المشيشي يكتفي بالفُتات … و يختار غلق الملفات بالمسكّنات …
نشرت
قبل 4 سنوات
في
هل تورّط المشيشي في ما صرّح به بعد الإعلان عن حزمة القرارات المتعلقة بأزمة “الكامور” بتطاوين؟؟ هل أصبح سجينا لخطإ اتصالي فظيع قد يكون سببا في خروجه من الباب الخلفي لقصر الحكومة في قادم الأشهر؟؟ المشيشي أخطأ أو أجبره من هم حوله على الخطإ حين أعلن أن الحكومة ستعتمد نفس التمشّي مع كل ولايات الجمهورية، و أخطأ أكثر حين ذكر بعض الولايات و لم يذكر البعض الآخر …
المشيشي سقط في نفس الفخّ الذي سقطت فيه بعض القوى السياسية والأحزاب المعارضة لسياسات بن علي مباشرة بعد 14 جانفي، فهذه الأخيرة خرجت و أغرقت وسائل الإعلام بقراءات وتحاليل كاذبة عما وقع في البلاد، لإيهام الشعب بأنها وراء تلك الأحداث، و أنها الحاضنة الشرعية لها، و الحال أنهم فوجئوا بكل ما وقع منذ السابع عشر من ديسمبر، و لم يتكهنوا أبدا بما آلت إليه الأمور، و لم يكونوا يوما ليحلموا بها، فجميعهم أحزابا و منظمات وعلى رأسهم اتحاد الشغل هرولوا قبل خروج بن علي بيومين إلى الجلوس معه بحثا عن حلّ للأزمة و تهدئة للأوضاع…
فالمشيشي لم يكن أبدا وراء اتفاقيات “الكامور” و لم يكن في حكومة الشاهد التي أعلنت عن تلك الاتفاقيات، و أمضت عليها مع بقية الأطراف لكنه أراد أن يستحوذ على ثمارها، من خلال تنفيذ الجزء الأكبر منها ليستثمرها في قادم الأيام … فالمشيشي أدرك أن مجرّد تنفيذ ما فشل في تنفيذه الشاهد و من سبقه سيحسب له و لحكومته، رغم أنه يدرك جيدا أن حكومته لن تكون قادرة على تنفيذ كل النقاط المتفق عليها في الاتفاقية الممضاة بين الطرفين…
أدرك المشيشي منذ جلوسه على كرسي القصبة أن البلاد مقدمة على مرحلة حرجة اجتماعيا بسبب الأزمة الاقتصادية و تبعات وباء الكوفيد 19، كما أدرك أن أي توسّع لرقعة التحركات الاجتماعية سيكون خطيرا على استقرار البلاد، و قد يعصف بحكومته لو أخفق في كبح جماح بؤر التوتّر الاجتماعي و إطفاء الحرائق التي تندلع هنا و هناك… فهو قرأ درس “الكامور” جيدا و تأكد أن التمادي في استعمال الحرية قد ينقلب إلى فوضى يصعب التحكّم فيها …و درءا للوصول إلى ما لا تحمد عقباه، أقدم المشيشي على ما صرّح به و ورّط نفسه في استنساخ التمشّي الذي اعتمده بــ”الكامور” على كل الملفات العالقة ببقية الولايات… و بدأ في البحث عن المسكّنات و المهدئات حسب طبيعة كل ملف من الملفّات…
يدخل ملف فتح معبري رأس جدير و ذهيبة ضمن استراتيجية المشيشي لإطفاء الحرائق و توزيع المسكنات و المهدئات، فالإبقاء على هذه المعابر مغلقة، سيكون سببا في اندلاع أكبر حريق اجتماعي قد تعجز الحكومة عن إطفائه، و هو الذي يوفر أكثر من نصف موارد الشغل بولايتي تطاوين و مدنين … و المشيشي لم يكن ملزما بحضور فتح المعبر لكنه فعل ذلك في إطار حركة اتصالية يريد استثمارها لاحقا … ففتح معبري ذهيبة و رأس جدير سيُلْهي أهالي هذه المناطق الحدودية لمدّة قد تتجاوز فترة العواصف الاجتماعية المنتظرة لشهري ديسمبر و جانفي، و قد يساهم فتح معبر ذهيبة في التخفيض من حدّة توتر مخلفات ملف “الكامور” الذي لن يغلق بمجرّد تنفيذ بعض بنوده …
