انتخابات ديسمبر: هل يفوز “دساترة” الصفّ العاشر والنهضة … بالأغلبية؟!
نشرت
قبل سنتين
في
هل أفلست منظومة 25 جويلية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا؟ وهل خاب ظنّ كل من هرولوا نحوها طمعا في قطعة من الكعكة فقرروا الهروب من تبعات الإفلاس والفشل الذي تعيشه هذه المنظومة؟
المتابع لمرحلة الترشيحات للانتخابات التشريعية القادمة يلاحظ عزوفا كبيرا ومعاناة أكبر في جمع التزكيات…والغريب أنك حين تسأل احد العازمين على الترشح تحت يافطة مولاهم وصانع الخامس والعشرين من شهر الاستفتاء تسمع منه كلاما واندفاعا ويقينا بأنه سيفوز وبأغلبية كاسحة منذ الدور الأول، وحين تسأله هل اتممت جمع التزكيات المطلوبة يجيبك بــ”مازال كعبتين والا ثلاثة والله ما نعرفش العدد عند الاولاد”…أغلب من ترشحوا لانتخابات ذكرى حرق السكّير لنفسه لم ينجحوا في جمع المطلوب من التزكيات بسهولة واضطرّ اغلبهم إلى الاستنجاد ببعض السماسرة المحترفين والآكلين من كل الموائد لإتمام قائمة تزكياتهم…ولذلك وقع التمديد في أجل قبول الترشحات للانتخابات ثلاثة أيام أخرى…فكيف لمن عانى من جمع التزكيات ان يجمع حوله عشرات الآلاف من الناخبين؟
هناك حقيقة قد تصدم جميع المتابعين للشأن السياسي بالبلاد، لا غرابة ان نجد غدا مجلسا نيابيا تركيبته إسلامية دستورية من الصفّ الثالث والرابع فكيف سيتعامل “مولانا” مع تركيبة سيعتبرها أتباعه مندسة وغير موالية لصانع تحول الخامس والعشرين من شهر الاستفتاء؟ أم أن هيئة بوعسكر ستقوم بواجب ابعاد كل من لم يعلنوا البيعة علنا لصانع التغيير الثاني بتعلات واهية ودون إثباتات تفرض الإبعاد؟
ونحن نعيش هذه الأجواء من الاستعدادات للانتخابات نسينا وضعنا الاقتصادي وحالنا الاجتماعي…فالبلاد ورغم سياسة “الطمأنة” التي تنتهجها الدولة ممثلة في ساكنة القصبة، في وضع لا تحسد عليه…ولن تخرج منه بالبساطة التي يتصوّرها ساكن قرطاج ويروجها ويسوّق لها وزراء حكومة “العمّة بودن”…في مصر خرج الرئيس السيسي رغم اني لست من المصفقين لما يأتيه…أقول خرج عليهم السيسي على هامش المؤتمر الاقتصادي مصر 2022 ليعترف ويعلنها عاليا دون خجل بأن وضع مصر الاقتصادي وضع سيئ للغاية وينذر بما لا يمكن توقعه ولا يمكن الخروج منه دون تضافر جهود الجميع … هذا المؤتمر تحضره 21 جهة محلية واجنبية ونخبة كبيرة من كبار الاقتصاديين والخبراء المتخصصين والمفكّرين ويهدف الرئيس السيسي إلى إيجاد توافق بين كل المكونات الحاضرة لصياغة خريطة طريق اقتصادية تخرج البلاد مما هي فيه…وفي تونس لا يزال “مولانا” يرفض الخروج للشعب ليقول اننا على قاب خطوة واحدة من الإفلاس …ولكشف حقيقة أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية…
ساكن قرطاج يصرّ على ان اوضاعنا ليست بالسوء الذي يروّج عنه، ويواصل تعنّته في عدم تشريك الخبراء والكفاءات الوطنية التي لا تنتمي لمشروعه، كما يرفض تشريك جميع الأطراف في برنامج وطني شامل للإصلاح… وكأني به يريد تحمّل تبعات كل الفشل الذي تعيشه الدولة لوحده ، وكأني به لا يعلم ان الاستقرار الذي يروّج له اتباعه هو استقرار هشّ واستقرار مغشوش… فساكن قرطاج لم يقدّم إلى يومنا هذا مشروع برنامج إنقاذ وإصلاح للخروج مما نحن فيه، فبرنامج “العمّة بودن” موجّه لصندوق النقد الدولي وليس قابلا للتنفيذ على أرض الواقع وسيصطدم بعراقيل ومطبات لا تحصى ولا تعدّ…
