كنت أحلم بأن تغيّرنا الظروف وتضطرنا الأزمات…كنت أحلم أن ينتصر تآزرنا وتعاطفنا مع بعضنا البعض على الحقد…كنت أحلم وأتمنى أن يغلب خيرنا شرّنا…كنت أحلم…وكنت أحلم…
لكن بعد كل هذا الذي نشاهده يوميا … بعد كل هذا الخراب الذي نراه يوميا…بعد كل هذا الانهيار القيمي والأخلاقي الذي نعيشه يوميا … لا أمل في أن يتحقق أي حلم من أحلامي ومن أحلام من كانوا يرون في هذه الظروف … في الفقر … في الخصاصة…في المعاناة … وفي الإحباط فرصة للخروج مما نحن فيه … فرصة للانتصار على أحقاد استوطنت صدورنا … فرصة لكي يتصالح بعض الحاضر مع بعض القديم … ويحتضن بعض القديم بعض الحاضر … فرصة ليلتقي القديم والحاضر خدمة لمستقبل أجمل وأفضل … جميعنا اليوم تأبط شرّا بجميعنا … وجميعنا اليوم يُطعنُ ويَطعَنُ من خلف … ألم نكن قبل أن يتآمر الغرب علينا من أجل مصالحهم … ثم بعد أن تآمرنا بعضنا على بعض من أجل كرسي زائل لن يدوم … ألم نكن أقلّ حقدا وأكثر حرية من اليوم …
ألم نكن أكثر عقلا ومنطقا من اليوم، رغم بعض القيود التي نشعر بها…ألم نكن أسعد كثيرا من اليوم رغم الحقد الذي كنا وكان بعضنا يتنفسه…ألم نكن نشعر بالحياة رغم داحس والغبراء…ألم نكن نشعر بجمال الحياة رغم سواد بعض زواياها…ألم نكن نشعر بالأمان رغم الحقد الذي لوّث الزمان والمكان…ألم نكن نلتقي مع من نحب رغم مؤامرات من يكرهنا…ونهرب ممن نكره رغم خوفنا على من نحب…ألم نكن نستمتع ببعض الوقت مع الأصدقاء رغم عيون الأعداء…مع إخوتنا…مع أعدائنا أيضا…ألم نكن نلتقي جميعا حول مائدة واحدة ضاحكين وأحيانا تعساء رغم بعض البكاء…في الخفاء…ألم نكن نجتمع التجمعي مع القومي مع النهضوي مع اليساري المتطرّف…ونضحك…ألم نكن نسعد بلقاء كبارنا…أمهاتنا…جدّاتنا…جارتنا التي تسعد بوجودنا…الحوانتي الذي يستقبلنا سعيدا بما سيكسبه منّا…
كنّا كل ذلك…وأكثر…رغم بعض الحقد الذي كان يملأ المكان…والزمان…ورغم كل السواد وقلّة البياض كنّا اسعد…واليوم ونحن نعيش الأزمة…والفقر وخطر الإفلاس…اليوم وبعضنا يحضن المأساة كل ثانية… اليوم ونحن نلتقي كاليغولا ونيرُون والحجَّاج في كل الوجوه التي تعترضنا…ونلمح هُولاكو وتيمورلنك في كل الوجوه التي تشتمنا…وأبو طاهر القرمطي وستالين في كل الوجوه التي تهدّدنا…في كل الوجوه التي تنفث حقدها على أبناء هذا الشعب…على هذا الزمن على كل من وضع حجرة، أو حتى نصف حجرة في بناء هذا الوطن الجريح المحبط والموجوع بجراح الحقد والكراهية وسهام “الأنا” القاتلة…
اليوم وبعضنا استعاد واستدعى التاريخ في ما قاله لويس الرَّابع عشر حين قال ” أنا الدَّولة ” وألغى الآخر…وكل الآخر…لماذا لم ندرك ولم نتمسّك بجمال الحرية وجمال أن يلتقي بعضنا ببعضنا الآخر ولو كانوا على خلاف واختلاف…لماذا لم نستوعب الدرس…ولم نقرأ اللحظة…لماذا لا نقلب كل الخوف الذي بداخلنا اليوم إلى أمل…لماذا لا نستفيد من الوجع…والرعب…واليأس والإحباط…تعالوا ننْسَ…وننس…وننس…ألم يخلق الله نعمة النسيان…لمثل هذا الزمان….تعالوا نسعد كما كان أهلنا قبل الأحزاب وقبل الكتل…وقبل الدساتير والمراسيم والأوامر…جميعنا اشتاق إلى … “رد بالك على روحك”…وإلى “اشنوة أحوالك اليوم”…وإلى “هاني هوني إذا استحقيت حاجة”…وإلى “إن شاء الله ما يكون باس”…اشتقنا إلى تعبيرة “سلامتك”…وإلى “وينك توحشتك ” …وإلى “ليك وحشة”…