قال الأوّل: لي تهديدات جادة بالقتل و لا بدّ من تعزيز حمايتي المعززة أصلا … و عندما تحاول تبيان مصدر الصوت لا تتمكن من ذلك و أربع خزائن بشرية تحجب عنك رؤية المستغيث … نعم … رئيس برلماننا هو الشخص الأكثف حراسة في تونس و منذ سنين طويلة … و زاد على ذلك بفصيل من مفتولي العضلات يحيطون به سدّا منيعا حتى في مكتب المجلس … و ها هو مع ذلك يخاف أكثر و يطلب مزيدا من الخفارة …
قال الثاني: إنهم يسافرون سرّا إلى الخارج و يخططون لاغتيالي … لم نلحظ ذلك صراحة و علام يغتالونك يا فخامة، اللهمّ لتكبيدنا مصاريف انتخابات سابقة لأوانها و تنصيب هرهارة خُطب مثلك فمن الخاسر؟ … علما بأنه لمجرد أن مواطنا ناقشك ببعض جرأة في أحد الجوامع ذات مرة، حتى هجم عليه حرسك هجوم الراجمات فأكل ما أكل … و علما أيضا بأنك أنت الذي سننت تردادك على تلك الأماكن و فتحت باب الحديث السياسي فيها اقتداء بالأوّلين … و لا يذكر المؤرخون أن الفاروق مثلا كان له جوق جمهوري مدجج يجلد من يجادل خليفة المؤمنين … و لكن سيذكر الرواة أنك تعلق لافتة عمر، و تبيع سلعة عيدي أمين دادا …
أما الثالث فقد بقيت ولاية بنعروس أسبوعا بحاله تعدّ و تستعدّ بكل ما أوتيت، بعد أن أعلموها بأن رئيس الحكومة سيزور أحد معاهدها يوم أوّل الباكالوريا … مع ما في ذلك من تنسيق مشدّد مع الأمن الخاص برئاسة الحكومة و وزارة الداخلية (و هما ـ كما نعلم ـ اثنان في واحد بلغة الإعلانات)، و هناك حتى من أخلى شققا متاخمة و أغلق شوارع عن الداخلين و الخارجين … و لكن في اللحظة الصفر يتغيّر المسار، فإذا بذي الوزارتيْن يجنح بموكبه نحو ولاية منّوبة، و تحديدا إلى معهد المرناقية … و هذا ما لم يكن يفعله سوى ياسر عرفات الذي كان لا يبيت في مكان واحد ليلتين متتاليتين و لسبب مفهوم: فأبو عمّار كانت رأسه مطلوبة من أكثر من جهة، و احتياطه كان واجب حياة أو موت … فهل أنت أيضا تلاحقك أجهزة الموساد و الشاباك و مجموعة أبو نضال؟؟
هذا فضلا عن طوائف من الساسة و النقابيين و الإعلاميين و لا أدري من، ممن لا يسيرون اليوم إلا بمرافقة أمنية قد تكبر و قد تصغر … كل هذا تتحمله طبعا المؤسسة الأمنية رجالا و عتادا و نفقات، في حين أن آخر اغتيال سياسي في بلادنا يعود إلى 25 جويلية 2013 و كان ضحيته النائب الشهيد محمد البراهمي … و كلنا نذكر أن ذلك تمّ بعلم المؤسسة الأمنية و بتجاهل من رئيس حكومة سابق يتشاور معه اليوم قيس سعيد في مستقبل أفضل لتونس …
و أنت ترى هذا الخوف ـ الحقيقي أو المفتعل ـ لرؤوس البلاد، تتساءل هل هؤلاء جاؤوا لحمايتنا أم للاحتماء بنا؟ و هل لحلّ معضلاتنا الاقتصادية و الاجتماعية أم لحلّ مشاكلهم هم؟ و ثالثا و أهمّ: إذا كانت كل هذه الجيوش من الحراسات منشغلة بسلامة هذا الشخص أو ذاك، فمن ـ بتعبير عادل إمام ـ سيرابط في الجبهة؟