جمر نار

الكورونا … من حدائق الإليزيه إلى حدائق قرطاج

نشرت

في

قديما كان لدينا إحساس بالانتماء الى دولة لا نعلم الكثير عن خفايا قراراتها و مواقفها و لا عن شرعية ما تقوم به لتسيير شؤون المواطن والوطن… لم نكن نعلم الكثير و لكن كانت أخبار الثامنة هي بوّابة الخبر اليقين الذي لا يناقش و يؤخذ مسلّما لا ريب فيه ثمّ يطبّق بحذافيره دون نقاش أو جدال … و رغم حيف بعض القرارات و مجانبتها للحكمة و العدل فقد كنّا نقبلها من باب الطّاعة أوّلا ثم لاقتناعنا بأنها قرارات لا رجعة فيها.

<strong>رضا عزيّز<strong>

وجاءت الثورة وعمّ الارتجال وكلّما انتشر خبر أو قرار أو موقف مكثنا في أماكننا في انتظار ضدّه الذي و إن لم يأت لحظات بعده أتى بعد سويعات أو أيّام ولكنّه آت آت لا مفرّ من ذلك … وبدأنا نشكّ في الثوابت و القيم و المبادئ فأضحى الاستعمار حماية و الخيانة العظمى صوتا جهوريّا بلا معنى و الاستقلال استكانة و خنوعا و تبعيّة … و انقلب كل ما تعلّمناه رأسا على عقب…هذه حالنا فما السبب؟ ما الذي أدخلنا إلى هذه الفوضى العارمة و أطلق علينا ضبابا كثيفا يحجب الرؤية و يجعلنا ندور في حلقة مفرغة لا نرى أبعد من أقدامنا؟

إنها الأيادي المرتعشة … إنها نخب ما كانت تحلم يوما بأن تحكم البلد فوجدت نفسها بموضع القرار و بيدها الأمر و النهي فتاهت وتاه معها البلد … تعلّمنا من دروس التاريخ أن لكلّ سلطان بطانة و أنّه يصلح السلطان بصلاح بطانته … ففتحنا أعيننا على زمن فيه لكلّ فرد من تلك البطانة بطانة خاصّة به و ارتفع عدد الناصحين و المرشدين و الدّالين إلى طريق الرشاد.

من حق القارئ أن يسأل أين الكورونا من كلّ هذا؟ فأقول الكورونا هي التي كشفت عورتنا و أبانت قبحنا و تيهنا و ضعف إرادتنا فبعد أن كنّا مضربا للأمثال في نجاح مقاومة الفيروس اللّعين أصبحنا مهدّدين في وجودنا… ففي نشوة النّجاح والتوفيق يتّخذ رئيس حكومتنا (رجل أعمال يحمل جنسيّتين) قرارا بفتح الحدود خدمة للسياحة الوطنيّة (خدمة لرجال أعمال يعملون في قطاع يبقى ثلثا مداخيله خارج الوطن و تأتيه المساعدات من الدولة الوطنية من أموال دافع الضرائب) رغم أنف المصالح المختصّة التي كشفت خطورة القرار وبيّنت توابعه الأليمة على الوطن والمواطنين…

الأيادي المرتعشة هي نفسها التي قبلت تحويل فرنسا من منطقة موبوءة مصنّفة حمراء إلى منطقة آمنة تلتحف اللّون الأخضر وذلك بين عشيّة وضحاها… هي نفس الأيادي التي أعفت المواطن الفرنسي من وجوب الاستظهار بتحليل سلبي قبل الدخول إلى هذه الرقعة المسمّاة تونس … رغم وجوب ذلك على المغادرين منها في اتجاه فرنسا الآمنة ذات آلاف المصابين و مئات الموتى.

 وآخر ما صدر أنّ المشرفين على (حظوظنا) أخبرونا بأن لا لزوم لحجر صحّي و لا لإيقاف دروس و لا لمنع جولان … و أن الوضع تحت السيطرة ليتراجعوا بعد صلاة الفجر بتوقيت باريس و إثر خروج بيان الإليزيه و يتحفونا بمجموعة من القرارات المضحكة المبكية في الآن ذاته كغلق المقاهي مع فتح الأسواق الأسبوعية… ومنع التجمهر لأكثر من أربعة أشخاص مع مواصلة عمل وسائل النقل العمومي… وأكتفي

رجاء اتركونا نسبح في أوهامنا، لا ترجمونا بمرارة اليقظة، دعونا نتوهّم أنّنا مواطنون أحرار في دولة مستقلّة و لسنا مجرّد “أنديجان” في مستعمرة فرنسية … فرئاستكم و ديبلوماسيتكم كانت تعرف أن سكّان قصر الإليزيه سوف يجتمعون و.يقرّرون … لذا ألم يكن الأجدر أن تنتظروا قليلا لإيهامنا بأن قراركم مستقلّ و لا علاقة له بسيّد الأمس وحليف اليوم.

أنصحكم بانتداب سيناريست ممتاز و مخرج مبدع يجنّبانكم شرّ المهازل حتّى لا تبقوا معلّقين بين حدائق الإليزيه و حدائق قرطاج.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version