لمْسُ نار
الحلّ السريع … أم القطار السريع ؟!
نشرت
قبل 3 سنواتفي
من قبل
عبير عميش Abir Amichمنذ شهر نوفمبر الماضي صار للتونسيين كلّ يوم خميس موعد قارّ تقريبا مع انعقاد مجلس الوزراء الذي يلقي فيه رئيس الجمهورية خطابا أو هو “مونولوغا ” مطوّلا، بحضور جمع من الوزراء الصّامتين الذين يجلسون كالتلاميذ في حضرة مؤدّب الصبيان ، فلا نراهم إلا في لقطات سريعة مقتضبة و لا ندري حتّى ما الذي يخطه بعضهم على أوراق أمامهم أثناء خطابات الرئيس الطويلة المتوتّرة والموتورة .
ماذا يفعل الوزراء في هذه المجالس التي لا يحضرون فيها إلا للمصادقة على كلام الرئيس ؟
ما الذي ينتظره بعضهم ليقدّم استقالته بعد أن أدرك الشعب ـ و قد يكونون أدركوا هم أيضا ـ أنهم ليسوا غير واجهة لحكم الفرد الواحد، و أنّ وجودهم صوري فلا قرار إلا قراره و لا أمر إلا أمره …؟
في كلّ خطاب يكتشف التوانسة أنّ الرئيس في واد و الشعب في واد آخر، همومه غير همومهم و أولوياته غير أولوياتهم … توقعنا في مجلس الخميس الفائت أن يتطرّق الرئيس إلى الأزمة المالية و الاقتصاديّة التي تعيشها البلاد، خاصّة مع تذمّر الشعب من تأخر صرف الأجور و الارتفاع المشطّ للأسعار و فقدان عديد المواد من الأسواق … إلاّ أنّه عاد إلى تكرار مواضيعه المفضلّة كتطهير القضاء و الفصل بين الوظائف لا بين السّلطات و تهديد خصومه و توعّد من ينكّلون بالشعب، ثمّ مرّ الى الحديث عن الاستشارة الالكترونيّة التي استبق نتائجها و قدّم لنا خيارات المشاركين فيها و هم لا يتجاوزون 2 % من النّاخبين التونسيين على أنها نتائج نهائية تعبرعن توجهات المواطنين … متناسيا أنّ الكثيرين غير مكترثين بها أصلا أو أنهم لا يعلمون بوجودها تماما، في حين عبّر طيف كبير من المهتمين بالشأن السياسي عن مقاطعتهم لها بسبب استغلالها لموارد الدّولة في تحقيق رغبات الرئيس ومشاريعه الشخصية من ناحية، و بسبب عدم ثقتهم في نتائجها من ناحية أخرى … إذ يعتبرون أن نتائجها جاهزة مسبقا … و ما تركيزه في خطابه على نقاط النظام السياسي وسحب الوكالة والاقتراع على الأفراد والموقف من القضاء، إلا تأكيد على الغاية الحقيقية من هذه الاستشارة، و أن الجوانب الاجتماعية والاقتصادية و غيرها من المحاور المدرجة فيها ليست إلا لذرّ الرّماد على الأعين .
