تابعنا على

منبـ ... نار

الشهائد الجامعيّة المزيّفة … أو عن بؤس الجامعة

نشرت

في

جامعات وهمية وشهادات مزورة.. متى أصبح العلم سلعة تباع وتشترى؟ | نون بوست

لا شكّ أن مجْـتـمعًـا يُرغّب أبناءه وبناته من كل الفئات ،عاملين أو عاطلين، في ارتياد المعاهد والجامعات حرصا على الاستمرار في طلب العلم واِقتناعا بأن التكوين لا حدّ له، لا بالسّنّ ولا بالدّرجة، هو في ظاهره مجتمع حيّ، ولا يسَعُ أيّ ملاحظٍ إلاّ أن يشكـر الفعل ويـثـني عليه. وأمّا أن يكون خيار الالتحاق بالجامعات والاستمرار فيها هو خيارُ مَن لا خيار له، بحيث يُدفع له الطالب دفعا بعد أن تفشل البنية السياسية والاجتماعية في خلق خيارات بديلة أو فرص أخرى، فـيصبِح الالتحاق بموجب ذلك أفضل من القعـود. لِيكـون الاستمرار في الجامعة هو فقط مجرّد استمرار، لا رغبة فيه ولا قناعة به ولا اقتدار عليه. وتلك هي الطامّة الكبرى على الجامعة وعلى خرّيجيها من “الدكاترة” الذين لم يعد لبعـضهم منها سوى الاسم أو “اللقب”.

<strong> تـوفـيـق عـيّـادي<strong>

إن ما ينتظره مجتمع ما أو ما يعْـتـقِـده حول الجامعة، هو أن تكون منارة حقـيـقية لتحصيل العلوم وتهـذيب السلوك في المستوى المعرفي والمنهجي والإيتيقي بالأساس، وهذا هو دورها المُـفـترض، أمّا وأنـّـها جـزءٌ لا يتجزأ من مجتمع مأزوم في مستويات عدّة، اجتماعيّا وسياسيّا وقيَميّا، فمن الطبيعي جدّا أن ينعكِس ما يعتمل في المجتمع – كحقـْـلٍ أشمل وأوسع – على ما يعتمل في “الحقل الجامعي” كما يسمّيه بيار بورديو. وربّما لأجل ذلك أكـّـد عالم الاجتماع جاك هوثر كوينان: “أن تكون الجامعة في أزمة فذلك أمر بديهيّ”. لكن هذه البداهة في الإقرار بتأزّم الجامعة الضروري والذي بدا لدى كوينان كتحصيل حاصل، لا أعتقد أنه يَطال الأهداف النواتيّة للمؤسسة الجامعيّة بإطلاق، بقدر ما يُقرّ بالمُـنـتهى الحتمي لكل جامعةٍ تـشـتغِـل وِفـقـًا لطرق مخصوصة، لا تخرجُ عن ” الخوف والعمى والتواطؤ”، بنفس عبارات كوينان.

 إن أزمة الجامعة كما عبّر عنها بيار بورديو في قراءته النقدية لـ”الحقل الجامعي” منذ أمَدٍ (ثمانينات القرن الماضي) وأعاد طرحها جاك كوينان في العشريّة الأخيرة، لا أعـتـقـد أن الجامعة التونسية بمنأىً عـن مثـل هذه الأزمات، رغـم الاختلافات العميقة… حيث كان الكثير من أوْجُه أزمات الجامعات الغربية (باريس أو جينيف أو لندن) يعود في بعض ملامحه إلى التأسيس “المذهبي” أو إلى بعْـث التيارات الفكريّة أو اجتراح منهجيات التحليل والتفكيك، كل ذلك بغرض ترسيخ القدم في الجامعة وجمْع “المريديـن” (تلامذة)، هي ـ وبشيء من التعـسّف ـ أشـْـبَهُ بـرغبة في بناء “سكولائيّة” جديدة، لا تخلو من إبداع وتـفكـير ورؤى، رغم ما قد يعتريها من توتّر إيديولوجي أو حسابات مصالح. أمّا شأن أزمة الجامعة التونسيّة فهو أقلّ جدارة وأقل عمقا وأقل مسؤولية تجاه مستقبل المعرفة وأمل الحياة وأمانة العلم. وهي أزمة منحصرة في الأنصِبة والأرقام من الساعات الإضافيّة مدفوعة الأجر رغم عدم الإنجاز في الكثير من الأحيان، أو منحصرة في عدد الطلبة المؤطّـَـرين، وترفيع أجر التأطير وخصومات حول الحظ من الدروس والامتحانات، أو في الأحقيّة التمثيلية للجامعيين (في أبعادها النقابية والسياسية).

