الهجوم على هيكل: زوبعة في فنجان صغير للقهوة العربية المُرّة (ج 2)
نشرت
قبل 3 سنوات
في
محاكمة هيكل
أما إبراهيم سعدة فقد كانت له وقفات مع هيكل. فقد كتب سلسلة من المقالات يطالب فيها بمحاكمة هيكل وفق اتهامات السادات له بالعمالة. وكتب بالنص: “أن هيكل تعود الكذب والضحك على الذقون. فالكاذب يمكنه أن يكذب مرة أو عشر مرات ثم يفتضح أمره بعدها أما هيكل فإنه من النبوغ لدرجة أنه يكذب وينصب ويضلل ويزيف آلاف المرات ثم يسارع ويغير جلده بسرعه”.
وهناك مقال نشر في الأخبار بتوقيع “الأخبار” تحت عنوان: “أغنى اشتراكي في مصر يهاجم مصر”، وصل الأمر بهذا المقال لمعايرة هيكل بمؤهله الدراسي– دبلوم تجارة متوسطة- وببدايته المتواضعة ماديا ثم وصولا بشقته المطلة على النيل.
فكتب بالنص في المقال: “خريج الجامعة في مصر الذي يحمل شهادة جامعية لا يجد غرفة يعيش فيها لأنه غير اشتراكي. ومحمد حسنين هيكل يسكن في 16 غرفة ولا يحمل شهادة عليا فهو خريج مدرسة التجارة المتوسطة يجد 16 غرفة لأنه اشتراكي ولأنه فيلسوف الاشتراكية”.
ومن المفارقات أن إبراهيم سعدة كان أول صحفي يسارع بعد السماح لهيكل بالكتابة داخل مصر بأن يعرض عليه العودة للكتابة في أخبار اليوم. وبالفعل كانت أول عودة لهيكل لكتابة مقال بصراحة مرة أخرى في أخبار اليوم في فيفري 1986.
لماذا يكتب؟
وفي عام 1977 يعاود موسى صبري الهجوم على هيكل في سلسلة مقالات بعنوان “ماذا يكتب ولماذا؟”. والغريب أن موسى صبري يناقض نفسه لأنه يكتب المقالات عن هيكل ويحث في نفس الوقت على تجاهل ما يكتبه هيكل قائلا: “أعتقد أن تجاهل ما يكتبه محمد حسنين هيكل في ثلاث صحف تصدر في لبنان والكويت والأردن هو الأمر الواجب”.
ثم يعدد موسى صبري أسبابه الوجيهة لتجاهل هيكل الذي لم يستطع هو نفسه أن يتجاهله. بل بعد دعوته للتجاهل كتب مقالا آخر بعنوان “أتحداه أن يرد” والمقال الطبع موجه لهيكل. ولم يكن الهجوم على هيكل في السبعينات مقتصرا على الصحف الكبرى فقط. لكنه امتد إلى الصحف المحدودة الانتشار ومنها جريدة “تعاون الطلبة” التي كان يشرف عليها محمد صبيح ويكتب فيها أيضا الكاتب عباس الأسواني.
بصراحة
وكتب صبيح عام 1975 سلسلة مقالات يهاجم فيها هيكل بضراوة. وكذلك كتب الأسواني سلسلة مقالات في المقامة الأسوانية بعنوان”يزور التاريخ بوقاحة ويدعي كتابته بصراحة”. وعندما جاءت أحداث سبتمبر 1981 كان لهيكل النصيب الأوفر من الهجوم وبطبيعة الحال فتح السادات الباب للهجوم عندما أختص هيكل بأكثر من نصف خطابه يوم 14 سبتمبر 81.
وظهرت مانشيتات الصحف بهذه العناوين المقتطفة من خطاب السادات “هيكل كسب الملايين من صناعته وهي شتيمة مصر والتطاول على النظام– هيكل رجل لا يؤمن بالأديان- هيكل سار في ركاب الفتنة الطائفية– هيكل عميل أمريكي”. ويكتب ثروت أباظة في الأهرام مقالا بعنوان “لا عجب” يقول فيه: “كان هيكل هو البوم المشؤوم والغراب الناعق وزعيم النائحات في أفراحنا الحقيقية. وكان هو سوط سيده وكان مكبر الصوت الذي يعلن عقوباته البعيدة عن كل عدل أو منطق والبعيدة عن كل رحمة أو إنسانية. إننا أمام علامة في فن النفاق خبير لا يشق له غبار في ميدان النفاق…. “.
ويمكن تخيل ما كُتب عن هيكل في تلك الفترة والمقام هنا لا يسمح بذكر كل المقالات التي هاجمته. ولكن الأمر تكرر بعد عامين من حادث المنصة وتحديدا في أفريل 1983 عندما صدرت صحيفة الأهالي وعلى صفحتها الأولى عنوان “الأهالي تنفرد بنشر أحدث كتب محمد حسنين هيكل خريف الغضب”.
وما أن نشرت الأهالي الحلقة الأولى حتى توالى الهجوم. وفي العدد التالي الصادر يوم 20 أفريل كان العنوان الرئيسي “الحكومة تصادر كتاب هيكل عن السادات وتمنع نشره”.
مسؤولية المافيا الساداتية
ويكتب الدكتور عبدالعظيم أنيس مقالا في الأهالي بعنوان “مسؤولية المافيا الساداتية”. يقول فيه: “من الواضح لأي عاقل أن الضجة المفتعلة لم تكن في الأساس احتراما لذكرى من ماتوا كما أدعى عبدالرحمن الشرقاوي وإنما قامت هذه الضجة لأن الكتاب كان إيذانا بكشف الفضائح السياسية لمرحلة كاملة في تاريخ مصر”.
ويكتب صلاح عيسى مقالا بعنوان “رابطة صناع الطغاة” يهاجم فيه من يهاجمون هيكل ويصفهم بأنهم يبشرون بالدعوة لتقديس الحكام وتأليه الرؤساء والقادة. والمثير في قضية منع نشر كتاب «خريف الغضب» هو أن القضاء الإداري قرر عدم قبول الدعوى التي أقامها عدة محامون لوقف قرار وزير الداخلية بمنع جريدة الأهالي من نشر الكتاب وسبب عدم قبول الدعوى هو عدم وجود قرار رسمي من الأساس صدر من أية جهة في الدولة بمنع الكتاب.
ويواجه هيكل زوابع الهجوم عليه وهي الزوابع التي وصفها طيلة حياته بأنها زوبعة في فنجان صغير للقهوة العربية المُرة..