و بعد أن خلنا أنّنا قطعنا مع مفاهيم المبايعة والمناشدة و الرئاسة مدى الحياة و النسب الهائلة التي تقارب المائة في المائة، ها أنّنا نعود إليها في عهد الرئيس المنتخب الذي استغل الآليات الدّستوريّة لينقلب عليها في ما بعد … من أجل إرساء النظام الذي يحلم به، فلا عجب إذن أن يركّز على الجوانب السياسيّة و أن يهمل الجوانب الاقتصاديّة الحارقة …
لا يحدّثنا رئيس الجمهوريّة عن الصعوبات الآنيّة الملحّة، و لا يبدو أنّه يبحث لها عن حلول عاجلة، و في المقابل يحدّثنا عن مشاريع عملاقة يدغدغ بها أوهام مريديه و يرضي نرجسيتهم و يثير سخرية غيرهم ممن ينظرون إلى الواقع بعقلانيّة … فبعد الحديث عن الشركات الأهليّة و عن المدينة الصحية بالقيروان، أسدى أوامره بالأمس للشروع في دراسة مشروع القطار السريع العابر للبلاد من شمالها إلى جنوبها …
نعم من حقنا أن نحلم بقطارات سريعة و بكبسولات متطوّرة لنقل البضائع و بموانئ كبيرة تناسب موقعنا الجغرافي وبمحطات سياحيّة و استشفائيّة عالية الجودة و بمشاريع عالميّة عملاقة لتوليد الطاقة الشمسية في الجنوب .. من حقنا أن نحلم حتّى بربط شطّ الجريد بالبحر و مدّ قنطرة بين الهواريّة و بنزرت … فدون حلم لم تتقدّم البلدان و دون حلم لم تتطوّر الشعوب … و لكن كيف لشعب تعاني حكومته الويلات لتصرف أجور موظفيها و جرايات متقاعديها (أجور جانفي التي تأخّر صرفها لأكثر من أسبوع لم يتمّ توفيرها إلا بالضغط على البنوك و الاقتراض منها و بتحويل القرض الجزائري إلى الدينــار التــونسي أمّا أجور فيفري فهي في حكم المجهــول) … كيف لهذا الشعب بأن يحلم و أن يتفــاءل بالمستقبل و مؤشرات حــاضره رمــاديّة غــائمة …
تساءل المواطنون بأي تمويل سينجز هذا المشروع و أيّة أموال سترصدها الوزارة للدراسات الأوّلية المطلوبة منها و قطاع النّقل في بلادنا يعيش أسوأ فتراته .. و اعتبروا أنّ إصلاح النّقل العمومي و الحافلات و الطرقات أوْلى حاليّا من المشاريع الكبرى في وضع كهذا، فكم من مشروع سابق مازال إلى اليوم مركونا في الرفوف لغياب التمويل … فلماذا هدر الوقت و الطاقة في مشاريع و أفكار جديدة ؟
يتساءل المواطنون و لسان حالهم يقول حققْ لنا أحلامنا و مشاريعنا المؤجلة ثم سنحلم معك بمشاريع جديدة في عهدتك القادمة أو في عهدتك التي تليها .. و اللتان تبدوان مضمونتين بالنسبة إليك بعد النتائج الباهرة التي ستحققها استشارتك !
الرئيس وجد وضعا ماليا صعبا هذه حقيقة لا يمكن إنكارها، و لكن لا يجب أن ننسى أيضا أنّ تصريحاته (خطاب “أمك صنافة”) و سياساته ( تضييق الحرّيات و الاعتداءات المتكررة على المتظاهرين المعارضين له) فـاقـمت الوضع في الأشهر الأخيرة و قلّصت حظوظ البلاد في الحصول على التمويلات الأجنبّية …
