مبادرة من هنا و مبادرة من هناك و اجتماع هنا و نقاشات هناك … لا تسمع هذه الأيام إلا حديثا عن ضرورة الحوار مع رئيس الجموريّة من أجل حلّ الإشكاليّات العالقة و الطريق المسدود الذي تسير نحوه البلاد …و من أجل الخروج من الأزمة السياسيّة و الاقتصاديّة الخانقة التي تعيشها تونس …
يتناسى الجميع أنّ شخصيّة قيس سعيد هي شخصيّة ترفض الحوار والنّقاش و أنّه يسير في مشروعه دون توقّف أو التفات إلى الوراء، فلا يرى نفسه مخطئا و يلقي باللائمة على الآخرين و يرفض مراجعة مواقفه وقراراته و كأنّه معصوم من الخطأ …فهو الخير المطلق و الوحيد و البقيّة هم الشرّ كلّه فهم الخونة و المتآمرون و المعطّلون و المعرقلون فكيف يتحاور معهم ؟ … استشارته كانت أحاديّة و صاغها بمفرده و فسر نتائجها حسب أهوائه …حواره الوطني في جوان كان حوارا ذا اتجاه واحد و بأعضاء عيّنهم كما أحب و أراد ثم تنكر لهم و للدستور الذي اقترحوه أخرج دستورا صاغه بمفرده ثمّ نقحه بمفرده أيضا. هذا دون أن ننسى القانون الانتخابي الذي صاغه بمفرده هو الآخر و حتى نتيجة ال8.8% أو 11 % في نسبة الإقبال على الانتخابات التشريعية كان هو الوحيد الذي اعتبرها نتيجة إيجابيّة وقال بأنّها أفضل من 99 % …
فمتى رأيتموه قبل حوارا أو استمع إلى مقترح أو أقام وزنا لما يشيرون به عليه؟ ألا تذكرون كيفيّة تعيينه لرؤساء الحكومة ؟ أ لم يرفض لقاء ممثلي الأحزاب أو الكتل البرلمانيّة حينها و فرض على الجميع وضع مقترحاتهم مكتوبة في مكتب ضبط القصر قبل أن يهمل هذه المقترحات و يعيّن الفخفاخ ثمّ المشيشي من خارجها ؟ منذ بداية عهدته الرئاسية، عمل قيس سعيد على شيطنة الأحزاب فلم يكن يفوّت فرصة لتوجيه الاتهامات إليها و التشكيك في نزاهة أغلبها و تخوين أغلب الفاعلين فيها و نجح في تشكيل رأي عام معاد للأحزاب و قابل لفكرة الاستغناء عن مرشحي الأحزاب في الانتخابات و عدم الاكتراث بها …
نفس الأمر ينطبق على المنظمات الوطنية فالرئيس لا يعترف بأيّ وسائط بما فيها اتحاد الشغل و عمادة المحامين و رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان أصحاب المبادرة الأخيرة. و هو يدرك تمام الإدراك أنّ هذه المنظمات فقدت مكانتها الاعتبارية على امتداد عشر سنوات من التحاذبات و لم تعدْ محلّ إجماع من الشعب و بلغت مرحلة من التهرئة أفقدتها كل نفس لمواجهته…. مبادرة الإتحاد و من معه ليست المبادرة الأولى فقد سبق للاتحاد أن قدم مقترحا زمن إعداد الدستور و لكن الرئيس لم يتجشم حتى عناء النظر فيه أو التحاور مع أصحابه فما اللذي يجعلهم يعتقدون اليوم بأنه سيغير موقفه و سيجلس معهم إلى طاولة الحوار ؟
بل أكثر من ذلك ، ما الذي سيدفعه إلى التحاور و هو الذي يعتبر نفسه صاحب الشرعية الانتخابية الوحيد في حين أن كل الداعين للحوار لا مشروعية لهم ؟ و خطابه أمام وزراء السيادة و القيادات الأمنية لا يمكن إلا أن يؤكد لهؤلاء المبادرين أنّ طريقهم و طريق سعيد لا يلتقيان … و أنّه يعتبر دعواتهم و اجتماعاتهم ونقاشاتهم ضربا من التآمر على الدولة و على أمنها