا؟
هنا وجب أن نسأل أيضا هل يجب أن يحبّ الرئيس كل الشعب أم يكتفي بمن هم حوله ومن يدعمونه ويقفون معه في خندق واحد؟ فالرئيس في معركته التي خاضها للاستحواذ على جميع مفاصل الحكم لم يستعمل سلاح “الحبّ” بل استعمل عبوات “الحقد” الناسفة، وصواريخ التفرقة…ومنصّات التقسيم تحت شعار “فرّق تسد”…كيف لا وهو الذي قرأ بعمق كبير سيكولوجية الشعب الساخطة على النهضة وكل من حكموا معها بعد أن عاش الفوضى والخصاصة ولم تتحسّن أحواله منذ 14 جانفي إلى يومنا هذا من شهر الاستفتاء…مرورا بشهر الاستشارة…
الرئيس تفطّن لمنسوب الحقد المرتفع ضدّ النهضة وضدّ منظومة 2019 الحاكمة فاختار أن يستغلّ هذا الحقد لصالح برنامجه ومخطّطه للانفراد بالحكم والانقلاب على شركائه، وعرف أن تأجيج نار هذا الحقد والنفخ فيها سيمكّنه من حكم البلاد كما يريد وبما يريد… وعرف أن إعلان الحرب على النهضة ومن معها كما وقع مع التجمّع سنة 2011 سيجلب له هتاف بقية مكوّنات المشهد وسيضمن له طاعتهم وولاؤهم وبيعتهم…فبنشر الحقد على خصومه سيكسب حبّ البقيّة…وبتزايد الحقد على من ينافسه في حكم البلاد سيتضاعف عدد داعميه ومسانديه والداعين له بطول العمر وسيمرّر دستوره، فالرئيس لم ينشر الحبّ حوله بل نشر الحقد على خصومه في نفوس كل من هتفوا باسمه، فالمدعوون للتصويت على الدستور هم من يحقدون على خصوم الرئيس…ومن امتلأت صدورهم كرها وحقدا على من ينافسون الرئيس ومن لا يحبهم الرئيس…
الإجابة الوحيدة التي يُجمع عليها اليوم كل من هرولوا نحو ساكن قرطاج و يهتفون باسمه حين تسألهم لماذا اخترتم صفّ الرئيس، هي “لأنه أبعد النهضة وشتّت شملها وحاسبها وابعدها ومن معها عن أنظارنا وخلّصنا من صبيّها مخلوف وعصابته”…رئيسنا نسي أن الحقد لا يعمّر طويلا حين تكون البطون خاوية ويضرّ بصاحبه طال الزمان أو قصُر… رئيسنا نسي أن البطون الجائعة لا يمكن لأصحابها التصفيق طويلا فقد تضطرهم الأوجاع لمسك بطونهم الخاوية لتخفيف ألمها…
رئيسنا نسي أنه لم يحقّق وعدا واحدا من وعوده للشعب منذ وصوله قرطاج…ولم ينجح في إنجاز واحد منذ استحواذه على الحكم منفردا…فبرنامج الرئيس الانتخابي لم يتضمّن التهديد والوعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور …ولم يشمل إطلاق النار كلاميا على كل من يتحرّك… ولا نصب منصّات الصواريخ القانونية وفصول الردع الدستورية…ولم يشمل أيضا إبعاد النهضة ومعاقبتها فهي التي دعت أنصارها لانتخابه ودعت له بطول العمر في كل صلواتها حتى الشفع والوتر وحتى خلال صلوات التراويح…كما لم نقرأ في برنامجه غلق قصر باردو…وتشتيت شمل سكانه وتجويع بعضهم…وتحجير السفر عن بعضهم… والإقامة الجبرية للبعض الآخر…وخنق الأحزاب…وإعلان جمهورية جديدة…وصياغة دستور جديد…فإبعاد النهضة ومن معها لن يوفّر الشغل لمن يطالبون به منذ عقود…وغلق وكر باردو لن يشبع الفقراء من جوعهم…ولن يوفّر الدواء للمحتاجين…وسجن البعض والتنكيل بهم إعلاميا قبل التحقّق من مدى تورطهم لن يكبح جماح الأسعار التي عانقت السماء ارتفاعا…
رئيسنا تعامل بحقد مع كل شؤون الدولة والبلاد، واكتفى منذ جلوسه على كرسي بورقيبة العظيم بخطاب لا غاية من ورائه غير التأثير العاطفي وإثارة المشاعر والانفعالات وإرضاء الجمهور واستمالته بما يكرهه لا بما يتمناه ويريده ويبحث عنه…رئيسنا لم يبحث عن خطاب المصالحة الفعلية والعقلانية الشاملة التي تعتبر المنقذ الوحيد لما نحن فيه، ولم يخاطب العقل بمتطلبات المرحلة بل خاطب العاطفة بتأجيج الحقد الذي ملأ صدور بعض الشعب على بعضه الآخر ظنّا منه أن الجميع سيسقط في فخّ خطابه…
ونسي أن بالحبّ فقط يصنع المعجزات… ونسي أن من لا يحبّ الشعب كل الشعب…لن يحبه الشعب كل الشعب…ومن لا يحب الفلاح والتاجر لن يحبّه الفلاح والتاجر…ومن لا يحبّ الغني والفقير لن يحبّه الغني ولا الفقير…ومن لا يحب “الكناتري” لن يحبه “الكناتري”…ومن لا يحبّ الجاهل والمتعلّم لن يحبّه الجاهل ولا المتعلّم…ومن لا يحبّ “النهضاوي” فلن يحبّه “النهضاوي” …ومن لا يحبّ “الدستوري” لن يحبّه “الدستوري”…ومن لا يحبّ الأحزاب لن تحبّه الأحزاب ولا قواعد الأحزاب ولا أنصار الأحزاب… ومن لا يحبّ ليلى فلن تحبّه ليلى…والشعب كل هؤلاء أحببنا أم كرهنا…
ختاما أقول قال جون كيندي رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في خطاب تنصيبه رئيسا لبلاد العمّ سام سنة 1961 ” لا تسأل ماذا يمكن أن يقدم لك بلدك؛ اسأل ماذا يمكن أن تقدمه لبلدك”…واقول اليوم عكس قوله لرئيسنا “لا تسأل ماذا يمكن أن يقدّم لك شعبك، اسال ماذا يمكن أن تقدّمه انت لشعبك المسكين”