لكن و إن أغلقت بعض البلدان و القوى العظمى أبوابها في وجه تونس، فلماذا لا يغادر قصره و يقوم بجولة افريقيّة أو آسيويّة يبحث فيها عن استثمارات جديدة و فرص تعاون و استثمار مغايرة للمألوف … لماذا لا يستلهم تجارب هذه البلدان في التطوّر و هو المغرم بالتاريخ و الجغرافيا و المستشهد دوما بتجارب الآخرين ( الشيلي ، فينزويلا …)؟ لماذا لا يدرس تجربة البلدان الافريقية التي حققت نسب نموّ مرتفعة بعد خروجها من الحروب الأهليّة؟ لماذا لا يبحث في أسباب نجاح النمور الآسيويّة و ينطلق منها في إصلاح فعلي للمسار و في بناء تونس جديدة؟ لماذا لا يستدعي شبابنا المتألّق الذي أثبت نجاحه عبر العالم و يطلب منهم أفكارا وحلولا مجدّدة تخرج بالبلاد من هذه الهوّة التي تنحدر إليها مسرعة ؟؟ خاصّة أنهم برهنوا على ذلك مرارا وتكرارا في عديد المجالات، و لعلّ آخر مثال يمكن استحضاره هو الحدث الذي عشناه الأسبوع الماضي والمتمثل في الترفيع في رأس المال بـ 100 مليون دولار لستارت آب start up تونسيّة هي ” انستاديب INSTADEEP ” و هو المبلغ الأهم على الإطلاق في افريقيا بمساهمة كلّ من بيونتاك و غوغل و غيرها من الشركات العالميّة .INSTADEEP شركة تستثمر في الذكاء الاصطناعي أنشأها كلّ من كريم بقير و زهرة سليم سنة 2014 و انطلقت بإمكانيات بسيطة كلّ رأسمالها 5 آلاف دينار و حاسوبان لتتعدّد بعد ذلك فروعها في العالم و لتحرز على ثقة كبريات الشركات العالميّة …
فئة كبيرة من شبابنا قادرة على صنع التّحدّي وعلى تغيير وجه البلاد فلماذا نهملها و لا نستعين بخبراتها وطاقاتها ؟
تصفح أيضا
تمّ منذ يومين تسريب وثيقة سرّية تتضمّن أسماء 25 شخصيّة بين سياسيين و أمنيين و مسؤولين سابقين و حاليين و إعلاميين و فنّانين و شخصيّات عامّة بتهم التآمر على أمن الدّولة و تكوين و فاق إجرامي و ربط اتصالات مع أجانب للإضرار بالبلاد و التّدليس و مسك مدلّس …
هذه تهم ـ إن صحّت ـ كفيلة بأن ترسل مقترفيها وراء الشّمس. لكنّ التهمة التي شدّت انتباهي أكثر من غيرها هي “ارتكاب أمر موحش ضدّ رئيس الدّولة” (و هي تهمة قديمة لم يستحدثها نظام 25 جويلية لكنّه كثيرا ما لجأ إليها في الفترة الأخيرة لمحاكمة خصومه رغم ادّعائه القطع مع الماضي و ابتكار مقاربات جديدة) و لكنّي كلّما قرأت هذه التهمة أخذت أتساءل عن شكل الأمر الموحش ضدّ رئيس الدّولة ؟ و ما الفرق بين رئيس الدّولة و باقي المواطنين فما هو إلا موظّف يسيّر دواليب الدّولة لخدمتهم ؟ و أخذت أتساءل أكثر عن معنى الأمر الموحش ؟
أ ليس تكبيل الأجيال القادمة بالديون و الاتفاق مع صندوق النّقد الدّولي على ترفيع الأسعار و رفع الدّعم دون تعديل في الأجور أمرا موحشا ضدّ فئات كبيرة من الشّعب التّونسي و استهدافا لقدراتهم الشّرائيّة ؟
أ ليس قتل الأمل في نفوس أجيال من الشّباب و دفعهم إلى الهجرة بكلّ الوسائل المشروعة و غير المشروعة أمرا موحشا ضدّ الشّعب و ضدّ مستقبل البلد ؟
أ ليس غياب المواد الأساسية و الاضطرار إلى ملاحقتها و اللهث وراءها أمرا موحشا في حق الشعب و ضد؟ كرامته و إنسانية؟
أ ليس وضع مستشفياتنا العموميّة و تدهور الخدمات الصّحّية أمرا موحشا في حق المرضى و استهزاء بحقهم في الصحة و الحياة ؟
أ ليس فقدان الأدوية الحياتية و طول فترات انتظار المرضى للحصول على أدويتهم الحياتية أمرا موحشا في حق الشعب و استنزافا لجهده و صحته ؟
