حين اعود الى مدينتي باجة و ارى جبالها وسهولها وحقولها الحبلى بالخير والخمير …اشم شذى اعلامها وتاريخها ..استنشق اريج ابداعات رجالاتها و اهتف يا الهي كيف لمنطقة ان تكون بذلك الاشراق الفني والجمال والابداع عموما.
ثمة مدن نسكنها وثمة مدن تسكننا وباجة روح تسكن عشاقها وتتفنن ككل أم صارمة في معاقبتهم بسوط الحنين الموجع كلما ابتعدوا عن حضنها .. كيف لا وهي التي انجبت الرسام الأسطورة عمار فرحات الذي ينحني الجميع امام لوحاته ودهشتها، وعدنان الشواشي ابن المربي والرياضي عثمان سليل الشاعر علي الشواشي المشهور بهجائه للصادق باي … وزهيرة سالم ومنيرة حمدي رحمهما الله ونورالدين الباجي شحرور الموسيقى التونسية… والاذاعي الاديب محمد مصمولي الذي يعرفه اترابي ببرنامج( ما تقرأه اليوم تسمعه غدا) ..
كما لا ننسى المخرج السينمائي ابراهيم باباي…و اشهر مدير تصوير في تونس والعالم العربي..يوسف بن يوسف (دجو) كما يناديه الاحبة والأصدقاء….ومصطفى كمال الكوندي… ومحمد علي اليوسفي ( روائي) ماذا عساني اقول عن مدينة ابي سعيد الباجي…العربي زروق…علي القلصادي…عمر القلشاني…عبد الله الأبرشي ( شاعر البلاوي)… أليس من حقي ان اعشق مدينتي..
دعنا من الوقوف على الاطلال ولندخل باب زيارتي التي التقيت فيها الأستاذ وليد المسعودي المندوب الجهوي للثقافة وهو خريج كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بتونس ومتحصل على ماجستير في تاريخ العالم والتاريخ المعاصر…انه من المثقفين الذين يعملون بأحلامهم ..يجسدون افكارهم وامانيهم فوق ارض الواقع يشيدون مدائن الابداع بضمائرهم …يساعد الفنانين لتفكيك العراقيل ..الكلمة عنده رسالة سامية ..يكره الشهرة والأضواء، يمارس مهمته كما يمارس التنفس ويحمل تأشيرة حب وصداقة قوية تسمح له بالتجول في القلوب … و أعي بان هذا الكلام يحرجه وانا ابصم عليه وقولوا ما تشاؤون هزان قفة…رميا للورود..وأسألوا مثقفي جندوبة آخر محطة له كيف اقاموا له حفل توديع بعيون باكية.
دخلت عليه فوجدت فوق مكتبه اكواما من الملفات والبرامج لمدينة تزخر بالجمعيات الثقافية والموسيقية والمسرحية ونوادي الفنون التشكيلية وغيرها…كيف لا ومدينة باجة تزخر بكل الوان الابداع و يشهد لها كل متتبع للحركة الثقافية ببلادنا..نذكر منها جمعية النجاح المسرحي الولادة لرجال آمنوا بالعطاء وعشق الخشبة كالمسرحي رشيد الغربي و نورالدين الدريدي والكوميدي رفيق بن عمارة
هنا اقف اجلالا لهذا المسكون بهاجس التمثيل من اخمص القدمين الى اعلى الرأس…انه غطاء جوي من الدعابة والضمار ( الفينو) لنفس ملتحفة بالابداع…و ألعن الزمن الذي حرمنا من هذا الممثل في اعمالنا الدرامية… رحمه الله ..بالمناسبة، جمعية النجاح تأسست سنة 1919 اقدم من الترجي والافريقي..وقد عمل بها عمالقة المسرح العربي…وآخرهم الراحلة دلندة عبدو سنة 63…
اما فرقة الحبيب الحداد فهي منارة استثنائية في ساحة الفن الرابع، و تجاوز صيتها حدود الوطن بمهرجان دمشق عند تألقها بمسرحية ( مقامة لم يكتبها البديع ) ..وقد ترأسها عند تأسيسها المربي الفاضل رفيق الحاج قاسم ……