نما في الخطاب الإعلامي الحزبي الموجّه يومًا بعد يوم صيغ لاتمت للواقع أو الحقيقة بصلة، وإن كانت خيوط الربط إن وجدت فهي واهية أو جزئية وأحيانًا منعدمة، ما يفترض نقدها اورفضها كليًا، لكن المدفعية الاعلامية (بروباغندا) تحولها وكأنها حقائق ثابتة، وليست مفاهيما يحق لنا الاختلاف عليها بسعة ودون شتائم.
نشأت صيغ مثل أن تنظيم “حماس” هو التنظيم الإسلامي حصريًا ما ينزع فورًا -على الصعيد المعنوي والنفسي والإيحائي-صفة الاسلامية عن غيرهما من كافة تنظيمات فلسطين وأطرها المجتمعية، وشعبها المسلم في إرهاب فكري ديني نفسي اعلامي موجه. وكان الربط الحزبي الموجّه والمتكرربين الثلاثي -المتنوع بالحقيقة- وهو غزة (الجغرافيا والشعب، والفكر السياسي…) أي ثلاثة في واحد بمعنى الإيحاء أن”حماس”=”المقاومة” =”غزة”! بعد أن كرست “حماس” في خطابها التعبوي الداخلي سابقًا حصرية “الاسلامية”.
بمعنى آخر فإن تسييس غزة واستخدامها الفجّ عزلها ضمن مربع فصيل سياسي واحد، هو لايمثل بالحقيقة -مع احترامنا له واختلافنا معه- كل مشهد غزة الجغرافيا والشعب والفكر السياسي. المحاولات لا تتوقف عبر مدفعية “الاخوان المسلمين” الاعلامية التحريضية وفي مقدمتها قناة الجزيرة لتكريس هذا التصورالحزبي، والإيحائي الإعلامي الباطل. حين نقول مثلًا: أن فتح لوحدها لاتمثل الوطنية، فإن حماس وحدها لاتمثل الاسلامية، وكذلك الأمر في محاولة احتكار فكرة المقاومة بحماس والجغرافيا.
وعلى ذات الجدار وجب فهم المصطلحات والمفاهيم جيدًا فنُحسن التفريق بين مصطلحات مثل الصمود والثبات وردّ العدوان والنصرأو الانتصار والبطولة ، فلا (نطيش على شبر ماء) ولا تأخذنا العزة بالإثم في إطار تكبير الأدوار وتضخيمها، ومحاولة إسقاط أدوار الآخرين أو إلغائها (تمامًا كما يتم اتهام السلطة بإلغاء أدوار الآخرين). للتأمل دون ردح وشتم: إن كان هدف رد العدوان على غزة هو حماية القدس والأقصى وفيه النصر مثلاً، كما صرح قادة “حماس”، فهذا الهدف لم يتحقق للأسف، لأنه مازال يحتاج لنضال طويل فلا نخدع أنفسنا.
إن ما حصل في غزة في العدوانات المتكررة عام 2004 وعام 2006 ثم فترة العدوانات الاربعة زمن سلطة حماس “ما أسمته هي الحسم العسكري”مثّل صمودا للشعب الفلسطيني كله بغزة بالتأكيد، ومثّل تقدمًا في مستوى القوى لدى الفصائل جميعها، ومثّل مناطحة غير متكافئة بتاتًا مع العدو، وأيضًا كرّس ثباتًا وعزة وكرامة . ولنوضح أكثر فإن مسلسل البطولة والصمود –هكذا اسمه المصطلحي- هو منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965، ومنه الصمود الذي لم يبدأ مع صمود حرب الليطاني 1978 فقط، بل استمر مع الصمود الأسطوري في حرب 1982 في بيروت، وقصف تونس عام 1985.
بل تواصل بصمود مخيم جنين البطل، وصمود قلعة الشقيف …الخ، وصولا لصمود غزة البطلة، وصمود خربة حمصة وسلوان والشيخ جراح وكفر قدوم والنبي صالح، وخربة سوسيا بالخليل، والولجة في بيت لحم …الخ. الصمود أو البطولة أو النجاحات الصغيرة -أو ان سميت انتصارات صغيرة فهي تتراكم وتتكامل مع كافة انتصارات أشكال النضال كلها، لافرق لتحقيق الهدف- تأتي إثر انتهاء العدوان الأخير على غزة بمعنى الصمود والبهجة بعدم الخُسران الكبير للأرواح، وارتفاع الروح المعنوية الهامة جدًا، وبمعنى إرادة المواجهة، وتحصين حقنا العادل في فلسطين، وعودة اللاجئين، وتجذر فكرة النضال والمقاومة والكفاح نعم، في مقابل خسائر باهظة تكبدناها ونتكبدها يوميا في غزة (بالحصار والمقاومة) والقدس والضفة (بالمقاومة الشعبية)، نتحمله، لأنها أي الخسارة من تكاليف أي حرب أوعدوان فاشي علينا.
لذا فلنكن واضحين امام شعبنا أفضل لنا كثيرًا، فلن تصمد مدفعية الإيحاء والتحزب والتحريض الدعائية -حتى لوكانت الجزيرة أو غيرها- في قلب المفاهيم أو خداع الجماهير. النضالية والمقاومة والكفاح درب طويل ومتعرج، ويحتاج طول النفس والكثير من الصمود والثبات والبطولة والانتصارات الجزئية او النجاحات الجزئية، وفي ظل عدم لاتوازن القوى لن يصل خاتمته الا بقيادة موحدة وبرنامج موحد وخيارات موحدة وربما متعددة حسب المرحلة،