برنامج ساكن قرطاج الوحيد هو كيف يتخلّص من خصومه الواحد تلو الآخر…فمنذ وصوله قرطاج لم يتقدّم بالبلاد خطوة واحدة نحو الانفراج وإصلاح أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، واكتفى بالجانب السياسي من خلال حملة هدم لأغلب المؤسسات التي بنيت قبل مجيئه … والغريب أن هذا الهدم الممنهج لمؤسسات الدولة لم يعقبه إعادة بناء وإعمار، والأغرب من كل ذلك أن ساكن قرطاج بقي وحيدا محاطا ببعض الأحزاب الكرتونية كحركة الشعب وغيرها من الأحزاب التي بنت كل برامجها على إقصاء الخصوم ومعاداتها…فساكن قرطاج لم يعمل على توسيع دائرة أتباعه ومن بايعوه وأنصاره بل عمل منذ يومه الأول بقرطاج على توسيع دائرة معارضيه وخصومه ومن يطالبون بمغادرته كرسي قرطاج… فهل سيكون قادرا ببعض من لم يتركوه طمعا في نصيبهم من كعكة الحكم، على تنفيذ برامجه “المزعومة” والتي لم نقرأ من فصولها فصلا واحدا إلى يومنا هذا؟
النجاح في إدارة شؤون البلاد والدولة وإدارة الأزمة لا يكون بمعاداة الخصوم وتوسيع الهوة بين الدولة والشعب، وهذا ما يقع منذ وصول ساكن قرطاج إلى الحكم … فما فعله ساكن قرطاج لم يجلب للبلاد شيئا غير السقوط السريع واليومي إلى الهاوية…
ساكن القصر لم يقرأ المشهد جيدا ولم ينجح في تشخيص الأوضاع كما يجب أن يكون التشخيص…فلا السياحة عادت إلى سالف مجدها ونشاطها…ولا الفلاحة خرجت من ركودها وانكماشها…ولا الحوض المنجمي عاد إلى سالف قدرته الإنتاجية…ولا الاستثمار وخلق الثروة عادا إلى ما كانا عليه قبل 14 جانفي…كل القطاعات فقدت طاقتها الإنتاجية التي كانت عليها، ولن تعود دون برنامج إعادة هيكلة وإصلاح قادرين على إعادة الروح للطاقة الإنتاجية التي كان عليها الاقتصاد التونسي قبل انتحار البوعزيزي حرقا…
يقول بعض الملاحظين من رجال الإعلام الأجانب عن أوضاع تونس اليوم ان تكلفة 14 جانفي وما تلاها من سنوات تخريب وهدم وفوضى، كانت كارثية على اقتصاد البلاد وأثمرت تبعات لا يمكن التخلّص منها في ظرف زمني وجيز…كما يضيف هؤلاء ان تكلفة 25 جويلية كانت كارثية أيضا وقطعت الطريق أمام إمكانية إصلاح سريعة … فالمشهد السياسي المتشظّي اليوم لا يساعد على توافق سياسي واسع حول برنامج انقاذ وطني…وحسب نفس هؤلاء الملاحظين فإن ساكن قرطاج لن ينجح في درء الأسوأ للبلاد دون أن يعود إلى بقية مكونات المشهد فرُقعة معارضيه توسعت وانحسر عدد مسانديه إلى درجة كبيرة، خاصة أنه لم ينجح إلى يومنا هذا في انجاز منجز واحد لفائدة الشعب، فالأوامر والقوانين لن تنفع الشعب في شيء وهو يشعر بالجوع…وينصح هؤلاء ساكن قرطاج بعودة سريعة إلى حوار وطني واسع وشامل لا يستثني أي مكون من مكونات المشهد، فاستفحال الأزمة قد يهدّد السلم الاجتماعي بالبلاد ومع توسع دائرة المعارضة قد لا ينجح الرئيس في درء ما لا تحمد عقباه…
يذكرني ما تعيشه البلاد اليوم في قصّة مجموعة من القرويين انهمكت في الحفر لبناء معبد جديد … طرح أحدهم سؤالا غريبا: ماذا سنفعل بالتراب الذي أخرجناه من هذه الحفرة بعد أن نبني المعبد؟ وحينها توقف القرويون عن العمل، وبدؤوا في التفكير بجدية في حل لهذه المعضلة المفاجئة. بعد صمت طويل رفع أحدهم صوته قائلا: المسألة سهلة!! نحفر حفرة ثانية ونضع فيها التراب الذي أخرجناه من هذه الحفرة. دوت عاصفة من التصفيق لمقدم الاقتراح، لم تتوقف حتى صاح أحدهم: وماذا سنفعل بالتراب الجديد الذي سنخرجه من الحفرة الثانية؟ أخذ الجميع يفكرون بحيرة في حل لهذه المشكلة الطارئة حتى صاح القروي صاحب الاقتراح الأول قائلا: المسألة سهلة يا جماعة…سنحفر حفرة ثالثة، ونضع فيها تراب الحفرة الأولى والثانية، ولكن يجب أن نتنبه إلى أمر مهم وهو أن يكون حجم الحفرة الجديدة ضعف حجم الحفرة الثانية!! أعجب الجميع بالاقتراح وواصلوا الحفر!!…وأظنّ أنهم إلى يومنا هذا يحفرون…
في تونس اليوم نغطي على الفشل بفشل آخر…وعلى المصيبة بمصيبة أكبر وعلى الأزمة بأزمة اشدّ…وهكذا نحوّل وجهة الشعب عن معاناته …وأوجاعه…وفشل الدولة في إصلاح حاله…خلاصة حالنا…من حفرة إلى أخرى حتى…الحفرة الأخرى…