جور نار

النهضة تقتات من غباء وحمق خصومها…

نشرت

في

طالبت عديد المرّات بالتعامل ديمقراطيا مع نتائج الانتخابات…وتحميل من يفوز بأغلبية المقاعد مسؤولياتهم كاملة، دون أن نذهب إلى تحالف أو ائتلاف نشرّك فيه الجميع في توافق حاكم، كما نفعل ذلك منذ عشر سنوات ويزيد…فالنهضة لم تحكم إلى يومنا هذا بمفردها أو بالشراكة مع من يشبهها فقط، بل نجحت دائما وطيلة عشر سنوات في توريط من يشاركها الحكم في تحمّل تبعات الفشل، كما نجحت في الخروج بأخفّ الأضرار من كل محاسبة انتخابية بالتنصل من مسؤولياتها وتحميل كل من شاركوها الحكم مسؤولية “الفشل المستدام”…

<strong>محمد الأطرش<strong>

النهضة وإلى يومنا هذا وربما إلى مستقبل قريب قادم ستواصل تقمّص دور “الضحية” وهو الدور الذي أجادته بدقة متناهية لتنقضّ على المشهد السياسي مباشرة بعد 14 جانفي…فالنهضة ومن خلال خطابها “الإعلامي الدرامي” وبمساعدة من اليسار الغبي الذي تكلّف بمهمة ضرب كل خصوم النهضة نيابة عنها، نجحت في حلّ التجمّع دون أن تكون في واجهة الحملة بل تركت أمر القضية لليسار…ومن خلال خطاب اليسار الغبي الذي خرج علينا رافعا شعار “نصب المشانق والسحل وتطهير المؤسسات” نجحت في استقطاب جزء هام من أنصار التجمع وناخبيه،

ومن خلال كل ذلك نجحت في ابعاد اليسار عن المشهد نهائيا…فاليسار اصبح في نظر الجميع سنة 2011 مكونا استئصاليا يبحث عن اجتثاث جزء كبير من مكونات المشهد السياسي وخسر بذلك موقعه الذي كان يمكن أن يكون كبيرا لو لم يمارس “الخطاب الاستئصالي الفاشي” تجاه كل من انتمى للمنظومة السابقة…

واليوم يعيد التاريخ نفسه من خلال ساكن قرطاج فهذا الأخير يقوم صباحا ليتحدث عن النهضة… يلتقي ضيوفه ويتحدث لهم عن النهضة…يخرج في زيارة إلى أحد المقاهي ويروي لهم قصّة النهضة…يزور ليبيا ولا ينسى الحديث عن النهضة…يذهب إلى مصر ليتحدث عن النهضة…يستقبل وزير خارجية مصر ليجعل الحديث مقتصرا على النهضة، وانتصار العاشر من رمضان وكأني به يرمز إلى تاريخ بداية حربه المعلنة على النهضة ومن معها…هكذا يواصل بعضنا اليوم ويعيد نفس الخطأ القديم فالنهضة إلى يومنا هذا تقتات من غباء وحمق البقية، وتواصل لعب دور الضحية، الدور الذي أجادته سابقا ونجحت من خلاله في الاستحواذ على جميع مفاصل الدولة…

هكذا يتواصل المشهد اليوم…فلا تمر ساعة اليوم دون أن تقرأ هنا وهناك…وتسمع هنا وهناك…عن خطر النهضة …وتغوّل النهضة…والغريب أن لا أحد من الذين يصرخون ويرفعون شعارات ضدّ النهضة فكّر في حاله….جميعهم تركوا حالتهم الميؤوس منها…ونسُوا خلافاتهم الوهمية التي صنعوها من فرط حمقهم وجهلهم بحقيقة المشهد…ونسوا تشتتهم…ونسوا ضعف بنيتهم الجماهيرية…وتمسكوا فقط بالحديث يوميا عن النهضة وما تفعله…وما لا تفعله…حتى أصبحت فعلا قوّة تسيطر على كل مفاصل الحياة في البلاد فبقية مكونات المشهد هي التي تكفلت بخدمة النهضة إعلاميا…هؤلاء ومن فرط “خوفهم” من النهضة جعلوها شغلهم الشاغل فلا تمرّ لحظة واحدة دون أن يذكروها بسوء….فكبرت …وكسبت تعاطف كل من لا دور لهم في المشهد الذي نعيشه…يا لغباء بعضنا…ويا لغباء إعلامنا…صنعنا من النهضة غولا…فأكلتنا جميعا …

