أنهيت بعض الشؤون الخاصّة، وجلست مع بعض الأصدقاء في أحد مقاهي المدينة، ثم قصدت مسجدا قريبا من حيّنا لأداء صلاة الجمعة، دخلت المسجد وجلست قرب أحد أعمدة صحنه حتى يكون متكأ لي، لم أكن أدري أن شيطان النوم سيتربّص بي في تلك اللحظة، أخذني النوم دون مقاومة تذكر…
وجدت نفسي قبالة إمام بدأ في وصلة الدعاء التي سيختم بها خطبته، رفعت رأسي في اتجاه الإمام فصوته غير مألوف عندي لكنه ليس غريبا، بدا لي أول وهلة وكأنه صوت “سنبل آغا” الذي شاهدناه لسنوات يقوم بشؤون السلطانة هيام…ثم بدا لي وكأنه صوت هيكلالمكي النائب المجمّد الذي انضمّ إلى جوقة الرئيس الداعمة في السرّ والعلن، خلاصة قولي لم أعرف من يكون ومن أتى به إلى حيث أصلي…وبدأ الإمام في وصلة الدعاء بصوته “المكّي” نسبة إلى هيكل المكّي ونظرته المتوجّسة نسبة إلى “سنبل آغا” وانطلق في دعائه قائلا:
“يا ربي يا رافع الأوتاد…أعن رئيسنا على البقاء “جاثما” على البلاد والعباد…وأعنه على كشف “الفساد” وملاحقة “الأوغاد”…وأطل بقاءه جالسا على كرسي سيّد الأسياد…مسيطرا …مستبدا…حاكما …جاثما على الأحزاب والحركات والمنظمات والعباد…يا رب يا خالق الحقول…أعنه على غسل الأدمغة… وسلب العقول…بخطابه وقافيته وخُطَبه الناسفة وكل ما بخاطره يجول…وما يقول وما لا يقول…واجعل نجم خصومه في أفول…و اجعل مقاومتهم لحكمه وسلطته وعرشه لا تطول…واجعلها “شدّة وتزول”…وأكتب لخصومه الغضب و”الغزّول”…واجعل سيدنا في عيون اتباعه “عَسُّول”…
يا ربّ يا كاتب المآل والمقال…أعنه على كسب الكثير من الأموال…ليدفع أجور الموظفين والعمّال…حتى يزول عنه الانفعال…ويجد جوابا عن كل سؤال…يا ربّ يا كافل اليتيم والفقير…أعنه على إسكات عبير…ومن هم مع حزب عبير…ومن يصفقون وراء عبير…يا ربّ يا منقذ الغريق…أعنه كي يقطع عن خصومه الطريق…ويشتّت كل تحالف لحُكمه يُعيق… من شيخ النهضة إلى صهره رفيق…يا ربّ يا من بحياتنا لصيق…أعنه كي يكشف العدو من الصديق…والزلم من الرفيق…والشيخ من الزنديق…والشابي الحليق من غير الحليق…فإنه وإننا لوجوههم وخطابهم لا نطيق…
يا ربّ أظلّ بظلّك عليه وعلينا…وأرضي عليه “كريستالينا”…واجعلها وفريد بلحاج بين أيدينا…حتى تغنّي لهما “نجلوتة” “كي جيتينا فرحتينا”…”كي جيتينا انقذتينا كريستالينا”…”كي جيتينا براس الحنينة”…”ما تسكّرش الكاسة علينا”…يا ربّ يا مُحْيِي الآمال …ابعد عنه “جوزيف بورال”…فإنه قد يتجاوز الأقوال…بالأفعال…ويقطع عن البلاد المساعدات والأموال…يا ربّ يا كاشف الظنون…أسعده بالقرب من ماكرون…ولا تفرّق بينه وبين زوجته “بريجيت”…حتى لا يقول لرئيسنا يوما “راني فدّيت”…يا ربّ يا باعث الغيوم…لا تُغضب عنه “دونالد بلوم”…واجعله ممن يرضى عنهم محمد بن زايد ومحمد بن راشد آل مكتوم…وأبعد عنه كل معارض “مشُومْ”…لا يعرف في خطابه غير الصراخ واللُوم…
