سألتني ابنتي أنجيلا عندما كانت في الثامنة: ماما متى عيد ميلاد التاتا؟ (وهي تقصد أمي)
ـ لا أعرف!
ـ أرجوك لا تمزحي..
.ـ لا أمزح
ـ ماذا تقصدين؟
ـ أقصد أنني لا أعرف متى ولدت أمي!
ـ لا…لا أنت تمزحين
ـ اقسم لك بأنني لا أعرف متى ولدت أمي!
ـ هل أنت مجنونة يا أماه، لم تسأليها يوما؟؟؟ لم تحتفلي بعيد ميلادها يوما؟؟؟
ـ لا لم اسألها، فأمي أميّة ولا تعرف متى ولدت، ولم نكن نحتفل بعيد الميلاد!
شهقت أنجيلا حتى كاد فكها السفلي يرتطم بالارض!ـ لم تحتفلي يوما بعيد ميلاد أمك؟؟؟ إنه لمن المحزن جدا، بل إنها جريمة!
……….
كانت أمي الابنة الثانية لجدتي بعد أن حصد الوباء الاصفر صبيانها الثلاثة في أقل من اسبوع.
هل تستطيع أنجيلا أن تتخيل حجم مصيبة جدي مختار الضيعة، عندما “يرزقه” الله بانثى ثانية بعد موت ذكوره الثلاثة؟
طبعا لا!
لطالما رددت جدتي وهي تروي لي مأساتها:
البنت ـ يا عين ستك ـ بتجيب العار والعدو عا باب الدار!
……….
في نفس الاسبوع الذي خسرت فيه جدتي صبيانها الثلاثة ألزمها جدي أن تبحث له عن زوجة، وكأنه على ثقة أن الثانية ستنجب له ذكورا “يحيون” اسم العائلة ويحملون في جيناتهم مناعة ضد الوباء الأصفر!
بدأت رحلة البحث، حتى عادت جدتي تحمل لجدي خبرا سارا: (وافقت أجمل بنات الضيعة على أن تكون الزوجة الثانية)
في عرس جدي حملت جدتي طبق البخور وراحت ترقص أمام موكب العروس (أي ضرتها).
ألقت العروس لجدتي بقطعة نقدية كـ “بخشيش” في طبق البخور، وكانت القطعة ليرة عثملية ذهبية
……….
لملمت جدتي حزنها وعادت إلى غرفتها مع طفلتيها…خسرت زوجها ولكنها ربحت ليرة ذهبية، الأمر الذي خفف بعضا من خيبتها!
في الفجر وقبل أن يستيقظ أحد، سمعت جدتي طرقا خفيفا على باب الغرفة وتفاجئت عندما رأت جدي..تساءلت: كيف يترك عروسه الجميلة في الليلة الأولى ويأتي إلى غرفة أم البنات؟؟؟
همس جدي: ارجوك يا أم علي أن تقرضيني الليرة الذهبية، واعدك أن أعيدها لك بعد بيع الموسم…مدت جدتي يدها تحت المخدة، ثم ناولته ما تبقى لها من أمل
……….
مرّ أربعون موسما، وجدتي تحلم بالليرة الذهبية…ماتت، ودُفنت ملفوفة بكفنٍ من قناعتين:الأولى: البنت تجلب العار والعدو على باب الدار…والثانية: كان جدي رجلا طيبا ومحترما!
……….
اليوم احتفلنا بعيد ميلاد حفيدتي جازي….رقصتُ احتفالا بعيدها وعيد أمي وجدتي وعيد ميلاد كل انثى جاءت لتخفف من آلام وخيبة هذا العالم، وماتت قبل ان تعرف يوم مولدها….