هو في الأصل عنوان لشريط وثائقي فكّرت في إنجازه يوما لتقديم صورة حقيقية عن مدينة سوسة جوهرة الساحل وعاصمة السياحة التونسية وإحدى أجمل المدن… سوسة في نظر البعض أو بالأحرى في الصورة النمطية التي فرضها النظام السياسي هي جوهرة الساحل بمدينتها العتيقة (البلاد العربي) التي لم يبق لها من العربي إلاّ الاسم وشارع بورقيبة والكورنيش والقنطاوي و بورا بورا و هي رمز الساحل التونسي بفريقها المشعّ وطنيا وقاريّا و في أعماق البعض حتّى عالميّا… سوسة هي قبلة الحالمين بحياة هي الأرقى على المستوى الوطني…
هذه سوسة الواجهة… الجينيريك… الومضة الإشهاريّة فماذا عن سوسة الأخرى؟ سوسة حي العوينة وحومة الغاز وحيّ المطار وحومة الصنَبْ (الأصنام) وقشقش والكازمات هل رأيتها يوما صديقي؟
سوسة يتجوّل فيها المواطن يوميّا بين (بيفرلي هيلز و هارليم) رحلة يوميّا صباحا مساء ويوم الأحد وفي لمح البصر… رحلة بين العمارات الشاهقة والنزل الفاخرة، و بين عمارات تتساقط كأوراق الخريف وبنايات متداعية ومهجورة أغلبها !على ملك المستعمر الفرنسي عفوا الحامي الفرنسي أليست “حماية” بلسان قمّة الهرم
…سوسة المحروسة سوسة الزّطلة والحرابش والبراكاجات في وضح النهار… سوسة الكذبة الكبرى التي طال أمدها ولكن سوسة لا تتفرّد بهذا بل هي شقيقة توأم لباقي مدن الجمهورية ولدها نظام دولة الاستقلال مدن الزّيف والماكياج يغيب جمالها مع أول قطرة مطر ويبان قبحها صارخا.
أكذوبة التمييز الإيجابي
قرار أسال الكثير من الحبر وأنتج حوارات تلفزية وإذاعية وشغّل العديد من الكرونيكورات القادمة من غياهب النسيان وقبور الأحياء ليجعل منهم نجوما في ليلنا الدّاحس… القرار في حدّ ذاته ظاهره جنّة وباطنه نار تأتي على الأخضر واليابس وتعمّق الإحساس بالظلم وتشعل نار الفتنة والنعرة الجهوية وفي النهاية يجب أن نعترف أنه من الصعب أن تلتحق أية ولاية من الولايات المهمّشة بشقيقتها من ولايات الشريط الساحلي بين عشية و ضحاها و بمجرد وعد انتخابي … فذلك يتطلّب إرادة سياسية صادقة و تخطيطا و تنفيذا متدرّجا … ولكن في المقابل أن تسقط ما تسمّى بالمناطق المحظوظة في نفس بوتقة التخلّف والتهميش فالأمر أيسر بكثير يكفي أن تواصل الدولة سياسة الضحك على الذقون وتجاهل الواقع … من حق ولايات الجمهورية نمية حقيقيّة كلّ منطقة حسب احتياجاتها وحسب ظروفها الخاصّة و حسب مصادر ثروتها و آفاق مساهمتها في التنمية الشاملة للبلاد… و لكن توقّفوا عن الوعود الزّائفة والحلول الترقيعيّة والمنح الاجتماعية غير المستحقة التي تلهب في روح المواطن الاستكانة والرضوخ والتواكل… طلّقوا فلسفة “الغراسات و البستنة” التي لم تغرس سوى فساد الدولة و فساد المواطن … أعيدوا قدسيّة العمل وكرامة الإنسان فالعمل حرية رأس مالها الكرامة. ادرسوا مناطق البلاد وابحثوا عن كنوزها الخفيّة وأعدّوا برامج ومخطّطات لتنمية حقيقيّة تحترم الإنسان وتشدّه إلى أرضه…
و بالعود إلى سوسة … سوسة المدينة لها وجهان أما سوسة الولاية فلها أوجه عدّة… سوسة الولاية هي أيضا كندار وعين مذاكر والسويّح وسيدي بوعلي والعديد من المدن والقرى المنسية الفقيرة بدورها … التمييز الإيجابي فكرة جيدة في أصلها و مؤقتة في أذهان من ابتكروها عالميّا، و لكنها حين وصلت إلينا أثبتت مرّة أخرى سذاجة مسؤولينا وافتقارهم للنظرة الثاقبة والتفكير العميق وبعد النظر والاحساس بواقع الأمور.
في الختام نحن في دولة تملك العديد من القوى والطّاقات: ثلاث رئاسات ووزراء وولاّة ومعتمدين وبلديّات و…. ولكن سبق أن قلت يوما إن اتحاد الأصفار لا يكوّن رقما.