باختصار إلى وزير “اللاشيء” … هذا الوطن أصبح غير صالح للحياة !
نشرت
قبل سنتين
في
خرج علينا وزير التشغيل المكلّف بغير التشغيل نافخا أوداجه وصدره وبعض الأعضاء من جسده يقول ويفاخر بأن نسبة البطالة تراجعت من 18.7% في أكتوبر الماضي إلى 16%… يا سلام يا جهبذ الوزراء وسيّد العارفين والعلماء، أهذا ما جادت به علينا قريحتك ونبوغك يا وزير “الغلبة”؟ ألا تعلم أن مدن الجنوب أصبحت “خالية” من كل حياة…
ألا تعلم أن الشباب هم حياة المدن وحياة الأوطان؟ ألم يعلموك بأن أكثر من عشرة آلاف من العاطلين عن العمل والمسجلين بمصالحكم غير التشغيلية هاجروا في ظرف زمني وجيز لا يفوق الأربعة أشهر…الآلاف من تطاوين…ومن مدنين ومن كل الولايات…تركوا البلاد…هربوا من موت بطيء…إلى غربة هي أقرب إلى الموت…أتدري يا وزير وزارة “اللاّشيء” أن أحياء بكاملها أصبحت خالية من شبابها…من ضجيجها…من عراكها…من غنائها…من أحاديثها…من سهرات شبابها في زوايا الأنهج والشوارع…من فتوّتها…من زغاريد نسوتها في أعراس شبابها…أتدري أم لم يعلموك، أم أنك لا تريد ان تدري؟ فكيف بربّك وصلت إلى هذه الأرقام العرجاء…أم اصبحتم تعوّلون على “الحرقة” وموت شبابنا لخفض نسبة البطالة؟ أأصبحت الحرقة وسيلة للتباهي بنتائج لم تحققوها؟ أهذا ما وعدتم به الشعب يوم جلستم على كراسيكم تبتسمون وتعدّون وصولات البنزين، ومكاسبكم وكم ستوفرون من مرتباتكم كل شهر لسهراتكم وحفلاتكم؟
أتعلم ماذا يعني أن يهجر الشباب هذه الأرض…يعني ان الآلاف من الأمهات فارقت فلذات أكبادها باكية…دامعة…متعبة…مرهقة…قلقة…تركتها تهاجر…تغادر وهي لا تعلم إن ستراها مستقبلا أم لا؟ إن ستسعد بها قريبا أم لا؟ إن ستحضن أحفادها يوما ما أم لا؟ أتدري أن الآلاف ممن غادروا هربا من “جحيم” أكاذيب حكوماتكم قد لا يعودون ليسعدوا بلقاء أمهاتهم او ابائهم، قد يطول بهم الحال خارج الديار دون وثائق تسمح لهم بالعودة إلى أهاليهم…إلى أحضان أمهاتهم …وأنتم تفاخرون بمنجز لم ينجز…منجز لستم قادرين على إنجازه…
يا وزير “اللاّشيء”…لن تحققوا شيئا بما تزعمون…ولن تنجحوا في ترك أثر إيجابي واحد ما لم تلتفتوا حقّا لأوجاع الشعب…أتدري يا وزير “الضحك على الذقون” أن كل عائلة من عائلات تطاوين ومدنين تشتاق إلى أبنائها الذين هاجروا وتركوها…أتدري أن “الغربة مرّة”…موجعة …مؤلمة…أتعلم ماذا يعني أن تترك امرأة فلذة كبدها يغامر بتركها بحرا…بمركب قد يغرق كل لحظة…ويترك وجعا…ودموعا في بيت حزين …أتدري أن أغلب عائلات الجنوب فقدت أحد أبنائها بعد أن قدّمته قربانا لبحر لا يرحم…أتدري حجم معاناة من فقدوا ابنا أو اكثر في بحر لا يشبع من شبابنا…أتدري أم أنك لا تريد ان تدري؟
أتدري أن المقاهي أصبحت خالية…مهجورة… حزينة…اصبحت غريبة…أتدرى أن طعم القهوة فقد نكهته التي نعرفها بغياب شباب المدينة…أتدري أن الأنهج والشوارع والمقاهي والملاعب اشتاقت إلى شبابها…أتدري أن ملاعب الأحياء المعشبة اصطناعيا أصبحت خالية من كل روح بعد أن هجرها الشباب إلى القارة العجوز بعضهم عبر البحر…بعضهم يصل وبعضهم سيصبح طعاما لحوت يأكله أغنياء البلد…ويبكيه أهله…وإخوته…وعائلته…ورفاقه…أتدري يا وزير… أتدري أم لا تريد أن تدري…
أأصبحت “الحرقة” آلية من آليات وزارتكم لخفض نسب البطالة؟ أأصبحتم تسعدون حين تسمعون بقارب من قوارب الموت وصل إلى سواحل لمبيدوزا وغيرها من مرافئ الحياة؟ أتعلم يا وزير “اللاشيء” كم تدفع العائلات من أجل انقاذ أبنائها من موت محقّق هنا على أرض هذا الوطن…فالبطالة موت…واليأس موت…والإحباط عذاب ثم موت…أقول أتعلم كم يدفعون ليصل ابناؤهم إلى أرض بريجيت وفرانسواز وكلوديا …إنهم يدفعون ما تكسبه أنت في خمسة أشهر…اي نعم…أتدري ماذا يعني ذلك…إنهم يدفعون ليتذوقوا وجع الغربة…والبعد…والموت مع تأجيل التنفيذ…يدفعون لإنقاذ أبنائهم…لكنهم يدفعون أيضا ليزيد وجعهم وجعا على وجع…أتدري يا وزير “اللاشيء” أم أنك حقّا لا تدري…
أضيف لأقول أن بعض المتقاعدين…والعديد من الموظفين …والعاملين في العديد من القطاعات خيّروا هم أيضا الهجرة…والهرب بعيدا عن وطن اصبح عنوان الوجع والمعاناة والألم…
خلاصة القول…هذا الوطن أصبح غير صالح للحياة…هذا الوطن يقتل شبابه العاطل مع سابقية الاضمار والترصّد…ويفاخر بخفض نسب البطالة…نعم، هذا الوطن يسجّل تراجعا في نسب العاطلين عن العمل على جماجم من مات منهم…في البحر…ومن احتضن شقراء في باريس من أجل وثيقة الحياة والبقاء …ومن تنتظر أمه خبرا يؤكّد لها أنه لا يزال على قيد الحياة…