لا يحتاج المتابع لما يعانيه هذا الشعب المخدوع إلى مخزون كبير من الذكاء ليكتشف أن جميع من يؤثثون المشهد اليوم يتحركون خارج حدود وقواعد اللعبة…فما تسمعونه من صراع …وتطاحن…وتساب …وغيرها من موبقات المشهد السياسي لا علاقة لها بمصلحة البلاد…ولا بشؤون العباد…
إنكم تشاهدون حرب مصالح ومكاسب لا دخل للشعب فيها …بل هي حرب على حساب المواطن…لا تخدمه ولا تخدم الدولة… واقعنا الحزبي اليوم والسياسي عموما لا يبشّر بخير…فجميعنا يغالط جميعنا…وكل المؤشرات تؤكّد أننا لم نقرأ درس السنوات العجاف جيدا…ولأني لم أتعوّد المجاملة ولا الكتابة بمقابل فإني أكاد أجزم أن الدرس القادم سيكون مؤلما إلى درجة لا تطاق…فمن يجلسون اليوم على كراسي الحكم والسلطة لا يعترفون بحقيقة أحجامهم، ولا يأبهون لما قد تؤول إليه الأوضاع غدا بتعنّتهم…
جميعهم اليوم يبحثون عن البقاء أين هم، ولا يهمّهم إن دخل الوطن غدا قسم إنعاش الأوطان وقد لا يخرج منه حيّا… علينا أن نعترف بأننا نسلك طريقا وعرة…وشائكة…وأننا أخطأنا الطريق فعلا….لا أريد أن أكون متشائما…لكن أريد فقط، أن أكون أكثر واقعية من أكثر المتفائلين اليوم…فمستقبل البلاد يمرّ بأسوأ مراحل بنائه وصياغته، وبعضنا يفاخر بأنه يملك البدائل والحلول…
واقعنا السياسي اليوم لا يحتمل المجاملة ولا التشخيص الخاطئ…وقد لا يروق كلامي هذا لمن لا يريد أن يستيقظ من حلم يسعده… ليعلم الجميع اليوم أن الشعب استيقظ من سكرة ما اسماها فقهاء الفوضى بـــ”الديمقراطية” …وليعلم الجميع أن الشعب تأكد أن “الديمقراطية” بمفهومها الفوضوي لن تشبعه من جوع ولن تجد شغلا لابنه العاطل…ولن تصرف له بقية مصاريف ومستلزمات دراسة ابنه الجامعية…ولن تدفع ديون دكان الحي…ولا مصاريف دراسة حفيده….ولا ثمن دواء أمه …
وليعلم الجميع أن الشعب لن يسقط مرّة أخرى في فخّ الابتزاز السياسي…وأنه قد يخرج على الجميع رافضا لما يعيشه وما يعانيه…وليعلم ساسة اليوم أن المكاتب الفاخرة…والبدلات الأنيقة…وربطات العنق لن تشفع لهم ما اقترفوه في حقّ هذا الشعب…وليعلم ساسة اليوم أن خطبهم المحشوة كلاما منمقا ومختارا، لن تمنع عنهم غضب الشعب وعقابه يوم يقرّر الخروج عليهم….
فمن يريد خدمة الشعب فليذهب ليعرف ما يعانيه هذا الشعب…ليس في المدن والأحياء الراقية… سيعرف معاناة الشعب…ويشعر بجوع الشعب…ويكتشف حقيقة ما فعله بهذا الشعب… فليذهب إلى اين يشعر بأوجاع الشعب حقّا …إلى الأحياء…إلى الصحارى…إلى الأزقة الضيّقة…والأنهج القذرة…إلى الأحياء القصديرية…إلى الأحياء الممنوعة…إلى الفقراء…والمساكين…إلى من لا يعرفون صورهم ولا اسما واحدا من أسمائهم….دون ذلك فهم الأخسرون….إلى يوم يبعثون….
والسلام عليكم إن صدّقتم…أم لتعنّتكم تواصلون…فالوطن سيدخل قريبا قسم الإنعاش…وطبيب الإنعاش في الإنعاش….إن كنتم تفقهون…