هذا المقدار من التأزّم الذي اِنعكس وينعكس باستمرار على المجتمع والتربية، لا تتحمّل فيه الجامعة المسؤولية وحدها، بل يتحمّل المجتمع والدولة جزء أساسيا من أزمة الجامعة وتـدهْـور أوضاعها معرفيّا واِيتيقيّا وماديّا… فكِلا المجتمع والدولة لم يُقدّرا العلم حق قدْره ولم يُثـمّنا جهد الجامعة والجامعيين بالقدر المستحق، ولم يُعنيا العناية الفائقة بالبحث العلمي، لا من حيث القيمة ولا من حيث المُخصّصات، ذلك ما أدخل الكثير من الارتباك على الحقل الجامعي ومسّ أساسيات جامعيّة لا يُفترض فيها أن تتزحزح أو تتـزعزع، سيّما ما يرتبط منها بالتكوين والتأطير والتقييم. مما جعل دائرة التأطير تتوسّع من قِبل الأستاذ المؤطـِّرِ لتشـْملَ الكتابة أو الترجمة أو إعداد التقارير بدلا عن الطالب المعنيّ. وصرنا نسمع عن خدمات تـُـعْـرض للمساعدة في إعداد رسائل البحث بمقابل. لقد كنا نعتقد أن شهادة الدكتوراه هي فعلا تـتويج لجهدٍ بحثيّ يبلغ معه صاحبه/صاحبته مقدارا من المعارف والقيم بعد مسار من التحصيل والتنقيب، ويُتوّج هذا الجهد باعْترافٍ لصاحِبه بقدرةٍ مّا على تفكيك الأفكار وبناء المواقف وصياغة الاستنتاجات وتوليد المعاني. كل ذلك من أجل أغراض معرفيّة تستهدف تطوير البنى الاجتماعيّة وتعدّل من الحاضر المختلّ بهدف بناء مستقبل أوْطد، قدمُ العلمِ فيه أرسخُ وقدْرُ القِيم فيه أرفع.

  لقد أصبح اِحراز شهادة الدكتوراه، حصولا من غيْر تحصيل…  وهذا يحدث بتواطؤ القائمين على التوزيع، بحيث لم تعد الشهائد الجامعيّة شهائد علميّة بقدر ما أصبحت في معظمها زبونيّة، وتحوّلت بذلك إلى مصادر لتوْسِعة “باب الرّزق” ولم يعد غرضها توسعة مدارك الذهـن، أو تقريب مصادر المعرفة، ولا فاتحة لأبواب البحث العلمي مثـْـلما عهدناها عند أهلها الخـُـلـّـصِ لما هم عليه من موضوعيّة في بناء الحُكْم ودقّة في التحليل ومطابقـة في النـّـقـْـل، اِحتراما لمبدأ الأمانة العـلميّة واِلتزاما بأخلاقيات البحث العلمي. إن هـذا الذي يحدث في الجامعة لم يرتق بعدُ إلى درجة المشكل الذي يثير الاهتمام ولم يتحوّل إلى ظاهرة تستوجب الدراسة. فـقِـلّة هم الذين تجرؤوا على إثارة بعض مظاهر أزمة الجامعة من الجامعيين أنفسهم من خلال بعض المقالات حول “فساد الجامعة” من اِنتحال أو غِـش ( كمثال: الأستاذ بشير هروم/ الأستاذ حمادي بن جاب الله / الأستاذ الحبيب الجربي). وهذا ما يُـثير الحيْرة ويطرح السؤال : ألمْ يَعُـدْ لجامعـتِـنا أعْـمِـدة ؟ ؟