يا ربّ يا خالق الفنون…لا تفرّق بينه وبين “تبُّون”…فهو جاره الكريم الحنون…واجعله برؤيته مفتون…وبعشق تونس مسكون…حتى يصلنا منه المليار بعد المليون…يا ربّ يا صاحب المفتاح…اجعله إخوة والسيسي عبد الفتّاح…واجعله بقربه “مرتاح”…حتى نرقص نحن الأتباع والأنصار والاشباح … “فزّاني مرتاح”…في الشوارع وفي الأنهج والبِطاح…يا ربّ يا خالق الإنسان…أدخله إلى قلب محمد بن سلمان…واجعله يغدق علينا المال بلا ميزان… ولا حسبان…يا ربّ يا خالق الماء والنار والدخان…لا تفرّق بينه وبين أردوغان…وابعد عن حبيبنا الطيب الإخوان…وشيخهم الفتّان…يا ربّ يا خالق اللوزة والجوزة…أطل عمر الشيخة موزة…فنحن كما يقول المصري “شايلينها للعوزه”…
يا ربّ يا مسبّب الفلاح والنجاح…أرضِ عنه نواف الأحمد الصُباح…حتى نكسب من الكويت الكثير من الأرباح…يا ربّ يا مالك الملك العظيم…أطل عمر الشيخ تميم…وأجعل قلبه برئيسنا يَهيم… واجعله بشعبنا أيام الشدّة “رحيم”…يا ربّ يا خالق البحار والأنهار والشُطآن…لا توقّع بيننا وبين “الأمريكان”…وأجعلهم مع وضعنا “جدعان”…وابعد عنا رضوان “الخوّان”…ومورفي “المخنان” الفتّان…يا رحيم يا رحمان…يا ربّ يا صاحب الإشارة…أجعل الملايين من شعبه يعمّرون الاستشارة…وكما يقول المليجي “هاكي الأمارة”…
يا ربّ يا صانع العقول…ابعد عن حكمه الإخوان والأزلام والفلول…ولا تسعدهم بعودة المجلس المجمّد المشلول…واجعل المحاكم تطالبهم بالمثول…أمامها وأمام سيف عدالتها المسلول…يا ربّ عليك بالأعداء والخصوم…وكل من انتقد المرسوم…يا ربّ يا جبّار ابعد عنه كل إعلامي غدّار…وكل سياسي “نغّار”… وكل مسؤول “كركار”…يا ربّ عليك بكل من لم يقل له “حبّيك لبيك”…من عبّو إلى مخلوف وصولا إلى جلال بريك…يا ربّ لا تبق لهم في رمضان أكثر من “شربة فريك” و”كعبتين بريك”…يا ربّ عليك بكل “نبّار” وأجعله نائما ليلا نهار…وأجعله في ثمن سيجارة يحتار…يا ربّ عليك بالبحيري …واجعله يهذي ويغني “لليري يامه لليري”…اللهم أغثنا باليورو والدولار…وبإعادة الإعمار…يا ستار يا جبّار…
ثم ختم الدعاء بالصلاة على الرسول، وقوله: “قولوا آمين يا مسلمين”…
ودون أن أدري وجت نفسي من الذين يصرخون “آمين” ومسحت بيدي اليمنى على وجهي…حينها استفقت من نومي لأجد المسجد فارغا…فالصلاة انتهت منذ ساعة تقريبا ومن كانوا إلى جانبي تركوني وخرجوا…
هذا ما وقع لي مع صلاة جمعة كان إمامها شبيه “سنبل آغا” وهيكل المكّي…وهكذا قلت “آمين” لدعاء لرب العالمين موجّه لمولانا ساكن القصرين…وأصبحت من الأنصار والأتباع والمهاجرين دون أن أكون على يقين…فاللهم أجرنا من الأتباع والمناصرين…ومن الأحزاب والحركات مغادرين…إلى يوم الدين…