و قد يصبح ملفا عنقودي التبعات و الإسقاطات و قد يعود “أهالينا” كما يفاخر بتسميتهم المشيشي إلى غلق الفانة من جديد لو تعمّد المشيشي عدم تنفيذ كل بنود الاتفاق … و قد ينتقل المشيشي في قادم الأيام إلى ولاية أخرى محمّلا ببعض المسكنات و المهدئات و قد تكون ولاية القيروان الأقرب لغلق بعض الملفّات العالقة، فسياسة الاستثمار في الملفات العالقة و التي لم تنجح الحكومات السابقة في غلقها أسالت لعاب المشيشي وحكومته، و قد تكفي لتكون برنامج هذه الحكومة لسنة 2021، فالمشيشي سيكسب كثيرا من سياسة جني ثمار الملفات العالقة بكل ولاية …
فهذه الملفات هي في الأصل قرارات مجالس وزارية لكل الولايات أشرفت عليها الحكومات السابقة، و قد ينجح المشيشي في إطفاء العديد من الحرائق التي لو اندلعت في توقيت واحد لشكّلت خطرا على حكومته في قادم الأشهر، فالحكومة لن تكون مطالبة بفتح ملفات جديدة بل سيصبح هدفها المعلن و غير المعلن غلق كل الملفات العالقة و بعض هذه الملفات يعود تاريخه إلى آخر مجلس وزاري أشرف عليه الرئيس بن علي رحمه الله …
اختار المشيشي هذه الاستراتيجية بالصدفة، فهو لم يكن ينوي فعل ذلك و الاعتماد على هذا التمشّي، لكن نجاحه المزعوم و النسبي في “الكامور” و بعض من هم حوله خارج مبنى القصبة أوعزوا إليه بأن يستثمر في أخطاء من سبقه … و يأتي اختيار هذا التمشّي بعد أن تأكد ساكن القصبة أنه لن يكون في مأمن من نيران الأحزاب و مجلس باردو إن عوّل على برنامج جديد لحكومته قد تكون أغلب نقاطه غلق الملفات العالقة…
فالاكتفاء باستراتيجية غلق الملفات سيكفيه شرّ كل التحرّكات لمدّة لا تقلّ عن ستة أشهر و سيعبر مرحلة القلاقل و الهزّات الارتدادية الاجتماعية وسيشمل كل الولايات، فهو لن ينتظر دعما من الأحزاب التي بدأت منذ أسبوعين في المطالبة بفتح ملف التعيينات و اقتسام الكعكة، و قد يكون بعضها وراء تأجيج نار التحركات الاجتماعية الاحتجاجية…و اختيار المشيشي لتمشّي غلق الملفات العالقة في جميع الولايات و بؤر التوتّر الاجتماعي قد يقطع الطريق أمام هذه الأحزاب، و يكون سببا في الإيقاع بينها و بين قواعدها، و قد يكفيه شرّها تحت قبّة المجلس لأشهر أو أكثر…
خلاصة القول…المشيشي أدرك أن الكذب خارج “الشهر الحرام للكذب” و أقصد أفريل غير مباح و قد يكلّفه غاليا في مرحلة كالتي تمرّ بها البلاد و بقية بلدان العالم …كما أدرك أنه لا يمكن أن يعمل بما قاله وزير الدعاية الألماني في عهد أدولف هتلر “اكذب حتى يصدقك الناس”…و قرر فقط الاكتفاء بإنجاز ما تخلّد بوعود الحكومات السابقة ليكسب مساحة زمنية قد تصل به إلى الصائفة القادمة …ولسان حاله يقول….غلق الملفات…يُغلق الأفواه…حتى إشعار آخر…