جلـ ... منار

الشعب على الحديدة

نشرت

في

حنظلة … كاريكاتير يأبى الموت – الحدث الإفريقي

نرجو مخلصين الاّ يكون التغيير الذي يحلم المواطن بجني ثماره من الوزراء الجدد، هو مجرد تغيير في فراش صالوناتهم وسكرتيراتهم وموظفي مكاتبهم، وتعيين بديل عنهم من الأصحاب والمحاسيب والمقربين.

<strong>محمد الماغوط<strong>

كما أن على الوزراء الجدد، ألاّ يتوهموا أن المواطن يطلب منهم المعجزات كالتحرير الفوري، وتحقيق الوحدة العربية، ودعم الثورة العالمية، والقضاء على مخلفات الاستعمار في آسيا، والتمييز العنصري في إفريقيا، بل بات يطالب فقط بالقضايا الصغرى بعد أن كاد يغطيها النسيان بين أرجل القضايا الكبرى.

إذ كيف يطالب بالقضاء على الاستعمار في آسيا وإفريقيا، وهو لا يستطيع القضاء على البرغش في حارته؟

كيف يطالب بحمل مشعل الحضارة والتطور والتحرر، والكهرباء في بيته وحارته تنطفئ على عشرين مرة في اليوم؟

كيف يطالب الرأي العام العالمي بتفهم قضاياه ومشكلاته المصيرية والإشفاق على مآسيه القومية والتاريخية، وحاره السمان أو اللحام أو صاحب البيت يسلخ جلده ليل نهار.

‘إنها هموم متواضعة كما ترون، بل وتكاد تكون مخجلة بعد ثلاثين عاما من الانتظار على قارعة الوعود والشعارات.

ولكي يتفهم الوزراء الجدد هذه القضايا والعموم، عليهم ألا يعتمدوا الوصف الخارجي لها من تقارير المستشارين وانطباعات المهنئين. لأنه لو جئنا بالبحتري نفسه وطلبنا منه أن يصف حالة المؤسسات والدوائر الحكومية عندنا، لألقى قلمه بعد خمسة أبيات أمام سيمكس وأوراقه أمام افتوماشين، وقوافيه امام وزارة النفط وامتطى ظهر ناقته وقفل عائدا، وهو يحدو إلى أعماق الصحراء، إذ لا بد من معاينة هذه الهموم على الطبيعة.

بكل بساطة لكي يأخذ وزير التموين فكرة بسيطة عما يعانيه المواطن في الحصول على قوته، وما عليه إلا أن يذهب بنفسه للحصول على كيلو خبز من الفرن.

ولكي يقف وزير الداخلية على عقدة المرور الأبدية ما عليه إلا أن يعيش عن كثب ما بعانبه سائق السرفيس لمدة ربع ساعة في شارع النصر، والشرط السير لمدة عشر (10) دقائق عند السبع بحرات، وكراكب لمدة خمس دقائق في ميكروباص، وبعد ذلك سيرثي لحال الثلاثة كما رثت الخنساء أخاها صخرا.

المواطن يريد من وزير العدل أن يتصور أحد أصدقائه أو أقربائه شهيدا في حرب تشرين، وعائلته تسكن في بيت بالإيجار. ثم فجأة يصدر حكم من المحكمة بالإخلاء ويلقي بهم وبأغراضهم في عرض الشارع، ماذا سيكون شعوره وهو يرى أرملة صديقه تدق أبواب المحاكم والمحامين، ولا تعرف أين تؤوي أطفالها وحولها عشرات الآلاف من الشقق الفارغة كقلوب أصحابها؟

يريد الشعب من الوزراء الجدد والقدامى تحقيق مطالب بسيطة ويومية، كأن يجتازوا مثلا شارع الثورة لمرة واحدة في حياتهم مشيا على الأقدام من سوق الخجا إلى شارع بغداد بين زوابع الغبار المنبعثة من الجرافات والتراكتورات والدراجات والشاحنات، ثم يعقدوا اجتماعا دون أن ينفضوا ثيابهم أو يغسلوا وجوههم، وأنا على ثقة من أن رئيس الوزراء نفسه لن يعرف وزير المواصلات من وزير سد الفرات.

إنها مجرد هموم يومية صغيرة، ولكن المواطن يطنح إلى حلها وتجاوزها بإلحاح، حتى يلتقط أنفاسه ويلتفت لقضاياه الكبيرة. وهي لن تُحل ما لم تعمل يد القانون علنا ودون كلل في كل الاتجاهات كيد الشرطي النشيط.

في أوغندا، جمعوا المحتكرين والمرتشين والمتلاعبين لقوت الشعب، وساقوهم أمام المارة وجلدوهم عراة في الساحات العامة

ونحن نطالب بالكشف عن أمثالهم في بلادنا وجلدهم على الأقل وهم “بالبيجامات”.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version