يشتكي المواطن التونسي ومنذ 14 جانفي من غياب السعادة…يقول ويؤكد في كل مرّة يُسْأل فيها عن حاله أنه يعيش حالة رهيبة من القلق والاضطراب ولا يعرف ما الذي حصل له منذ دخول الليالي السود من شهر جانفي سنة 2011…ما الذي حصل يا ترى لهذا الشعب حتى يصبح على هذه الحال؟ ماذا وقع في تونس حتى يفتقد أغلب سكانها سعادتهم واستقرارهم النفسي؟
<strong>محمد الأطرش<strong>
جميعنا قرأ أسطورة ابليس كبير الشياطين وخطته الابليسية لإفساد حياة الانسان والتنكيل به…يحكى أن ابليس هذا أقام عشاء فاخرا في أحد النزل التي يرتادها الأبالسة وإخوانهم من عملاء وخونة الانس ودعا له كل الشياطين المقربين والقادرين على التنكيل بالإنسان…كما أتى ببعض الفنانين من أصحاب الشياطين لينشطوا العشاء على نخب تعاسة الانسان…وأحضر أحسن طهاة الأبالسة الذين عملوا ويعملون بأرقى النزل وأغراهم بمال لا يحصى ولا يُعد وبهدايا أخرى…لا تُرد…
تضمّن جدول أعمال مأدبة العشاء إضافة إلى برنامج العمل اليومي للشياطين واتباعهم ومسانديهم جلسة عمل وزارية شيطانية مغلقة دون حضور الإعلام المتابع للشأن الشيطاني للبحث عن طريقة لإخفاء أغلى ما يبحث عنه ويتمناه الانسان، وحضر الجلسة أعضاء لجان الشرّ والتنكيل المحلية والوطنية…
انهالت الاقتراحات على كبير الشياطين ابليس، هذا يقترح مال الانسان والآخر يقول عائلته، والأخرى تقول عقله…لم يقبل ابليس بكل هذه المقترحات فعن مقترح “المال” قال (بالعكس علينا ان نزيد ماله ليغرق في الهمّ والغمّ وتكثر مشاكله ويبتعد عنه النوم خوفا على ماله) … أما عن مقترح “عائلته” فقال فخامة ابليس الأكبر (الانسان سينسى بسرعة عائلته ويكوّن عائلة أخرى وكأن شيئا لم يكن) … أما عن مقترح “عقله” فقال صاحب الفخامة الشيطان الأكبر حامي الشرور والآفات وأكبر المحفّزين على الموبقات (وكيف يشعر بالتعاسة والغبن والقلق إن نزعنا عنه عقله يا اغبياء ويقصد طبعا بعض مساعديه ومستشاريه من الشياطين؟)…
فجأة وقفت ابليسة شمطاء أنفها ضخم كخرطوم الفيل وقالت ” لنخفي عنه سعادته…سعادته يا مولاي يا كبير الشياطين وزعيمهم الأوحد…فالإنسان هدفه الأسمى والاكبر هي السعادة”…نظر إليها كبير الابالسة …ثم استشار أحد مساعديه وهو ضخم الجثّة مكوّر البطن والقفا كأنه ناقلة نفط مجرورة، كبير الاسنان كأنه كبير الخنازير يتطاير الشرّ من نظراته وقال “عليك اللعنة يا أجمل نساء ابليس (القبح عند الشياطين جمال) وكبيرة أعضاده أحسنت الاختيار …ونظر إلى يساره ليقول يا “عضروط المفروت” اعطها برميلا من الخمر المعتّق واهدها ليلة مع عشرة ابالسة من أمسخ الشياطين العضاريط…
ثم نظر ابليس الأكبر حوله وقال…واين نخفي عن الانسان سعادته يا أبناء الحرام…؟ قال أحدهم وكأني به من الأبالسة الأفارقة “لنرم بها في البحر يا مولاي” وقال آخر وكأني من ملامحه وتضاريس وجهه من شرق اسيا أو من التتار “في اقاصي الأرض وأعالى الجبال يا مولاي”…ضحك ابليس الأكبر ضحكة غريبة عجيبة هي اقرب للتكشيرة منها إلى الضحك وكشف عن قبح لا مثيل له في وجهه وقال “يا بغال ابليس بعد مئات السنين سيتمكّن الانسان من اختراع وسائل تصله بكل الأماكن التي اقترحتم هاتوا اقتراحا شيطانيا يرفع راس الشيطان أمام خصومه ومعارضيه يا أبناء الزانية…”