   إن جامعة بلا عُمُد ليستْ في مأمنٍ من شيء حتى من فساد القائمين عليها. ويبدو أن جامعتنا بعد أن غادرها كبار أعمدتها (من مثل : فاطمة الحدّاد وهشام جعيّط وعبد الوهاب بوحديبة وتوفيق بكّار…إلخ) شارفت على أن تكون يبابا، ومعظم ما تنتجه عروش خاوية، تختبئ وراء عناوين برّاقة لرسائل بحثيّة لا تـَـناسُب فيها بين لقب التشريف وقيمة المحتوى. وهي لم تحتفظ من “توابع” اِبن شـُهيْـد إلاّ بحُكـْم صوريّ تختزله عبارات التابع من الجان : “اِذهبْ فقد أجزتك”.هو في الأصل حكم يقتضي استحقاق المُجاز وجدارة المُجيز بعد عرضٍ وحوار وبيانٍ وسماعٍ، يترك أثرا طيّبا، معرفيا واِيتيقيا، فـيُجيـز المجيـز لأجلهما فقط وليس لِـسواهما. ويُشعِرنا عكس ذلك بالكثير من الأسى تجاه الجامعة، خاصة حينما يتناهى إلى مسامعنا أن الذي كان يُفاخر باِقتداره على الغش في كل امتحان قد صار بقدرة قادر “دكتورا”. وآخر أحرز شهادة دكتوراه حول مفكّر دون أن يقرأ له كتبه، في غياب الترجمة لأنه عييّ بن عييّ في جميع الألسُن. ولا يفوّت هذا العييّ بن العييّ (ع.بن.ع) فرصة إلاّ ويضع فيها شهادة الدكتوراه على الطاولة مزهوّا مختالا ومعْلنا : أنا ربكم الأعلى، فقط من أجل المزيد من “الزبائن”، رغم معرفة الكل بضحالته في كل ما تكلّم به، وهو قليل.

هي ممارسات ولاشك مخِلـّة بكل المعاني، وقد يذهب ضحيّتها أجيال وتتفكـّك معها المدرسة وتنهار بمفعولها القيم. لذلك فمَحْمول علينا واجب فضحِها واِستثنائها كممارسة. وحتى لا يُفهم هذا الحكم في غير وارده، كتحامُلٍ أو تبْخيسٍ لأيّ جهد، لا يفوتني في المقام الأوّل أن أتوجّه بأسمى عبارات الاحترام والتقديـر لكل طالبٍ بَـذلَ قـُصارى الجهد وبما يتـفـّق مع مُستوجبات الرّوح العلمي في الوفاء والعطاء، من أجل أن يُحرز شهادة الدكتوراه، يُعبّر عنها هو في المقام الأوّل، اِيتيقيّا ومعرفيّا، ولا تعبّـر هي (الدكتوراه) عنه باعتبارها مجرّد لقبٍ ينـْـضاف إلى مجرّد هيكل “ذهنيّ”‘ فارغ وبائس. ولمثل هذه الجامعات الخاوية التي توزّع الشهائد حسب الطلب نقول، لقد حقّ فيكم قول بيار بورديو “أنا  لا أعتدّ بجامعات توزّع الشهائد الفارغة”. ولهؤلاء الدّكاترة المحتالين أو المختالين والمزيّفين، لقد صدق فيكم قول الشاعـر :  

                   ملأى الـسّـنابل تـنـْـحني بتواضع  ***  والـفـارغات رؤوسهــنّ شـوامِــخ

أما في المقام الأخير، فالشـّـكر والامتنان والعرفان، كلّ موصول لِـكـُـلّ الجامعيين الذين يقومون بمهامّهم المنوطة بهم في البحث والتكوين والتأطير، وبجهد مُضْنٍ من أجل اِضطلاع المؤسسة الجامعية بدورها الريادي وربطها بمحيطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي … لتبقى الجامعة منارة للعلم والمعرفة ومنبعا للقيم الإنسانيّة. ومن أجل ذلك ندعـوهم لمقاومة “نظام التفاهة” الجامعيّ، وقد أضرّ بالصّالح العامّ وأصبحت معه الجامعة مجرّد “حقلٍ” لتوزيع الشهائد الفارغة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ فلسفة