أ ليست صفقات اللوالب الفاسدة و البنج المنتهي الصلوحية و أطفال الكرذونة و غياب لقاحات الكوفيد في ذروة الأزمة أمرا موحشا في حق هذا الشعب و تدميرا لكل جميل في الوطن ؟
أ ليست حالة طرقاتنا الكارثية و اهتراء وسائل نقلنا العمومي و اضطراب توقيت سفرات الحافلات و المتروات و القطارات و حتى البواخر و الطائرات أمرا موحشا في حق الشعب و حق ضيوف البلد؟
أ ليس تأخر ترتيب جامعاتنا و ضعف تصنيف بلادنا و تدهور منظومتنا التربوية أمرا موحشا في حق الشعب و مستقبل أبناء الشعب ؟
أ ليس قطع المياه لأيام طويلة في عزّ الصيف عن جهات بعينها أمرا موحشا في حق الشعب ؟
أ ليس انتشار القمامة و غياب الحلول الجذرية للنفايات في صفاقس و برج شاكير و غيرها أمرا موحشا في حق الشعب و تهديدا لصحّته و سلامته و سلامة بيئته ؟
أ ليس أمرا موحشا أن لا يعرف أهالي الحرّاقة مصير أبنائهم و لا مكان دفن جثثهم و أن تقابل احتجاجاتهم بالغازات المسيلة للدّموع و بالرّدع الأمني العنيف ؟
أ ليس التلاعب بقائمة لاعبي المنتخب الوطني لكرة القدم و التكمبين و تغليب مصلحة بعض السماسرة و الجمعيات و الجهات و فساد الجامعة و ضعف المدرّب أمرا موحشا في حق هذا الشعب و حرمانا له من لحظة فرحة و اعتزاز طال انتظارها ؟
أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب أن يقوده إعلاميون مأجورون و كرونيكورات تافهون و أن تؤثث لياليه و صباحاته ببلاتوهات الدّجل و الشعوذة و البحث عن الإثارة و البوز؟
أ ليس أمرا موحشا في حقّ هذا الشعب ترشّح البعض لعضوية مجلس النواب الجديد ؟ أ ليس أمرا موجعا الاستماع إلى بعضهم و التفكير في ما “يبشّرون” به من تشليك للبرلمان القادم ؟
أ ليست بعض الخطابات و ما فيها من تحقير لفئات من الشعب أو من اتهامات و تخوين و توعّد و تهديد فعلا موحشا ضدّ هذا الشعب و أمرا موتّرا للأوضاع و مسمّما لأجواء الوطن ؟
أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب، جزء كبير من الشعب أن تتلاعب البنوك بموارده فيثري أصحابها على حسابه ؟
أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب أن تتحكم المافيات و بعض العائلات النافذة بقوته و بمصيره و أن تفرض عليه قوانينها و تستغله لمزيد الإثراء و نفخ حساباتها
أ ليس أمرا موحشا في حق الشعب أن يرى أبناء المسؤولين يصولون و يجولون فيحطمون سيارات الدّولة أو يتنقلون بين بلدان العالم و يستمتعون بأموال الشعب دون حسيب أو رقيب ؟
أ ليس أمرا موحشا أن يرى الشّعب أنّ من ساهموا في تدميره أحرارا طلقاء يطلعون عليه عبر بلاتوهات الإعلام مواصلين السخرية منه ؟ أو يجولون بين عواصم العالم و يتمتّعون بخيراته فيما يبقى هو هنا يعاني الويلات ؟
أ ليس تعيين مسؤولين من أصحاب الولاء و ولاة ضعفاء و وزراء غير أكفاء أمرا موحشا ضدّ الشعب و استسهالا للحكم و تقزيما للنّخب ؟
أ ليس أمرا موحشا في حقّ الشّعب أن تُسلَب منه أحلامه وطموحاته و أن يفقد في 12 سنة ثقته في ما حصل و أمله في التغيير الإيجابيّ ؟
أ ليس أمرا موحشا في حقّ الشّعب أن يجد أغلب الشعب نفسه وحيدا في مواجهة منظومة تفرمه فرما و نظام يسحقه سحقا ؟
و كم من أمر موحش تمّ و يتمّ ضدّ هذا الشعب فإلى من يشتكي و إلى من يلجأ؟