النهضة تعاملت بذكاء كبير مع حملات الشيطنة التي تستهدفها، واستدرجت الجميع وحوّلت وجهتهم من خلال تجاهلها لهذه الحملات إلى الاكتفاء بشن حروبهم عليها وعدم الاهتمام بمشاغلهم ومشاكلهم…وتطوير آليات عملهم الحزبي…فهؤلاء ومن فرط سذاجتهم السياسية جعلوا شعار “لا للنهضة والإخوان” إستراتيجية مستقبلهم السياسي …هؤلاء نسوا أن الحروب والمعارك السياسية لا تُكسب بالشعارات وبالعواطف وبالأمنيات…ونسوا الاستقطاب والانتشار والبحث عن معالجة مشاكل قواعدهم وأتباعهم…ونسوا وعودهم التنموية والتشغيلية والاقتصادية …ولم يلتفتوا لغير شعارات الشيطنة والهرسلة اليومية لخصم اكتفى بتجاهل ما يفعلون، والتفت إلى بناء قواعده وأتباعه ومستقبله السياسي بطريقة لا تخطر على بال الأغبياء والحمقى من مكونات المشهد…فتحوّل خوف هؤلاء الحمقى من النهضة إلى أسلوب حياة…وأصبحت “فوبيا” النهضة والإسلاميين أزمة حياتية تعانيها كل الأحزاب التي بنت استراتيجية وجودها على رفض النهضة وبعض مكونات المشهد المنافسة…فأصبحت في نظر العارفين بخفايا المشهد أزمة نفسية يقتات منها هؤلاء الحمقى ويتحيّلون بها على قواعدهم….وأصبح من يشتم النهضة ويروج عنها كل موبقات الدنيا مناضلا وجب رفعه على الأعناق…ومن لا يشتمها مناصرا لها ومندسا…يذكّرُني هؤلاء الحمقى بمدمني المخدّرات فهؤلاء يفقدون الشهية في الطعام والأكل، مقابل رغبتهم الجامحة في شمّ مخدّر أدمنوا عليه…فتراهم سعداء بتخريب أجسادهم وبيوتهم وحياتهم …

هكذا هم أحزاب الغباء عندنا اليوم يصنعون ربيع خصومهم من خلال ما يروجونه عنهم وإدمانهم على شيطنتهم …النهضة نجحت في الفوز بأغلب معاركها من خلال استغلال غباء خصومها…ونجحت كما نجحت إسرائيل في محاصرة العرب في زاوية خلافاتهم وحروبهم بين بعضهم البعض…وكما فعلت إسرائيل من خلال استراتيجية “اللامبالاة”…تفعل اليوم النهضة ببقية مكوّنات المشهد بنظرية “اللامبالاة”…وأحزاب البسكويت، أحزابنا المهزومة…وإعلام الصراخ، إعلامنا الموبوء…ونخبتنا الحمقاء والعرجاء فكرا لم تع إلى حدّ الساعة، أن كسب المعارك السياسية مع “العدو” أو المنافس أو الخصم تتطلب عملا عقلانيا ودراسة عميقة لمتطلبات المرحلة وقراءة منطقية للخصوم…وبناء حزبيا حديثا يجعل من حلّ مشاكل الشعب هدفه الأكبر…فالشيطنة لا ترعب الخصوم بل تكسبهم تعاطفا إن كان الخصم عقائديا…و التخويف والترهيب لا يكونان بالشيطنة، بل بالعمل القاعدي والبرامج الواقعية والعقلانية والاقتراب من الشعب…

كما أن كسب المعارك السياسية لا يكون بالأمنيات وبمجرّد رفع الشعارات…فإن لم تعدوا لهم “قوّة” ترهبونهم بها…وإن لم تنشروا “فكرة” تحاربونهم من خلالها…وإن لم تبتكروا “أسلوبا” تربكونهم به…وإن لم تستنبطوا “خديعة” تخادعونهم بها…فإنكم ستخسرون كل معارككم…فالحروب والمعارك السياسية هي معارك طويلة الأمد وقد تحصد معها أجيالا من الكفاءات والنخب …وقد تحصد معها مشاعر الأتباع والقواعد…وقد تسقط أحلام البعض…فنحن من نصنع خصومنا….وخصومنا هم من يصنعوننا …فلا تصنعوا خصوما…ليهزموكم…و يفرغوكم من محتواكم…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version