                                                                                             

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

منبـ ... نار

مفارقات تونسية… إلى متى يُؤجّل قرار إلغاء امتحان “الباك سبور”؟

نشرت

في

رئاسة الحكومة تتخّذ إجراءات ردعية بخصوص الشعارات الإرهابية والعنصرية في  "دخلات الباك سبور"

تعيش تونس هذه الأيام، وخلال كامل الفترة من 15  إلى 27 أفريل 2024، على وقع ما يُسمّى بالباك سبور، ونغتنم فرصة الاهتمام العام بهذا الموضوع ومواكبته من قبل العائلات التونسية ووسائل الإعلام المختلفة،  لنقدم ملاحظاتنا ومقترحنا حوله،  لعلنا نساهم بذلك، في فتح النقاش العام حول الإشكاليات المطروحة، يحدونا الأمل في التعجيل باتخاذ القرار الرسمي الملائم، الذي طال انتظاره وهو إلغاء “اختبار آخر السنة في التربية البدنية والاقتصار على نتائج التقييم المستمر أثناء السنة الدراسية”.

<strong>د مصطفى الشيخ الزوّالي<strong>

ويتضمن هذا المقال تذكيرا بنماذج من الآراء والمعطيات الموضوعية المتداولة في الدراسات التربوية والتقارير الرسمية، والتي من المفروض أو  تُقنع الرأي العام  والمسؤولين بضرورة التعجيل بالقرار المقترح وبغيره من القرارات، ولكن، وفي سياق “انحلال الروابط الصلبة”، كإحدى السمات المميزة لحياتنا المعاصرة في “زمن السيولة”، كما يعرفه عالم الاجتماع الشهير زيغموند باومن، يتواصل التأجيل لهذا الأمر، كما يتواصل الـتأجيل لقرارات أخرى، لا تقل أهمية، قد تناولنا بعضها في دراسات علمية وتقارير رسمية أو  مقالات رأي حول “مفارقات تونسية” أخرى.[1]

أولا: نبدأ بالتذكير  بما حصل  سنة 2010 ،( في زمن “الصلابة” الرسمية التونسية)، فقد صدر  قرار إلغاء اختبار التربية البدنيّة لآخر السّنة وجاء ذلك بناء على تقرير من وزارة التربية والجهات الأمنيّة، حيث اتّخذ مجلس الوزراء يوم 20 أوت 2010 قرار إلغاء اختبار آخر السّنة في التربية البدنيّة: “حفاظا على سلامة التلاميذ والتوقّي من السلوك غير الحضاريّ، داخل المؤسّسات التربويّة وخارجها.  وقد برّرت الوزارة هذا القرار-كما جاء على لسان وزير التربية آنذاك- بثلاثة أسباب، هي:

  1. ارتفاع تكلفة الامتحان (3 ملايين دينار): ويحسن تخصيصُ هذه الأموال لتهيئة الملاعب واقتناء التجهيزات الرياضيّة.
  2. سبب بيداغوجيّ يتمثل في كون الأعداد المتحصّل عليها في اختبار آخر السّنة هي دون معدّلات المراقبة المستمرّة،
  3. سبب وقائيّ وأمنيّ، بعد تفاقم ظاهرة السّلوك المخلّ داخل المؤسّسات التربويّة وخارجها، بمناسبة تنظيم اختبار آخر السّنة في التربية البدنيّة.

ولئن استبشر عدد كبير من الأولياء ومديري المؤسّسات التربويّة بهذا القرار، فقد لاقى نقدا ورفضا من قبل نقابات التعليم ومدرّسي التربية البدنيّة الذين رأوا في القرار تهميشا لمادة التربية البدنيّة.

لاحقا، وفي سياق ما يمكن تسميته بالنتائج  المنحرفة” أو “غير المأمولة” لثورة 17 ديسمبر 2010/14 جانفي 2011، صدر سنة  2012، “قرار عودة اختبار التربية البدنيّة لآخر السّنة” دون معالجة الإشكاليات التي أدّت إلى إلغاء هذا الاختبار.