التفت بعض الشياطين إلى بعضهم البعض وتمتموا في همس خافت “من يظنّ نفسه هذا الابليس…كلنا أبالسة ولن نسكت مستقبلا عن الإهانة سننقلب عليه إن وافقتم… ألا يخجل من نفسه كيف يقول أبناء الزانية ألسنا جميعا من صلبه؟” هنا نظر إليهم أحد الذين اقتربوا منهم وهو اصغر منهم سنّا وأجمل منهم قبحا، وتقول بعض المعلومات التي وصلتنا عبر وكالات الانباء الشيطانية انه من أعوان ابليس الأكبر وجواسيسه وقال ” أنصحكم بالصمت والانضباط وعدم معارضة ما يقوله ابليس الأكبر فقد تتعرضون للضرب والتنكيل والتعذيب وقد يتهمكم بأبشع التهم وينعتكم بأفظع النعوت…”
ومرّة أخرى تخرج عليهم الابليسة صاحبة الأنف الخرطومي قائلة بأعلى صوتها “مولاي وتاج راسي …نخفيها في قلبه…في قلبه يا مولاي..فالانسان سيبحث عن سعادته بعيدا …عبر المال والجاه والسلطة والحروب والطمع والسرقة…ولن يتفطن أنها تسكن قلبه” نظر إليها ووقف ضاحكا مفاخرا وقال “يا سيدة الشياطين الأولى، عينتك اليوم أقرب الشياطين الى قلبي ومديرة مكتبي وحافظة اسراري وفاتحة أزراري وابليستي المفضّلة يا حبيبتي هات خرطومك اقبّله…أممممممواه !
وعلا صوت القبلة الشيطانية لأنف عفوا لخرطوم حبيبته الجديدة على كل الأصوات الشيطانية وكأنه صوت آلة عملاقة لشفط اوساخ وما علق بقنوات الصرف الصحي…واضاف بلهجة ليست بالغريبة وكأنها من لهجات شمال افريقيا “هاهي الشياطين والا لوّح…” ثم امر بتوسيم صاحبة الخرطوم بأعلى وسام الشرور والآفات ونشر الموبقات وقال “قررت أنا الشيطان الأكبر إخفاء السعادة عن الانسان في قلبه وعلى كل الشياطين والجهات المختصّة إنجاز ما أمرنا به وما قررناه مع إعلان التعبئة الكاملة لإنجاز الأمر في أسرع ما يمكن من الوقت خدمة لمصالح الشياطين ومستقبل اجيالهم القادمة…ونظر إلى الشيطانة صاحبة الخرطوم وتأبطها (هنا اكتشفت من أين جاءت تعبيرة “تأبط شرّا”) وخرج إلى غرفته المجاورة وأغلق الباب خلفه قائلا للجميع “تصبحون على شرّ يا أصحاب الشرّ”…
هنا عرفت أننا نحن سبب ما نعانيه، وأننا نحن من جلب الهمّ والغمّ لنحن ولبعضنا البعض…ألم نحاصر سعادتنا التي اخفاها الشيطان الأكبر في قلوبنا بجيش عرمرم من شياطين الحقد ألم نملأ قلوبنا جميعا بالحقد على بعضنا البعض…فنكّل الحقد بسعادتنا ومرغ راسها التراب…فماتت السعادة فينا…ولا أظنّ ان السعادة ستعود إلينا ونحن نستمع إلى أوامر” شيطان الحقد” ونخفي أتباعه في صدورنا…في قلوبنا…فيوم تنزعون الحقد من قلوبكم…سترقص السعادة في أروقة وساحات وانهج قلوبكم على “وحدة ونصّ”…
والسؤال الذي يخامرني الآن هو فقط ” إذا كان ابليس واتباعه أخفوا السعادة في قلوبنا حتى لا ننتبه اليها ونبحث عنها خارج قلوبنا…خارج أنفسنا…فمن الشيطان الآخر الذي ملأ قلوبنا حقدا؟؟؟”…لا تستمعوا إلى الشيطان…سيهرب الحقد من قلوبكم…وستقف السعادة على رجليها…وسيسعد الانسان…في تونس…