فلا محكمة دستورية لتنصفه و لا محكمة إدارية قادرة على إنفاذ قراراتها و لا مجتمع مدنيّ قادر على تمثيله و لا صاحب عصمة آبِه له و لهمومه ؟
يقول الخبر : “رئيس الجمهورية يصادق على قرض جديد من البنك الأوروبي بقيمة 150 مليون يورو لدعم الصمود الغذائي”
قرض الصمود الغذائي .. يا لها من شقشقة لغوية و عبارة تتواءم مع الشعارات الرنانة و الكلمات الفخمة و الفذلكات اللغوية التي مافتئت تتواتر في خطابات الرئيس و بياناته و التي تذكرنا خاصّة بفترة الستينات وبشعارات القومية و الوحدة العربية و الأفكار الطوباوية و الخطابات النّاريّة التي لم تصحبها قدرات فعلية و لم ترافقها استعدادات واقعية، فلم تعد على أصحابها و بلدانهم و سائر الأمة العربية إلا بالوبال و الهزائم و الخيبات والانتكاسات ..
ألم يؤكد الرئيس مرارا أنّ الأزمة داخلية و ذاتية و مردها الاحتكار و سوء التحكم في مسالك التوزيع و “وضع العصا في العجلة” و العمل على تعطيل الحكومة من أطراف يعلمها الجميع على حدّ تعبيره؟
ألم يؤكّد في عديد المناسبات أنّ خزائن الدولة تفيض بالأموال و لكن انعدام العدل و سوء توزيعها هو العائق؟
فلماذا الالتجاء إلى القرض الخارجي لتمويل استيراد الحبوب أساسا ؟ أليس هذا اعترافا ضمنيّا بخطأ تفسيرات الرئيس و اتهاماته؟ أليس اعترافا ضمنيّا بعدم توفّر السيولة الكافية من العملة الصعبة لتأمين حاجياتنا من الأسواق العالميّة؟
كم قرض (داخليّ و خارجيّ) أمضى الرئيس على مراسيم الحصول عليه منذ انفراده بالسلطة ؟
و هل يأتي يوم نحصل فيه على قرض الصمود الطاقي حتى لا تتعطل مصانعنا و مؤسساتنا وعرباتنا ومولّدات الطاقة لدينا؟
و هل يأتي يوم نحصل فيه على قرض الصمود الدوائي بعد أن صار عدد كبير من الأدوية الحياتية مفقودا من الصيدليات ،و عجز المواطنون عن توفير أدوية لأمراض خطيرة و أمراض مزمنة و علاجات للمسنين الذين خدموا الدولة طيلة عقود، و ساهموا في صناديق الحيطة الاجتماعية على أمل الحصول على تقاعد مريح، فوجدوا أنفسهم يتمنون الموت مائة مرة في اليوم و يعيشون تقاعدا كريها قاتلا يستنزف كل ما بقي لديهم من جهد و طاقة، في طوابير الانتظار أمام مراكز البريد و مقرات ” الكنام ” و مستشفيات الضمان الاجتماعي …
مسؤولون من الحكومة و من البنك المركزي سيتوجهون بعد حوالي أسبوع إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لمواصلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد أقترح على الرئيس أن يطلق عليه تسمية ” قرض الصمود الحكومي ” أو ” قرض الإنقاذ الإخشيدي ” فهو الأمل الذي مازالت تعيش به هذه الحكومة و الرئيس من ورائها ، قبل أن يثور الشعب من جديد و هو يرى كل يوم مواد رئيسية تختفي من الأسواق و يرى قدرته تنهار و أحلامه تتلاشى …
و لكن لا أحد فكّر في أن يُطلِع هذا الشعب – الذي يريد و يعرف ما يريد – على فحوى المفاوضات و بنود الاتفاق و خاصة مدى تأثيره – إن حصل – على حياتنا و معيشتنا و قدرتنا الشرائية مثلما لم يطلعنا أحد على بنود اتفاق قرض الصمود الغذائي و شروطه و نسبة الفوائد فيه و مدّة سداده ..