للتذكير أيضا، فقد تم خلال دورتي 2020 و2021، إلغاء الباك السبور واحتساب المعدل السنوي للتربية البدنية كعدد نهائي في امتحان الباكالوريا في كافة المعاهد العمومية والخاصة، وذلك بسبب الحجر الصحي وأزمة الكوفيد19.

ثانيا: حول انعكاسات امتحان “الباك  سبور” على التنظيم البيداغوجي والحياة المدرسية [2]

  1. توقف دروس التربية البدنيّة منذ منتصف شهر أفريل ، بسبب تجنيد جميع مدرّسي المادّة في لجان الامتحان .
  2. تعدد التجاوزات ومظاهر الإخلال أثناء سير الامتحان والسّعي إلى التحيّل على التراتيب، فترى عددا من المترشّحين الذين ضمنوا معدّلات سنويّة في التربية البدنيّة مرتفعة يقومون بتقديم وثائق تعفيهم من اختبار آخر السنة، وصنفا آخر اختار الإعفاء من دروس التربية البدنية طيلة السّنة الدّراسيّة ولكنّه يريد المشاركة في اختبار آخر السّنة لجني بعض النقاط التي قد تكون ثمينة عند احتساب العدد النّهائي.

ثالثا: حول العادات والطقوس التي انتشرت قبل إجراء الاختبار وبعده:

 ويتمثل ذلك في إقامة نوع من الحفلات والاستعراضات أمام المعاهد وفي الشّوارع، تعطل حركة المرور وتتحوّل في عديد المرات إلى  مآس وحوادث مرور خطرة. وفي ما يلي فقرات واردة في وسائل إعلام مختلفة وبمواقع الكترونية تناولت هذا الموضوع ، وهي تؤكد وجود شبه إجماع على خطورة الظاهرة في المجتمع التونسي:

  1.      ” احتفالات بها بكثير من الصخب وتتوجّس منه إدارات المؤسّسات والسّلط الجهويّة والمحليّة لما يرافق احتفالات التلاميذ به من تجاوزات خطرة…” 
  2. ” أسوأ هذه العادات هي (الكُورتيج) :“استعراض السيارات”حيث يخرج التلاميذ في استعراض بالسيارات يجوبون وسط المدينة  و شوارعها إضافة إلى الألعاب النارية و الشماريخ، عادتان تأتيان في المرتبة الثانية للائحة العادات السيئة حيث يعمد عديد التلاميذ إلى الاحتفال بالـ”فلام”و الألعاب النارية …”
  3. دخلة الباك سبور …وفاة تلميذ باكالوريا بعد سقوطه من نافذة السيارة خلال احتفاله مع أصدقائه…”
  4. “الآن وقد تمّ تسجيل وفاة التلميذ ( والتلميذة)… على إثر حادثي مرور خلال احتفاليات (الدخلة) الملعونة في الباك سبور…متى يتمّ التدخّل ومنع هذه الظاهرة الخطيرة.”

رابعا: انتشار الدروس الخصوصية في “الباك سبور” وتحوّلها إلى “عنوان فساد”

لاحظنا في السنوات الأخيرة، استفحال ظاهرة الدروس الخصوصية في “الباك سبور”، وذلك رغم غلاء أسعارها، فقد صرّح وزير التربية بتاريخ 16 أفريل 2019 ، أنّ”5  أيام دروسا خصوصية في (الباك سبور) بـ700 دينار” [3].  كما صرّح الوزير نفسه، بتاريخ 21 ماي 2019، أن :  “باكالوريا الرياضة في شكلها الحالي هي عنوان الفساد وهي  لا تحمل أي معنى …. من موقعي كوزير للتربية …. لا أسمح لنفسي بمباركة أشياء أعرف جيدا أنها غير مقبولة وغير معقولة . فهل يعقل مثلا أن يتحصل 99 بالمائة من التلاميذ في الباكالوريا رياضة على أعداد فوق 18 من عشرين، هناك تضخيم غير مقبول للأعداد التي تسند للتلاميذ على خلفية الدروس الخصوصية في الرياضة، ولو كانت هذه الأعداد تسند لها ميداليات ذهبية لكانت تونس بطلة العالم في الرياضة…”[4]

