بعد أيام يحل فصل الصيف … لا، بل هو حلّ بعد بحسب كثيرين و قد عشنا مؤخرا موجات من الشهيلي لم تترك ناحية في البلاد إلا ولفحتها بنارها الموقدة … و لا ندري كم سنصطلي لولا بعض إنعاش حملته سحب و أمطار قد تكون الأخيرة قبل وقت طويل، و لكننا حتى في هذه قد نكون وقعنا تحت ويل جديد …
صديقي نادل المقهى نبّهني البارحة متشائما إلى أن المطر الأخير لن ينتج عنه سوى رجوع البعوض … و عنده حق على الأقل في ما يخصه، فالمحلّ واقع قرب أرض واطئة لم يتم بناؤها بعد … و عندما يهطل الغيث تتجمع في المكان بركة تكفي لازدهار تلك الحشرة و شن غزواتها على الجوار بمن فيهم شاغلي الطواول والكراسي … و هذا على العموم ما يصيبنا من خيرات الطبيعة التي يتغنى بها الركبان … الناس تحكي عن الصابة و الخضار و موسم الرفاه و الأزهار و الأطيار، و نحن لم نجن من مياه السماء دائما سوى الوحل و الفيضان و هذه المجنّحات …
هي كواسر، هي جوارح، هي قوارض طائرة دون ريب … أكيد أن البعوض موجود في كل أقطار الدنيا، و لكن الفصيلة المرسلة على تونس لا تشبهها فصيلة أخرى … مكرا وتأقلما و تكاثرا و حسن اختيار لضحاياها و توقيت عملها و مكان وخزها و موعد ظهورها للعموم …كما أن إبرها مسلّحة لا أدري بأي نوع من الكحول، أو البنزين الحارق، أو ماء الفرق … لسعة واحدة منها تساوي ساعة تعذيب بدهليز وزارة الداخلية … مما يجعل وَنْوَنتها شبيهة بصفارة إنذار يسبق قصفا مكثفا … لدرجة أنك تتساءل هل هذا حيوان أبكم، أم سلاح بيولوجي سلّطه علينا عدوّ مّا … من الأعداء الكثيرين الذين يتحدث عنهم قيس سعيد دون أن يسميهم …
و يبدو أن الجماعة وجدوا الحل لمشكلتنا هذه … بالطائرات؟ بالمبيدات؟ لا، بل سمعت منذ أيام أحد متحاورين يقول لصاحبه بأننا ننتظر دستورا، و أنه سيكون ناموسا نسير عليه … تابعته مفجوعا، مع تحفظ أوحد: الناموس الذي نعرفه لا يسير عليه أحد، بل هو الذي يسير فوقنا، جيئة و ذهابا، و ذهابا و جيئة … فهل سيضعنا الدستور الجديد في مكانة أفضل؟