أين الشفافية و الوضوح ؟؟ لماذا تواصل هذه الحكومة (كالحكومات التي سبقتها) معاملتنا كرعايا لا كمواطنين ؟
و لماذا نتحدث عن قرض للصمود الغذائي بدل أن نتحدّث عن العمل لتحقيق الصمود الغذائي، و بدل أن نتحدّث عن زرع المساحات المهجورة لتحقيق الصمود الغذائي، و بدل أن نبادر إلى تغيير نوع الزراعات و إلى حسن الّتصرّف في الموارد المائية لتحقيق الصمود الغذائي
لماذا لا يبادر الرئيس إلى إصدار قوانين جديدة و هو يحكمنا بالمراسيم منذ أكثر من سنة تضمن النماء والتطوّر الاقتصاديين؟ لماذا لا يستعين بلجنة تضمّ خبراء من الشبان ذوي النّظرة المجدّدة و التفكير البديل ورجالا ممن خدموا الدّولة في سابق الفترات و حققوا إنجازات مازلنا نعتمد بعضها كمرجعيات إلى اليوم، بدل الترويج لحلول شعبويّة ليس لها من فائدة غير إثارة حقد السكّان على بعضهم البعض و لا يمكن أن تمثل حلولا حقيقية لوضعنا الاقتصادي فما نسبة العطور و مواد التجميل و أطعمة الحيوانات المستوردة التي يقترح التوقف عن استيرادها من مجموع وارداتنا ؟ إنها لا تبلغ نسبة 1% من إجمالي الواردات …
و إن كنّا لا ننكر أهميّة الحلّ الحمائي في كلّ المجالات للحفاظ على العملة الصعبة و مراعاة ظروف البلاد وحماية المؤسسات التونسية، فإنّ حلولا أخرى ممكنة هي أكثر جدوى و فاعليّة و لكنّها تحتاج شجاعة القرار والتنفيذ و كان بوسع الرئيس تطبيقها بما لديه من سلطات مطلقة تحت ظلّ حالة الاستثناء التي نعيشها، فبدل البحث عن الأموال المنهوبة في الخارج و هو ملف شائك يتطلب حله سنوات طويلة .. و بدل التركيز على الصلح الجزائي و هو ملف استهلكته الحكومات السابقة و لم يعد تلك الدّجاجة التي تبيض ذهبا، لماذا لا يبحث الرئيس عن تغيير نمط الاقتصاد و فتح الأبواب في كلّ المجالات أمام المستثمرين الجدد؟ لماذا تبقى مجالات بعينها حكرا على عائلات و شركات دون سواها و لا يمكن لأي مستثمر جديد أن يفكّر مجرّد تفكير في اقتحامها أو الاقتراب منها ؟ لماذا تبقى الرّخص حكرا على أسماء بعينها و كراسات الشروط لا تتواءم بنودها إلا مع أسماء بعينها؟
إنّ أي تطوّر أو إصلاح للاقتصاد التوّنسي لا يمكن أن يتمّ دون محاربة هذه “الكارتيلات” التي تسيطر على مجالات بعينها ودون تغيير للقوانين التي وضعت على مقاسها لتجعلها دوما المتحكّم الوحيد في الأسواق
فهل يفعلها الرئيس و يغيّر قواعد اللعبة الاقتصادية بجرّة قلم أو بجرّة مرسوم مثلما فعل مع قوانين اللعبة السياسية و الانتخابية ؟؟
” – يا محمّد ، يا محمّد قال لك الشّيخ إيجا صحح لي على التّزكية و جيب أولاد عمّك معاك راني معمّل عليكم و تفاهمت مع رئيس البلديّة باش غدوة يخصص لنا عون على ذمّتنا.
