شاءت الاقدار ان تكون سنوات التسعينات بداية لضرب المنظومة التعليمية … و ذلك منذ تم إصدار و فرض ما يسمى بمجلة حقوق الطفل ذات المظهر البرّاق و المحتوى الناسف للمجتمع و مؤسساته و أولها المدرسة … مما جعل التلميذ على حق و لو أخطأ، و أصبحت حقوقه تحتل الاولوية على الدرس، و منع المربي من تحمل مسؤولية الردع و التربية … كما تحولت العلاقة الروحية بين المربي و التلميذ الى علاقة يحددها القانون و صار من لغو الكلام تسمية وزارة الإشراف بوزارة التربية …
بدأ العنف يتفشى بين التلاميذ و صار قويهم يعتدي على ضعيفهم و بعد أن كان التلميذ المتميز هو القدوة صار التلميذ المتمرد هو المثل يخشاه الجميع … و أصبح التلميذ المتخلق المجتهد يتعرض إلى شتى النعوت و الممارسات التي تهد من عزائمه فكانت أوضاعا لا يصمد لها إلا الأقلية … و يتدخل الأولياء سواء برد الفعل أو بالاستنجاد بالإدارة و صار من لا قدرة له على الدفاع عن نفسه يلجأ إلى أبناء حيه لرد الفعل و أحيانا يضطر الطفل إلى الانقطاع عن الدراسة دون علم والديه أو يلجأ إلى أدوات خطيرة ليدافع بها عن نفسه كالسكين أو ما شابهها …
بدأ العنف يتطور حتى طال المربي و لا تستطيع أن تنكر ما تعرض له المربون من عنف على يدي التلميذ أو الولي و كان هذا مؤديا الى تدهور العلاقة بمحاباة بعض التلاميذ و التقرب منهم وصلت إلى مجالستهم في المقاهي … و صار أكثر المشرفين على التعليم يمارسون سياسة سلّم تسلم تفاديا للتصادم و صار المستهدف الوحيد هو المربي …
منذ سنوات طويلة أصبحت المدارس و المعاهد تحت المطرقة تهدم حجرة حجرة على مرأى و مسمع من الجميع و كانت المواقف لا عين رأت و لا أذن سمعت فلا المواطن دافع أو احتج أو دافع عن المدرسة و لا المسؤول اتخذ إجراءات توقف النزيف … منذ سنوات شنت حروب على المربي النزيه و استهدف المدير الجدي و التلميذ المتخلق و الولي الحريص على تربية أبنائه و القيم النبيلة …
تكاثرت “الإصلاحات” … و لكن الحصيلة أوكار فساد
فقد المربي هيبته و انهالت عليه السهام من كل جهة و أصبح التلميذ كائنا انتهازيا هدفه الحصول على العدد بأساليب شتى أهمها الغش و التحيل … هدمت أسوار المدارس و انتهكت حرمتها و تحولت هي و ما حولها الى أوكار فساد ليلا و أيام العطل … هجرت المكتبات المدرسية و فقدت حصص المراجعة لعدم توفر القاعات او قلة القيمين و ألقي بالتلميذ رغم صغر سنه في الشارع ليتدرب على الانحراف بالفرجة ثم بالممارسة، فهذا يفتك مصروف ذاك بالقوة و التهديد و ما أن تمر فترة حتى يندمج في منظومة العنف …
جعلنا من الكتاب المدرسي مادة استهلاكية تتغير من سنة إلى أخرى بدعوى الإصلاح التربوي فمرة نحذف محورا و مرة نعيده فكتب اللغة مثلا أصبحت لعبة بين أيدي (المصلحين) فهذا يجمع و هذا يقسم و هذا يحذف درسا و ذاك يرجعه … صار التعليم بين شد و جذب و عندما تسأل تجاب بأننا نعمل و نصلح، لكن ماذا أصلحنا؟ تفشى العنف و عم الظلم بين التلاميذ و أهين المربي و انتشرت المخدرات و غابت المسؤولية و تخلينا عن القيم الإنسانية التي من المفروض أن تكون اللبنة الأولى لتربية التلميذ قبل تعليمه … تضخم عدد المنقطعين عن التعليم و غزا العبث الشارع و نشأ الطفل على الانحراف فأصبح شابا تنخر جسمه المخدرات بأنواعها … و تخلى الآباء عن مراقبة أبنائهم المراهقين بتوفير رغباتهم المادية معتقدين أن مهمتهم تنحصر في إرضاء الأبناء مهملين الجانب العاطفي و الرعاية و الرقابة و التربية على القيم السليمة
مجتمعنا في ورطة
ها نحن في ورطة اجتماعية كبرى … شباب منحرف سدت أمامه كل السبل و فقد السيطرة على نفسه يعيش إدمانا يدفعه إلى الاعتداء على غيره فيسطو و يقتل و يغتصب الصغار و الكبار و حتى العجائز لم تسلم من شره … صحيح مدرستنا تنتج بعض النخب بفضل حرص المربين و الأولياء و هؤلاء معظمهم يهاجر إلى دول أخرى محبطا و قد خاب أمله في بلاده …
و لكن أي نوع آخر أي جيل هذا الذي يحطم مقدساته؟ أي جيل هذا الذي يقتل و يذبح؟ أي جيل هذا الذي يرتمي بين أحضان الإرهاب؟ أي جيل هذا الذي يلقي بنفسه في البحر و هو يعرف أن أمله في النجاة قليل جدا؟ أي جيل هذا الذي يقتل أحد أبويه من أجل المال؟ أي جيل هذا الذي ينجب و يهمل؟ أي جيل هذا الذي يصب على جسده البنزين ثم يشعله؟
؟أية تربيه مارسناها؟ ماذا فعلنا بالطفل و الشاب؟ أين إنسانيته؟ … أليس الطفل بذرة المستقبل فأية عناية تلقّاها