جمر نار

الدولة بين قوّة الحجّة و حجّة القوّة

نشرت

في

أحيانا تجد نفسك مضطرّا للصمت الرّهيب أمام بعض الأحداث في انتظار الوقت المناسب الذي يسمح لك بالتّعبير عمّا يدور بخلدك ليس جبنا ولكن تجنّبا لتعقيد الأمر و صبّ الزيت على النار… هذا ما أحسست به منذ بداية أحداث الكامور و قرّرت ألاّ أكتب عن الموضوع حتّى لا يشنّف البعض أذنيّ بما أشتهي و لا أشتهي من معسول الكلام… اليوم و قد فضّ الإشكال بطريقة أرضت جميع الفرقاء و نزلت بردا وسلاما على كلّ من له مصلحة في فضّ الخلاف، أخيرا نطقت “الفانة” و سوف يسيل ما بها جاريا “سلسبيلا”… فهل أذنب شباب الكامور بإعلان العصيان و الوقوف في وجه سلطة همّشت تطاوين و غيرها من المناطق الدّاخلية منذ استقلال هذا البلد عن فرنسا… من سمع بنتيجة العصيان سوف يقول لا بالتّأكيد أما من يتغنّون بهيبة الدولة و ناموسها و فخرها و عزّتها فجوابها هو حتما لا.

<strong>رضا عزيز<strong>

و لكن السؤال الوجيه هو لماذا أقدم هؤلاء على مثل هذا العصيان الذي دام أشهرا وأرهق الدولة و اقتصاد الدولة و أمن الدولة؟ … الجواب بسيط يكمن في مَثَليْن شعبيين معبّرين و حكيمين إلى أبعد الحدود الأوّل هو أضرب القطّوسة تتربّى العروسة أما الثاني و المتمّم لأول الأمثال فهو “فاتتك ليلة الدخول يا مهبول” هنا نسأل لماذا لم تضرب الدّولة قطّة الكامور لتعطي درسا في الحزم و القوّة والجواب بسيط هو أن الكثير من القطط التي أغلقت الطرقات و المؤسّسات والمعامل نالت مرادها منذ حكومة قائد السبسي رحمه الله و رئاسة المبزّع … في تلك الفترة كانت الوسيلة الوحيدة لنيل الحقوق هي تعطيل سير الدولة في القطاعين العام و الخاص و لنا أمثلة عديدة في مدن و مناطق حاولت نيل حقوقها بأساليب حضاريّة و مدنيّة فلم تفلح و لم تنل شيئا إلى الآن… فلا لوم على شباب منطقة مهمّشة و منسيّة أن يلجؤوا إلى هذا التصعيد لأن تاريخ دولة ما بعد الثورة علّمهم أنّه الأسلوب الوحيد لنيل الحقوق و تحقيق الأهداف.

“الفانة” تفضح استقلال الهانة

ننتهز هذه الفرصة لتهنئة أهالي تطاوين شيبا و شبابا بهذا الحل لمعضلة الفانة العجيبة… الفانة السحريّة… الفانة وحيدة زمانها و المتفرّدة في تركيبتها الجيولوجية في عالم البترول البرّي و البحري… هي الفانة الوحيدة المغروسة في أرض لا بترول فيها و هي الفانة الوحيدة في العالم التي لا تحمل عدّادا و لكنّها الفانة الوحيدة أيضا إن تجرّأت و عطّلتها صارت خسائرك تعدّ بالمليارات… يا إلهي هل هذا واقع أم حلم أم شريط من نوع الخيال العلمي لا يحترم مقاييس الواقع و منطق الأشياء كأن ترى الموتى يسيرون في الشوارع و يحتفلون بقتل الأحياء …كيف لفانة تجثو على أرض لا شيء فيها إن فتحتها خرج هذا اللّاشيء من الأرض بكميات لا يعلمها أحد فلا وجود لعدّاد يحصيها و تباع بأثمان لا يعلمها أحد و لا نعلم شيئا عن شاريها و لكن إن أغلقتها أفلست البلاد و ارتفعت أسهم الخسائر لتصل إلى أرقام خياليّة لا قدرة لك على تحمّل عواقبها… هل من عاقل يقنعني بسلامة تفكيري أو يعطيني دواء نافعا يوقف هذياني و يريحني من بلاء التفكير في ما لا يعنيني.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version