جور نار

الملفات … من الابتزاز إلى الفتح

نشرت

في

البعض ما زال يصف ما حدث منذ جانفي 2011 بالثورة، و البعض الآخر بالانتفاضة، و البعض الثالث بالردّة عمّا كنّا عليه … بسنوات و ربما بقرون … و إذا كان لا بدّ من توصيف إضافي لهذه الفترة، فيمكن أن يكون “ثورة الملفات” …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

فعلا … فما من حكومة تشكّلت إلا و كانت المحاصصة عمادها هذا رفضناه لأن عنده ملفّا، و ذاك قبلوه لأن لديه عليهم ملفين أو ثلاثة، و هذا رئيس كتلة غيّر موقفه في اللحظة تسعين لأن هناك من لوّح له تحت الطاولة بوريْقات خفية … قد تكون “لفة” فلوس و قد تكون بضع وثائق من ملف في باناما … و الآخر الذي له في هيئة مكافحة الفساد، خامس له ملف في أملاك الدولة، و سادس له ملف في الجمارك، و سابع ملفه محفوظ في أرشيف الصفقات العمومية، و ثامن له ملف في دائرة المحاسبات، و تاسع عنده ملف في الآداب … و تنقلب الأوضاع عندما يُطرد أحد هؤلاء من منصب، فيخرج في الإذاعات مهددا بكشف “كل الملفات” التي في حوزته … و طبعا لا يكشف شيئا بعد ذلك … فهو إما يكذب و يمارس نوعا من “البلوف” المعروف في لعبة البوكر، أو صادق فسرعان ما تتم ترضيته فتنغلق ملفاته و فمه في ذات الوقت …

اليوم يبدو أننا ولجنا عهد الملفات التي تُفتح و تُشرح و يبتّ فيها القضاء … لطفي نقّض نسيناه تقريبا تحت ركام الضحايا الآخرين و عمليات القتل المنتظمة التي حوّلت الجريمة إلى فعل طبيعي … جاء علينا زمن تطبيع عجيب مع الإرهاب، تماما كما تعايشنا مع الرشاوي العلنية، و فساد الإدارة الفاقع، و نذالة السياسيين جهرا، و بذاءة المتكلمين على الموجات دون وازع، و استعراض العاهرات على المباشر، و تطاوس الغلمان بلا خوف، و تحدي الشعب الكريم بصفاقة مطلقة و دون اعتذار … و من نحن حتى يعتذر لنا من ركبوا حمار الشرعية و حمار التوافق و حمار الثورة العايب، و حمار الحوار الوطني الموجّه للأغبياء فقط؟!

فُتح من جديد ملفّ ضحية الجنوب الذي تعاورته الأرجل دون شفقة و دهست ضلوعه كأنه خنفساء … و وجد من صعاليك الخصوم شماتة يذهلك زهوها، و من أقزام الساسة من يطمر ذلك تحت تراب المصالح، و من خونة الطب من يمهر ذلك بختم السكتة القلبية … فُتح ملفّ نقّض إذن و نطقت المحكمة بإدانة جناة كانوا يتلذذون طعم تبرئة كاذبة وباطل انتصر على الحقّ … و وجّه أكثر من مكلوم و مظلوم تحية إكبار لقضاة سوسة و ها أنهم و أننا ننتظر فتح بقية الملفات و القضايا التي ركنها على الرفّ بغاة و غزاة.،

قد يقدح البعض في طبيعة الحكم ممن يرونه دون ما يستحقه الجناة … و قد ينسب آخرون ذلك إلى ملابسات سياسية و سلطة تنفيذية … و قد و قد و قد … و لكن يقيننا أن يوم النطق بذلك الحكم سيبقى مكتوبا في تاريخ القضاء التونسي كأوّل صفحة من كتاب العدل أساس العمران … و هو كتاب تأخّر تنفيذه عندنا، خمسمائة عام بتمامها …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version