جور نار

الخاسرة دائما

نشرت

في

أكبر خسارة مؤلمة أنس جابر تخسر نهائي ويمبلدون مجددًا

عن أمي عن جدتي عن كافة أمهاتنا وجداتنا أن جحا قال يوما: إذا استبلهني أحد مرة فاللعنة على أبيه … أما إذا استبلهني مرة ثانية ونجح في ذلك، فاللعنة على أبي أنا …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

وحديثنا قياس … الهزائم في الرياضة واردة تماما كالانتصارات وكالتعادلات، واحد اثنان إيكس وتلك هي الحياة … ولكن المسابقات الرياضية كمسابقات الحياة لا يمكن أن تكون هزائم كلها … لا يمكن، خاصة إذا تكررت وتواترت بنفس الطريقة ونفس الأخطاء ونفس النتائج … لأنه بين الهزيمة والهزيمة هناك عقل يفكر وذهن يدرس وقلب يحس وعين تتفطن إلى مواقع الخلل … وتتفاقم الحيرة إذا عرفنا أن هناك بدل العقل عقولا، وبدل العين عيونا خبيرة مدققة، وبدل القلب ملايين القلوب إن لم نقل مئاتها وملياراتها ولسنا نبالغ بالأرقام كما يفعل الرئيس ومعاونوه …

فعلا، فما تيسّر لأنس جابر قبل نهائي ويمبلدون هذا، طوفان من التعاطف ضمّ الكرة الأرضية بأسرها، ودعوات بالنصر من القارات الخمس… بل ربما حتى منافستها لم يكن يضيرها أن تخسر مع أنس جابر، هذه العروس التي تربّعت على الأفئدة وهي القادمة من بلد فقير يطمح بالعرق والدم إلى نيل تاج الأغنياء … تونسيون إذن وعرب وأفارقة ومنوسّطيون و”بريكس” ورياضيون وقدماء من لعبة التنس … كلهم كانوا وراء أنس، من ديفيد بيكام إلى ماكنرو إلى الشقيقتين ويليامس إلى نافراتيلوفا إلى لا أدري من … الجميع كان يساندها ملء رئتيه، ومع ذلك …

من يرى بطلتنا وهي تعصف بمنافساتها في الأدوار السابقة يقول ما شاء الله … هذه قادرة على هزم نادال نفسه وهي في هذه الفورمة والجاذبية … ولكنها يوم النهائي ضاعت في الميدان وأضاعت كل شيء وأضاعتنا معها … وكانت في المواجهة مع منافسة مغمورة أقل بكثير من ماردات بحجم “ريباكينا” و”سابالنكا” اللتين تخلصت منهما بسلاسة لافتة في الدورين ربع النهائي ونصف النهائي … يا للعجب …

ولكن يبدو أن أنس في مباراة النهاية لم تكن تلعب ضد البطلة التشيكية، كما لم تكن في نهائي السنة الماضية تلعب ضد المنافسة البولونية … بل إن أنس كانت تلعب ضد النهائي نفسه … تلعب ضد الرهان الكبير وتصديق أو عدم تصديق أنها ممكن تكون بطلة العالم … هذه هي العقدة … وهذا ما يصيب معظم مواطنينا حين يدهمهم رهان مجد عال وفجأة يتذكرون مقولات محبطة منبطحة تحش الركائب مثل (نحن بلد صغير) و(ظروفنا قاسية ومن نحن أمام هؤلاء العمالقة) و (أنا من العالم الثالث) ووو …

وأنكى من ذلك … حين يحصر البطل نفسه في أطر اكتفائية صغيرة يستكثر بها على نفسه وعلى بلده أية قمة ممكنة … من نوع التمثيل المشرف وتحسين الترتيب والمربع الذهبي والجائزة الثانية التي قوامها ملايين الدولارات على أية حال … وهنا يتجول البطل العالمي إلى ابن من أبناء حيّنا يقارن نفسه بأبناء الجيران البؤساء وأبناء العائلة المتخلّفين ويزهو بالتفوق عليهم، بدل التفوّق الحق على أبطال العالم …

عقدة لا فكاك منها على ما يبدو بالنسبة لأنس … ودون أن نحبط أحدا أو نمسّ من تفاؤل أحد، فإننا نقول إن بطلتنا لا يمكن أبدا أن تكون بطلة عالم، لا في ويمبلدون ولا في غيره … أولا لأن قطار العمر يجري وهي في الثلاثين بينما الطالعات في اللعبة هن في أول العشرينات … وثانيا لأنه مستحيل أن تتوفر لها (ولأي واحد) ظروف نجاح كالتي توفرت مؤخرا …

والحمد لله أنه ليس كل ممثلينا يشتغلون بعقلية أنس جابر ومنتخبات الرياضات الجماعية … الحمد لله أن لنا أبطالا آخرين لا يخذلوننا، أسماؤهم أيوب الحفناوي، روعة التليلي، وليد كتيلة، مروى العامري … والبقية تأتي من تونس الولود الولاّدة.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version