يبدو جليا  من خلال هذين التصريحين، أن الوزير قد كان يؤسس لحملة إعلامية، تمهيدا لاتخاذ قرار إلغاء “الباك سبور”، ولكن بعد أقل من سنة، تغيرت الحكومة وتغير وزير التربية، وتأجل اتخاذ القرار المذكور . ويبدو أن السبب الأساسي وراء التأجيل المستمر لاتخاذ  هذا القرار وعديد القرارات التي يحتاجها قطاع التربية في تونس منذ أكثر من عقد من الزمن، هو  عدم الاستقرار الحكومي وتعاقب أكثر من 10 وزراء على قطاع التربية منذ  2011.

خامسا:  “دخلة الباك سبور”

لا يفوتنا، في خاتمة هذا المقال، أن نُذكّر بنقطة إيجابية في “الباك سبور”، قد تدفع البعض إلى الدفاع عن استمرار هذا النوع من الامتحانات ونعني بذلك ما يمكن تسميته بـ”قصص النجاح في دخلة الباك سبور” والتي أكد  من خلالها التلاميذ في عديد الحالات، قدراتهم الإبداعية وتميزهم في التعبير عن حاجياتهم الأساسية وقيمهم الإنسانية أو احتجاجاتهم ومطالبتهم بحقوقهم. ومن المواضيع التي لاقت استحسان التونسيين وراجت في الاعلام: “تكريم الأساتذة والأولياء“،  “التحسيس ضد كورونا”، وآخرها الحضور البارز للقضية الفلسطينية في “باك سبور” 2024.

لضمان المحافظة على هذه النقطة الإيجابية، يمكن التفكير في تطوير  فكرة “دخلة الباك سبور”، دون إجراء اختبار التربية البدنيّة لآخر السّنة، وذلكعبر اعتماد صيغة مشاريع عروض فنية ورياضية وثقافية، تُطبّق فيها بيداغوجيا المشروع، حيثيمكن الاستفادة من دروس فشل تجارب سابقة للوزارة في هذا المجال. نعني بذلك تجربة “التعلمات الاختيارية” (2003- 2006)  أو “”مادة إنجاز مشروع” (2006-2015) [5]. واستنادا للوثيقة الرسمية للتجديدين المذكورين، يمكن أن تتكون مجموعات من التلاميذ، تنطلق في تصور مشروع “دخلة الباك” وإعداده وتنفيذه،  بداية من السنة الدراسية للسنة الرابعة ثانوي، أو انطلاقا من السنة الثالثة ثانوي . يؤطر المشاريع مجموعة من المربين من اختصاصات مختلفة كالتربية البدنية والموسيقى والمسرح وغيرها، وبالتعاون والدعم من أطراف أخرى من العائلات والمحيط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمؤسسة التربوية كدُور الشباب أو الثقافة أو مؤسسات أخرى ( طبعا في سياق مشروع المؤسسة التربوية وتطبيق القانون المنظم له منذ 2004، وهو الأمر المنظم للحياة المدرسية، أو ربما القانون الذي ننتظر أن يعوّضه) يمكن كذلك أن تُرصد جوائز جهوية ووطنية لأحسن العروض التي يتم تقديمها في الاحتفالات المدرسية لآخر السنة إلخ إلخ…


هوامش:

[1] مثال ذلك دفاعنا عن قرار إلغاء الاعداديات والمعاهد النموذجية ، في مقالين منشورين بجلنار  وهي  “مفارقات تونسية ( 2)(28 أفريل 2022) و”مفارقات تونسية” (3) بتاريخ 22 جوان 2022

[2]  معطيات هذا العنصر والعنصر السابق مستخلصة، أساسا، من دراسة حول “الباك سبور” منشورة بموقع “المدونة البيداغوجية” بتاريخ 26 أفريل2015.

