جور نار

السهل الممتنع

نشرت

في

ماذا لو نقلّب صفحات ما عشناه … أي ما سمعناه و قرأناه و شاهدناه، لنحاول فهم ما شدّنا في ذلك و ما كان كأنّه لم يكن … لنأخذْ أمثلة على ذلك: في الأدب مثلا، من منّا لم يستمتع بما نقشه عديد الشعراء منذ الجاهلية و صعاليكها إلى المعاصرين؟ …

<strong>عبد الكريم قطاطة<strong>

بعيدا عن الجانب التحليلي و النقدي للمختصيّن في الأدب، يكاد يكون هناك إجماع على عديد الأسماء … و هذا الإجماع يزداد حجما كلّما كانت كتابات البعض منهم من السهل الممتنع ..فأصحاب المعلقات لهم روادهم و كذلك العصر الأموي و العباسي و هو يرقن عبر التاريخ قامات و هامات لعلّ اعظمها ذلك المتنبّي الذي شغل الناس و ملأ الدنيا … و لكن يبقى ذلك خاصّة في مدارج الجامعات و عند قوم الأكاديميين ..لكن جماهيريا لا أظنّه يصل إلى مرتبة شعراء آخرين و على سبيل المثال نزار قباني ..

لغة نزار يفهمها الجميع و يحبها الجميع لأنها سهلة و بسيطة و لكن ليس بامكان ايّ كان تطويعها لصور جميلة سلسة وممتعة فهي إذن من السهل الممتنع ..ما نقوله عن الشعر نقوله عن الرواية و القصة و المسرحية ..و نقوله أيضا في سائر الفنون ..و حتّى في الإعلام ..من منّا لم تدوّخه حربوشات محمد قلبي في زمن ما؟ و الفنان الانيق جمال الدين الكرماوي (في “آلو الإعلان”) رحمهما الله … انه السهل الممتنع و للامانة اخترت المثالين من الأموات تحية لروحيهما وتفاديا لذكر بعض الأسماء التي مازالت تئنّ تحت وطأة القلم في زمن وقع فيه تمرميد و تهميش و تقزيم دور القلم، و التي لها باع و ذراع في السهل الممتنع …

السهل الممتنع أيضا مهمّ جدّا في خانة السياسيين ..أيّام بورقيبة مثلا وسواء كنّا من مؤيّديه أو معارضيه كنّا نستمتع لحدّ الثمالة بخطاباته ..و كنّا مشدودين جدا إلى قدرته على الإمتاع ..خطاباته لم تكن بلغة خشبية و بقيت من السهل الممتنع و الذي لم يستطع أحد محاكاته لحدّ الآن حتى و لو حاول المرحوم الباجي قايد السبسي ذلك و أبدا أن وصل إلى مرتبته …

الآن عندما أستمع إلى جلّ السياسيين أفتقد جدّا السهل الممتنع ..فإمّا هو كذب و نفاق و ركاكة وقلة حياء.. اي نعم هم يكذبون و يعرفون أنّهم يكذبون و يعرفون أننا نعرف أنهم يكذبون و يواصلون الكذب ..أو هي خطابات فعلا من كوكب آخر ..شكلا و مضمونا ..شكلا، لغة لا أحد يستطيع فكّ رموزها هل هي عربية قحّة أو أمازيغية تماما ككبش العيد الآتي من أوروبا … لاهو بلدي لاهو غربي لاهو شركي ..أما عن المحتوى فهي أفكار تتكر ر 5555 مرّة في كلّ خطاب …

بمعنى يقلّك مثلا ..اليوم اكتشفنا حكما يصفّر نهاية مقابلة قبل أن تنتهي …هذا في بداية الخطاب ..في الربع الاول من الخطاب يعيد نفس الجملة و في النصف يكرر نفس الجملة و يختم طبعا بنفس الجملة …ما ثماش واحد ينبهو يقللو راك بالشكل هذا تكرر في نفس الموضوع ..ما ثماش واحد يعملّو تربّص على السهل الممتنع من نوع هذا مفتاح بابك …أو قُتلك و دليلك ملك و يزّي فكّ ..ما باله لا يرحم ما باله لا يعلم ..ما باله لا يفهم ..ما ثماش واحد يقللو ـ و بالسهل الممتنع ـ راك مسّطتها ..راك شيّطت ….راهو جبالك الرواسي و لا عبدك الثقيل …

سادتي الأدباء شعرا و قصة ..سادتي الإعلاميين بمسموعه و مكتوبه و مرئيّه ..سادتي السياسيين …لن يصل و يتواصل أحدكم إلى و مع الآخر دون السهل الممتنع ..إذا لم تستطيعوا ذلك فأنتم في الأخير أسماء سترحل دون ترك أيّ أثر …

في تقديري، أنو حاولت نكتب بالساهل …أما ممتنع أو ممنوع من الصرف فذاك قراركم …

الخميس 13 جانفي 2022

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version