أيّ نار !

الظــــاهرة المطويـــــة

نشرت

في

شبيبة المطوية ـ باب الخضراء في أيام العز

أستعير عنوان مقالي من عنوان مقال نشر سنة 1986 في جريدة “الإعلان ” معقل الأصدقاء الخلص والأقلام الجريئة وهو من بنات أفكار صديقي عبد القادر المقري, عنوان ناهز عمره الثلاثين سنة بل تجاوزها بسنوات : ” الظاهرة المطويــة “…

<strong>نبيل بن زكري<strong>

هذه الظاهرة بقيت كذلك, رغم تعاقب السنين ,وظلت “ظاهرة” بالمعنيين : المعنى اللغوي كناية عن الجلاء و البروز والوضوح للعيان أولا, ومنطق الفلاسفة و علماء الاجتماع ثانيا أي تلك الحقيقة التي تلفت النظر و تستدعي التحليل والمقاربة والتمحيص, نعم أنا أتحدث عن ظاهرة كبيرة مسرحها قرية صغيرة جغرافيا, عظيمة تاريخيا , إسمها “المطويّــة”… لن أعرّف موطني تعريفا سطحيا بسيطا بل اسمحوا لي أن أتوسع واستطرد فأنا أريد فيضا من العواطف لا تعترف بموضوعية أو حدود ,

أريدها لوحة زيتية افتراضية تنطلق من هذه الواحة الجنوبية من ولاية قابس , متميزة بمحاذاتها للبحر, مصدر ريها نبع ماء طبيعي يسمى العين القديمة, لأصل إلى الحاضرة حيث ترجع هجرة أهالي المطوية للإقامة بتونس العاصمة إلى قرابة ثلاثة قرون بأحياء ترنجة وباب الخضراء والمرجانية ونهج الرمانة وسوقي بالخير وحمام الرميمي ونهج الحفير ونهج مارس والقلالين وأنهج سيدي الكشباطي وسيدي العطاوي والحي المطوي ( رأس الطابية) ومن ثمة إلى خارج حدود الوطن وتحديدا بمدينة ليون الفرنسية ومدن وبلدان أخرى حافظ المطاوة فيها على لهجتهم وزيهم وعوائدهم وتميزوا بظاهرة اجتماعية تتمثل في التعاون والتكتل والتضامن الاجتماعي وهي ظاهرة مطوية ضاربة ومتواصلة في حين تفشل تجارب أخرى لسبب أو لآخر,

و عن الأمانة التي اتصف بها المطاوة -فحدث ولا حرج- كتأمين إيصال الأموال نقدا والحاجيات الأخرى المختلفة التي يرسلها أبناء المطوية المستقرون في العاصمة إلى أهاليهم بالقرية عبر الحافلة التي يطلقون عليها اسم ( كار حشيشة ) و هي تسمية تعود إلى اسم سائق أول حافلة دخلت المطوية وغير هذا كثير….

• أي شعور هذا الذي ينتابني ويغمرني وأنا أخط هذه الأسطر … أهو الشعور الجميل بالانتماء ؟ أم هو الفخر بأصولي وبنسبي ؟ أم هو شعور الراصد المنبهر بالظاهرة ؟ • طوبى لنا نحن المطاوة بتاريخنا الحافل بدءا بالمشاركة في الثورة الكبرى لعام 1864 (ثورة علي بن غذاهم) وبالأسبقية في مقارعة الاستعمار الغاشم وما شهدته ثلاثينات و أربعينات القرن الماضي من تحركات على المستوى النقابي وتحضرني معها صورة المناضل النقابي بلقاسم القناوي وأترابه ورفاقه ,لأردفها بالنشاط الوطني وأنسى ولا أنسى نضالات علي بن عمر جراد جراد(1911-1976) أوّل أمين عام عربي للحزب الشيوعي التونسي والمناضلين الدستوريين محمد بن عبد الله جراد وصالح بن عبد الحميد ومحمود الدريدي وغيرهم كثير,,,

هذا فضلا عن خروج أول مظاهرة نسائية في الجنوب التونسي تناقلتها إذاعة هنا لندن العالمية وقد اندلعت على اثر تجفيف عين الرقايقه التي كانت المصدر الأساسي لمياه الشرب ولتجمع النساء للغسيل والاغتسال وتبادل الأخبار حول ما يحدث في القرية,واسألوا في العاصمة عن ام السعد يحي وخديجة رابح وقمر بنت يحي وغيرهن من اللبؤات الشرسات اللاتي فاقت شراستهن شراسة الرجال حيث قدن المظاهرات في الحاضرة ونشطن في السرية وفي العلن,,,.