[3]  https://www.guideparents.tn/article

[4] https://ar.espacemanager.com

[5]  تناولنا  هذا الموضوع  في  كتابنا ” المدرسون والتجديد” ويمكن الاطلاع على تقديم الكتاب من الصديق منصف الخميري بالمدونة البيداغوجية  بتاريخ 6 مارس 2022 وكذلك على الفصل الأول من الكتاب بنفس المدونة  في 4 تواريخ متتالية بداية من 29 جانفي 2023

أكمل القراءة

منبـ ... نار

تكريما لروحك يا “جاد”… أعلِنُك رئيسا رمزيا

نشرت

في

Ouvrir la photo

توفيق العيادي:

كان جاد نصيرا للمرضى والعجّز والفقراء ولم يطلب يوْما نصرتهم لكسْب أو منصب أو مغنمٍ له، وقد هبّ الناس لتوديعه لأنهم أحسّوا فعلا بعظيم خسارتهم في موته.

Ouvrir la photo
توفيق العيادي

لم أعرف جاد الهنشيري إلا عن طريق الصدفة ومن خلال برامج تلفزية دُعِيَ لها ضيفا كممثل للأطباء الشبان، ولم ألتقه مطلقا، فقط استمعت إليه أكثر من مرّة وهو يُلقي بهمّه الذي هو همّ الفقراء على مسامع التونسيات والتونسيين، ويقطفُ من روحه أمَلاً يُرسِله لهم جميعا درْءً لأحزانهم التي فاقت كل معايير القيس وأدوات الأكيال والأوزان، وثـقُـل عليْهم حِمْلُ الهموم التي ناءتْ بها الأعناق، والمرارة على محيّا جادٍ بادية لا تُخطئها العين ويتدفّق الصدّق من بين موجات صوته المَغْصوص كَغُصَصِ كل الشباب الحالم على هذه الأرض، ولا تخلو غصّة جاد من معنىً يؤطّره مبدأ أساسيّ يشُدّ الحلم وينير الطريق ويُحفّز على المسير وتجشّم الصّعاب، مبدأ فحواه أنه : ” بمقدورنا أن نكون أفضل .. يجب أن نكون أفضل”، رغم الاستهجان والاعتراف بحجم الفساد الذي نخر معظم القطاعات والفئات في هذا الوطن.

لكَمْ نحن في حاجة ماسّة إلى شابّ جادٍّ كما “جاد” يتوهّج عزما وحبا وصدقا، ولسنا في حاجة إلى “عـتْـڤـة” قديمة كما بعض من فاق السبعين وغنِم من العهديْن ويريد اليوْم أن يستزيد … مات “جاد” رحمه الله وأغدق على أهله وصحبه الكثير من الصبر والسّلوى. لكنّ القِيَم التي حملها جادّ وحلُم بها وحمّلها لمنْ بعْدِه من الصّحْب والرّفقة، لا تزال قائمة، فأمثال جاد من الشباب الأوفياء والخلّص للوطن بكل مكوّناته سيّما البسطاء منهم، موجودون بالعشرات، بل بالآلاف وفي كل ربوعه، وما على الوطن إلاّ أن يَجِدّ في طلبهم والبحث عنهم وأن يُصدّرهم مواقع الريادة والقرار ،وإن حَجَبَهُمْ عنّا تعفّـفهم،

إذا كنا نريد فعلا المضيّ في الطريق المفضي إلى المشروع الحرّ وجبَ أن نغادر خصومات كسب العواطف واِستمالة الأهواء ونعراتِ التحامق، ونمضي في تسابق نحو كسب العقول وتهذيبها وتنظيفها من كل الشوائب العالقة بها لعهود .. ولذلك أقول للمشتغلين بالسياسة والمتكالبين على استدرار الشعب لتدبير شأنه العام والاستحكام برقابه، إن السياسيّ الناجح هو الذي يُبينُ للناس ما فيه من فضائل وما هو عليه من إقتدار وليس نجاح السياسي رهين عرض نقائص الخصم والتشنيع عليه وتعظيم مساوئه وإن كان له فيها نفع.

