جور نار

الفأرة الاصطناعية … والفأر الطبيعي (2)

نشرت

في

Un Homme Est Assis Devant Un Ordinateur Au Bureau Et Travaille Illustration  Vectorielle En Style Cartoon Plat | Vecteur Premium

قلنا إن مخترعي التكنولوجيا الحديثة وخاصة الإعلامية، كان هدفهم الرئيس تسهيل حياة العباد واختصار وقتهم وتخفيف تعبهم والتقليل من أوراقهم … لا، هم وصلوا الآن في بعض البلاد إلى إلغاء الورق تماما بما في ذلك الأوراق النقدية …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

فالأزرار وكلمات العبور والإمضاءات الإلكترونية حلّت محل الاستظهار بالوثائق، وقواعد البيانات أخذت مكان الملفات الثقيلة المغبرة … وحتى ذلك ما انفك يتطور فإذا بها شاشات لمس وهويات ببصمات اليد أو الوجه أو حتى الصوت … تقف أمامها وتقول عن اسمك فتنجز لك ما تريد بمجرد التعرف على نبرات صوتك … أما الموزعات الآلية للنقود التي ذكرناها سابقا فهم بصدد التخلي عنها وتعويضها بالدفع بالبطاقات… وحتى البطاقات بدورها هي إلى اندثار ليقع تحويل المال من حساب لحساب بأية وسيلة متطورة لإثبات الهوية وإمضاء من التي حكينا عنها …

إلى درجة أنهم صاروا الآن في بلدان الشمال بصدد تعداد المهن التي ستختفي خلال سنوات، باختفاء مبرراتها والإجراءات التي أوجدتها … هذا عند الناس المتحضرين…

نأتي الآن إلى بلاد كالتي نحن فيها … جئنا بالإعلامية على أنها لغة العصر ووسيلتنا إلى “اللحاق بالأمم المتقدمة” كما يعلن عن ذلك الخطباء وقارئو نشرة الثامنة … أدخلنا الإعلامية واستثمرنا الميزانيات الجرارة في شراء المعدات الباهظة والحواسيب بشتى الأشكال والأحجام، وأسسنا مركزا وطنيا للإعلامية ومراكز إعلامية بكل وزارة دون أن ننسى مركز إعلامية موجها للطفل … ودون أن نغفل بعث وزارة للمعلومات (أو الاتصال) ومصالح للإعلامية في كل منشأة، فضلا عن مدارس التكوين الخاصة والمعاهد العليا بالجامعة وشعبة الإعلامية المدرجة في دليل الباكالوريا، كما أشار إلى ذلك أكثر من مرة وبامتياز زميلنا الأستاذ منصف الخميري …

وعلى الأرض، فرضنا على المؤسسات الحكومية والخاصة أن تنجز عملها وتقدم خدماتها استنادا على المنظومات المعلوماتية وأنفقنا في سبيل ذلك الأموال الطائلة لشراء أو إعداد البرمجيات اللازمة … فماذا حصل؟ وهل تسهّلت حياة المواطنين مذّاك؟ أقول لك ماذا حصل:

الوثيقة المطلوبة الواحدة صارت وثيقتين، والصفّ الطويل أمام الشبابيك أصبح صفّين، والوقت المبدّد لقضاء المصلحة انضرب في اثنين إن لم نقل أكثر … فهم يضعون المطبوعة في موقعهم الإلكتروني، ويطلبون منك تعميرها على الشاشة وتسديد المعلوم بـ “الدينار الإلكتروني” … وأين هذا الدينار الإلكتروني يا مرحوم الوالدين؟ في البوسطة … وهنا تسمع أغنية ع هدير البوسطة لفيروز خمسين ستين مرة حتى تنتهي من صف مركز البريد الذي يبيع بطاقة الدينار الإلكتروني … وأحيانا وعندما تصل إلى موظفة الشباك تمد يدها إلى قجر أمامها وتبحث في أركانه ردحا من الزمن لتقول لك أخيرا “وفاو” وتنصحك بالذهاب إلى مكتب شارل ديغول أو شارع قرطاج أو أي مكان، وأنت وحظك …

نفترض أنك أخيرا خرجت بسلام من الامتحان الأوّل والصف الأول … ينتظرك صفّ ثان بعد أن تستخرج نسخة ورقية من مطبوعة التسجيل الذي أتممته بالـ “إي دينار” العزيز … تلك النسخة الورقية لا تكفي، بل مطلوب منك إرفاقها بنسخة من بطاقة التعريف (طبعا) ومعها صورتان شمسيتان ومضمون ولادة حديث العهد وبطاقة عدد 3 حديثة الولادة وتصريح على الشرف ممضى في البلدية ونسخ مطابقة للأصل من صداق أمك وحجة وفاة أبيك وشهادة في عدم الانتفاع بلا أدري ماذا … وكل ورقة من هذه لها صفّها وشبّاكها وفيه عون منهمك في تنقيب شاشة حاسوب لخدمتك، في إطار “رقمنة” الإدارة …

ـ يتبع ـ

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version