جور نار

القوة الخشنة … و القوة الناعمة (6)

نشرت

في

تحدثنا مرة عن الأمن القومي، هي مرة واحدة؟ قل مائة … قلت تطرقنا منذ أسبوع لهذا المصطلح في معرض كلامنا العام عن القوتين الصلبة و الناعمة لأي بلد … و قلنا وقتها إن العامة (و حتى الخاصة) تتداول تعبير “الأمن القومي” على أنه أمن ترابي و شرطة حدود و فرق مكافحة إرهاب وجيش مرابط سفح الشعانبي إلخ … و هذا المفهوم الضيق لأمننا القومي هو الذي أهلكنا، أو يهدد بإهلاكنا في أي وقت …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

بينما عند الدول الكبرى … الكبرى من حيث الطموح و الإرادة لا من جهة الكرش … الدول العزيزة النفس، يتجاوز أمنها القومي كل هذا ليطال مساحات مادية ولا مادّية أوسع بكثير من مطار قرطاج و ميناء حلق الوادي و معابر ذهيبة وراس جدير و الشبيكة و بابوش و جبال تونس العليا و الوسطى و صحارى الجنوب و سواحل الحرقة إلى لمبادوزا … هذه كلها تحصيل حاصل و يا خيبة المسعى إن قصُر اهتمامنا عليها أو ـ أشنع من ذلك ـ لو قصّرنا فيها … وقتها نصبح مثل دولة بني العباس أواخر أيامها، حين انحصر همّ الخليفة في حماية محل سكناه، قبل أن يجبره حرّاسه السلاجقة (أتراك اليوم) على لزوم غرفة نومه … عدلْت فأمِنْت فنِمْت في فراشك … و التتار على أبواب المدينة !

الأمن القومي هو أولا استباق، و استباق بعيد النظر و المدى … و مهما قلنا مثلا في واقعة 11 سبتمبر، فإن الأمريكان لم يكتفوا بنبش كل زوايا بلادهم بحثا عن إرهابيين حقيقيين أو محتملين … بل طاردوا الغول في كل بقعة من العالم، و تحركت بوارجهم و حاملات طائراتهم و راجمات صواريخهم إلى نقطة على 10 آلاف و 839 كم، و هي المسافة الفاصلة بين نيويورك و كابول عاصمة أفغانستان … و طبعا هم لم يكلفوا أنفسهم هذا التعب و لم يقطعوا كل المسافة، فلديهم بالمحيط الهندي القريب بضع قواعد ثابتة و متحركة، أشهرها الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية … دون أن ننسى زميله الأسطول السابع غير البعيد عنه، و المكلف بمراقبة المحيط الهادي و الشرق الآسيوي الأقصى …

طبعا لسنا هنا في سيرة تمجيد امبريالية الأمريكان أو الانبهار بقوتهم المفرطة التي انهزمت أكثر من مرة أمام تصميم الشعوب … و لكنه مثال، مثال فقط عن مفهوم الأمم للأمن القومي الصحيح … و ما تفعله الولايات المتحدة تفعله دول أخرى بنسب مختلفة، و لكنها تفعله … هذا عن الجانب العسكري فقط و هو ليس موضوعنا، و بالمناسبة علينا أن نشيد ببسالة جيشنا الوطني الذي ـ بإمكانيات أقل بكثير جدا ـ كان دائما درع أمان للبلاد و مثالا في الانضباط و الحرفية و نظافة اليدين … و هو أفضل من جيوش عديدة في المنطقة و بإمكانه تلقينها دروسا …

إذن مشكلنا ليس عسكريا بتاتا و لنا كل الثقة … مشكلنا أننا حين واجهنا الإرهاب على سبيل المثال، لم نتجاوز العمل العسكري و الأمني إلى مجالات الاقتصاد و التنمية و التربية و الفكر و الإعلام و الثقافة والفنون … هذه الآليات الجوهرية التي تصنع الإرهاب بقدر ما تساهم بفعالية في القضاء عليه … أنت و قدرتك على توظيفها، أو قبولك لأمرها الواقع و أحكامها … إما عجزا، أو تجاهلا، أو جهلا …

ـ يتبع ـ

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version