– و الله سبقك الحاج عندو نهارين حكى معاي و مادام قصدني ما انّجمش نقلو لا ، ماك تعرف مزاياه مغرّقتنا عايلة كاملة
– كيفاش عاد !، باش تنكر في عرشك و ماشي مع الحاج ؟ دبّر راسك مع الشيخ تعرف قدّاش غشو صعيب ! … باهي يا صالح شوف لنا جماعتك خلي يجيوا يصححولنا ها الورقة باش نبداو الحملة متاعنا ، ماعادش عندنا وقت ..
– جماعتي !! تحكي بجدّك ؟؟ ماهو في بالك ، أولادنا أكثرهم حرقوا ياخي شكون بقى فيه الدّوار ؟ و كانك على النّساء نهار خدمة عندهم ، شكون اللي باش تسلّم في جورنيها و تجي معانا للبلديّة ؟ “
هذا الحوار الذي قد يبدو لنا اليوم خياليّا أو حتى سرياليّا ، إلاّ أنّه بعد أسبوعين أو ثلاثة سيصير أصل الأحاديث و منتهاها و سيصبح الحوار الطّاغي في جلساتنا و مقاهينا و نوادينا و محلاتنا و أسواقنا اليومية و الأسبوعية ، بعد نشر قانون الانتخابات و فتح باب الترشّح للمجلس النيابي الذي سيتقلّص عدد قاطنيه من 217 نائبا إلى 161 نائبا فقط و بذلك تنخفض نسبة التمثيل النيابي نظريا من نائب لكل ّ 60 ألف ساكن تقريبا إلى نائب لكلّ أكثر من 75 ألف ساكن بعد أن تمّ تخفيض عدد الدوائر الانتخابية و دمج بعض المعتمديات مع بعضها البعض دون مراعاة لخصوصيات كل منطقة و نسبة حضور الجانب القبلي و العشائري فيها و حتى عدد سكانها …أمّا واقعيا فالأمر غير ذلك تماما فبعمليّة مقارنة بسيطة نجد نائبا عن دائرة تونس المدينة و باب سويقة التي تعدّ 45 ألف ساكن في حينّ أنّ منطقة الحرايرية التي تعدّ 119 ألف ساكن ستكون ممثلة بمقعد واحد أيضا و نفس الشيء بالنسبة لدائرة بوعرادة و ڨعفورو الكريب و بورويس و العروسة من ولاية سليانة التي تعدّ 80 ألف ساكن أو كذلك قرطاج و المرسى بـ 125 ألف ساكن ..
و لا يقتصر الأمر على التفاوت غير المنطقي في نسبة التمثيلية بين الدّوائر إذ يطرح هذا القانون الانتخابي الجديد الذي أتى به سعيّد مسقطا كالعادة دون أي تشاور مع الأحزاب أو المنظمات و دون اعتبار لمواقف مسانديه قبل معارضيه ، إشكاليّات عديدة و من أبرزها موضوع التزكيات و ما فيه من تكريس للبيروقراطية المقيتة ففي الوقت الذي يطالب فيه المواطنون بتفعيل المنظومات الالكترونية و الاستغناء عن الأوراق و الصفوف الطويلة في الإدارات يأتي هذا القانون ليعطّل شؤون المواطنين العاديين في انتظار انتهاء أصحاب التزكيات من وضع إمضاءاتهم …و لنتصوّر مثلا منطقة سيترشح عنها 5 أو 6 متنافسين فقط ألا يعني ذلك الحاجة إلى 2000 أو 2400 تعريف بالإمضاء في كلّ دائرة ؟ هذا في أفضل الأحوال … ثمّ أ لا يعني ذلك تعطّل أعمال الممضين أيضا بسبب طوابير الانتظار ؟ أ لا يكون ذلك مطيّة لشراء التزكيات بتعويض صاحب التزكية عن غيابه عن عمله ؟ و من أدرانا أيضا أنّ البعض و لتعطيل ترشّح بعض المتنافسين لا يمضي في تزكيتين لشخصين مختلفين ليتسبب بذلك في إسقاط ترشّح المنافس …
إنّ نظاما انتخابيّا كهذا لن يستطيع الفوز فيه إلا أصحاب الأموال الطائلة أو وجهاء العروش الكبيرة (خاصّة بعد التنصيص على الاعتماد كلّيا على التّمويل الذّاتي و التمويل الخاص و حذف التمويل العمومي) أو المنتمون إلى أحزاب قويّة و منظمة و مهيكلة و ممتدّة في العمق التونسي و في الوقت الحالي و بعد اهتراء الأحزاب و حتى تآكل بعضها من الدّاخل ، فإنّ أقدر حزبين على تجميع التزكيات أوّلا و على الفوز بمقاعد برلمانيّة ثانيا هما حزب حركة النهضة و الحزب الدّستوري الحرّ (إن تراجعا في موقفهما من مقاطعة الانتخابات) نظرا إلى عدم توقفهما عن النّشاط و مواصلتهما العمل الميداني و الاحتكاك بالنّاس.
