لم تكن هذه السنة و لا التي قبلها عادية… كانت موسومة بآثار الكورونا و تداعايتها انقطاعات كثيرة.. تغييرات عديدة في البرامج و نظام الدراسة، اضطراب في روزنامة الامتحانات .. غيابات متكررة للتلاميذ و المربين بسبب ظروف المرض و تداعيات العدوى ، طريقة جديدة في التحصيل الذاتي لم يتعود بها التلاميذ و الأولياء… نقائص كبيرة في التكوين لا يشعر بها إلا من يدخل القسم و يمارس التعليم و رغم ذلك و رغم التغييرات العديدة…
يبقى لشهر جوان طعم مميز في العائلات التونسية فهو الشهر الذي يكرم فيه المرء أو يهان… شهر القطاف و موسم الحصاد و يبقى لحصاد الباكالوريا وقع خاص لدى كل الأسر مهما تعددت الشهادات بعدها و مهما ارتقى الطالب في مدارج العلم و العرفان فالباكالوريا تبقى دوما هي الباكالوريا تنطلق اليوم 16 جوان 2021 امتحانات البكالوريا في دورتها الرئيسية لتتواصل على امتداد أسبوع، أسبوع يتجند له الجميع ليتوج مسيرة سنوات من الجهد و العمل…
سنوات من جهد الأبناء و تضحيات العائلات لن أعود إلى الاحصائيات الرسمية و لن أتحدث عن أعداد الممتحَنين و لا عن شعبهم و تصنيفاتهم و ما تم تسخيره من إمكانيات تقنية و لوجستية و تنظيمية لإنجاح هذه الدورة .. فالممتحَنون ليسوا مجرد أرقام بل هم أبناء و أحفاد و إخوة و أصدقاء و تلاميذ… كل ممتحَن وراءه عائلة رعته و اهتمت به… أنفقت.. تعبت.. درّست.. ضحّت.. سهرت.. اصطحبت إلى المدرسة و المعهد و رافقت إلى دروس التدارك.. انتظرت الأعداد بلهفة كل ممتحَن وراءه لهفة أمّ و رجفة قلب أب و دعوات جدّ و جدّة و أماني إخوة، و وراءه مساندة أهل و جيران و أصدقاء…
كل ممتحن وراءه إطار تربوي كامل من العامل و حتى المدير وراءه ” أنيستي ” في الروضة غنّت و لعبت و رقصت و رسمت و لوّنت و قبّلت و احتضنت و واست و أحبّت… وراءه معلمون طيلة سنوات الابتدائي عاش معهم أكثر مما عاش في بيته… درّسوا و فسّروا و وضّحوا… جازَوْا و عاقبوا… وراءه أساتذة من الإعدادي وحتى البكالوريا أخذوا المشعل و أكملوا البناء لبِنة لبِنة.. تحمّلوا نزوات المراهقة و صخب اللعب و فورة الشباب.. و راءه قيمون و عملة و إداريون انتبهوا و وجهوا و أرشدوا و صقلوا الشخصية…
كلهم غدا يدخلون معه الامتحان… و كلهم ينتظرون معه النتيجة و يشاركونه لذة الفرحة و النجاح و يقاسمونه خيبة الإخفاق إن حدث و يبعثون فيه الأمل من جديد و الأهم من ذلك كل ممتحَن وراءَه ذاته و طموحه و رغباته و تعبه و اجتهاده وراءه حلم شخصي و أمل جماعي… كل ممتحَن – لو تدرون – وراءه وطن يبغي الأرقى و يرنو إلى الأفضل فحظا سعيدا لكل من ثابر و اجتهد…
حظا سعيدا لكلّ من عمل و لم يُقصّر… حظا سعيدا لتونس و لأبناء تونس ويوم النتيجة سنرقص جميعا على ألحان ” من الثانوية للكلية” و ستدمع عيوننا و نحن نسمع الزغاريد تتعالى على أنغام ” الناجح يرفع إيده”