وأزيد فأحدثكم عن الجمعيات التي برزت كجمعية الشباب الثقافي المطوي و النجم الثقافي المطوي وجمعية الشباب المسلمين والشبيبة الدستورية والكشافة… وأضيف صندوق كفالة المطويين المعروف ” بالكفالة “( 1958) والنادي المطوي للتعارف والتعاون وجمعية التضامن والتعاون المطوي لمدينة ليون الفرنسية وجمعية القاصرين عن الحركة العضوية,.

أما في المجال الرياضي فتعد جمعية ( الشباب الرياضي المطوي)1945 من الفرق العريقة … المطوية هي الجهة الوحيدة التي تنتسب إليها جمعية رياضية بالعاصمة بلغت ما يسمى بالقسم القومي سنة 1956 وقد تألق العديد من أبناء الشباب المطوي على الساحة الكروية مثل : عبد الحميد حميدة – محي الدين زقير – حمادي البحري – أبو بكر جراد – الفرزيط – شيخ العرب- الناصر وعلي بن زكري – الكامل بن عبد العزيز ثم أتى جيل خالد بن يحيى و وسام يحيى والناصر البدوي وماهر ويامن بن زكري وآخرين… الم اقل لكم إنها المطوية الولاّدة؟

وللأدب نصيب عند أهل المطوية التي اهدت الوطن شيخنا الفاضل محمد لعروسي المطوي وأنجبت الشيخ الزيتوني احمد الحمداني وعمر بن سالم وسمير العيادي ويحي محمد والقائمة حبلى بالأسماء والأعلام … أما عن الصحافة و الإعلام فحدث ولا حرج فتطالعنا صور الإعلامي الفذ عبد الملك بالرابح والصحفي الكبير بوبكر الصغير والصحفي أسامة الرمضاني والجامعي بمعهد الصحافة المرحوم مصطفى حسن وعبدكم الفقير إلى رحمة ربه…

قد يلومني بعضكم على “نرجسية” قد يتخيلون وجودها في مقالي وعن مغالاة في استعراض مناقبنا لكني أجيب في الحين أن المطوية بظاهرتها المحمودة جديرة بالدراسة والتمحيص بكل عنصر من عناصرها ومكوناتها وقد أعفيتكم من ذكر مزيد من التفاصيل المشرفة ومصادر فخر واعتزاز أخرى قد يأتي مجالها في مقالات قادمة أو كتاب يفي بالغرض المنشود ربما…

وكما تتوارث الأجيال المطوية المتعاقبة حب الموطن وتقديسه , فإنها تتوارث قيما لا محيد عنها وأهمها قيم التضامن والتكافل ومساندة المطاوة لبعضهم في السراء والضراء دون تأخير و دون انتظار جزاء ولا شكور بل يحاسب المطاوة على ذلك اشد الحساب حتى لا يهان مطوي ولا يتم التقصير تجاهه ولنا في مؤسسة “كفالة المطويين” اكبر مثال, حيث للمطاوة مكانهم الخاص لاستقبال الماتم وما يتبعها من لوازم للدفن وإكرام المطوي حيا و ميتا بما في ذلك سيارات خاصة لنقل رفاة الميت “كرهبة المطاوة” التي يشترك في اقتناءها ابناء المطوية من أموالهم الخاصة ,

كما تتم المساهمة في تخفيف الام المطاوة عند المرض عافاهم الله بتوفير الأسرّة الطبية وكل مستلزمات و أدوات المساعدة للمرضى كالكراسي المتحركة وغيرها وهي ظاهرة مطوية صرفة … اعلموا سادتي أن حب الوطن يبدأ بحب الموطن ومن لا يقدر على حب الجزء لن يتيسر له حب الكلّ وعلى هذا فانا احبك يا مطويتي واصدح عاليا : ” أنا مطوي وافتخر” ….على فكرة هذا الشعار يصلح أن يكون عنوانا لمقالي أليس كذلك سيدي رئيس التحرير؟؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version