ونذكّر السياسي أيضا أن الجدارة بالحكم لا تتوقّف عند حدّ الفوز بالتفويض من الإرادة الشعبيّة عامة كانت أو مطلقة، كما أن النوايا الطيّبة لا تكفي لمزاولة السلطة، بل يبقى صاحب السلطة في حاجة إلى تأكيد شرعيّته بحسن إدارة الحكم الذي ينعكس وجوبا على أحوال الناس، وهذا لا يتمّ لهم بواحدٍ بل بكثيرين ومن أمثال “جاد الهنشيري” تضحية وصدقا ومروءة …

رحل جاد وبقي أثره فينا، وتكريما لروحك يا “جاد” واِنحيازا لكلّ قيَمِ الجدارة والصدق والإنسانيّة والجدوى، والتي مثّلتها باقتدار، أعْـلِنُـكَ “رئيسا” رمزيّا وشرفيّا بالغياب لهذا الوطن الحزين … ليطمئن السياسيون، فـ”جاد” لن ينهض من غيبته الأبديّة، وستكون قيمه تقضّ مضاجعكم كلّما اجتمعت لشخصٍ خشية أن يُبعثر حسابات الرّبح مِمّا تمِزّون من دماء الوطن.

أكمل القراءة

منبـ ... نار

هل تتخلص تونس من مكبلات صندوق النقد الدولي و تبحث عن مصادر بديلة؟ (2)

نشرت

في

Compétitivité des exportations en Afrique La Tunisie classée 2 ème Tunisie

عرفت تونس أزمات اقتصادية ومالية متفاقمة بعيد ثورة 14 جانفي، وتتالت هذه الأزمات و امتدت آثارها السلبية الى اليوم رغم القطع مع المنظومة البائدة إثر حراك 25 جويلية.

<strong>فتحي الجميعي<strong>

إلا أن الانتهازيين و أصحاب المصالح والسابحين عكس تيار النهوض بالبلاد عطلوا عملية الإصلاح وعملوا على إفشالها وذلك بكل السبل، فبقيت تونس رهينة الديون المتراكمة والمجَدْولة، وسياسات الجذب الى الخلف كالتهريب والمضاربة وتبييض الأموال. غير أن الإرادة الصادقة، والإيمان القوي بضرورة تغيير حال البلاد إلى الأفضل جعلها لا تنحني إلى الابتزازات، ولا تخضع للشروط.

فرغم توصلها في أكتوبر 2022 الى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي تحصل بموجبه على تمويل بقيمة 1.9 مليار دولار، لكن الاتفاق النهائي تعثر تحت طائلة الشروط القاسية كرفع الدعم، خفض الأجور و بيع مؤسسات عامة متعثرة. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد بل تم وضع تونس ضمن القائمة السلبية لأول مرة من قبل هذا الصندوق، الأمر الذي صعب على بلادنا النفاذ الى الأسواق المالية العالمية.

وتفاديا للوقوع في صدمات اجتماعية واقتصادية، نجحت تونس بفضل تطور صادراتها، وعائدات السياحة، وتحويلات التونسيين بالخارج، وتنويع شركائها التجاريين إضافة إلى اعتمادها على الاقتراض الداخلي، والاكتتابات المتتالية لدى بورصة تونس، وانخراط التونسيين في هذه العملية، وهو نوع من الوعي الوطني والدفاع عن حرمة تونس، و نتيجة لذلك تحقق توازن مالي لدى البلاد هذا من ناحية، و من ناحية أخرى أعطت درسا لصندوق النقد الدولي بإمكانية التخلي عن خدماته عند الاقتضاء وخاصة عند المساس بأمنها القومي.

ورغم أن الفضاء الطبيعي  لتونس هو الفضاء الإفريقي والعربي والأوروبي باعتبار أن ثلثي المبادلات التجارية معه، إلا أنها عبرت عن انفتاحها على كل الفرص التي تمكن من تسريع وتطوير مناخ الأعمال ونسق النمو في اشارة إلى مجموعة “البريكس”.

إن تونس  مازالت منفتحة على الحوار مع صندوق النقد الدولي لكن دون إملاءات أو شروط تهدد السلم الاجتماعي. وإن تعذر ذلك فتونس مستعدة للانضمام الى بريكس للحصول على التمويلات اللازمة.

أكمل القراءة

صن نار