و لعلّ من أخطر الإشكاليات التي يطرحها هذا القانون الجديد هو تنمية روح العروشية و الولاء القبلي و العائلي و تغذية النّعرات الجهوية التي ما فتئ المجتمع التونسي يحاول التّخلّص منها منذ عقود، وكذلك منع أصحاب الجنسيات المزدوجة من الترشح في دوائر الداخل و السّماح بذلك في دوائر الخارج …وهو إجراء ينسف مبدأ المساواة و يحرم مواطنين تونسيين من حقوقهم السياسية والمدنية، إضافة طبعا إلى ما فيه من إقصاء للنّساء و الشباب من بلوغ المجلس النيابي و هو ما يتعارض مع فصول الدّستور و خاصّة الفصل 51 من الدستور الجديد الذي يؤكد على التناصف …فليس للمرأة في قانون 15 سبتمبر من قيمة إلا في مرحلة التّزكيات في حين تمّ إلغاء كلّ الضمانات القانونيّة التي تحقق لها تمثيلية محترمة داخل مجلس النّواب و تمّ تجريدها من كلّ الآليات التي تشجعها على المشاركة في الانتخابات و في الحياة السياسية عموما…
و في صورة غياب الأحزاب فإنّ الانتخاب على الأفراد سيعطينا مجلسا منقسما غير متجانس لا هويّة له و يصعب فيه التنظم في كتل برلمانية واضحة و سيفقد دوره و وظيفته التشريعية الوطنيّة، إذ سيحرص كلّ مترشّح على تقديم برامج محلية جهوية دون رؤية شاملة …فكل نائب سيحاول إرضاء ناخبيه من سكان ناحيته حتى لا تسحب منه الوكالة… هذا الإجراء الذي يمكن أن يجعلنا في حالة انتخاب دائم و سيكون سيفا مسلطا على رقاب النواب ويقصر محاسبتهم على ناخبيهم فقط (في حدود دائرتهم الانتخابية) دون أن يكون لباقي الشّعب حق محاسبتهم… سيكون مجلسا صوريّا ، مجلسا ضعيفا متشظّيا دون رؤية استشرافيّة، مجلسا خاضعا للسلطة التنفيذية لا دور له إلا المصادقة على مشاريع الرّئيس و مراسيمه دون قدرة على الحشد و التجميع من أجل التّصويت على مشاريع مغايرة أو قوانين مختلفة… و سيكرّس المجلس بهذه الصورة – قبل أن ينضاف إليه مجلس الجهات و الأقاليم الذي سيزيد من تقزيم دوره – فكرة الزعامة المطلقة لرئيس الجمهورية الذي يبقى دوما خارج مجال المساءلة و المحاسبة.
صن نار
- ثقافياقبل 11 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 11 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 21 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