جور نار

بالأمس كان اسمها سعاد … واليوم اسمها نورهان !

نشرت

في

Ouvrir la photo

السّادسة و النّصف مساء أو بعدها بقليل … لم يبق سوى ربع ساعة على توقيت الإفطار … رأيتها تدفع عربتها و تنحني لتلتقط إحدى القوارير البلاستيكية و بجانبها ابنتها الصّغيرة …

<strong>عبير عميش<strong>

توقّفتُ و نزلتُ، لأسلّمها من سيارتي مجموعة من القوارير الفارغة  و دفعني الفضول إلى الحديث معها فسألتها عن سبب وجودها بالشّارع و عملها حتّى هذا الوقت خاصّة و نحن في شهر رمضان و كان يجدر بها في مثل ذاك التوقيت أن تكون بصدد الاستعداد للإفطار، فقالت: ” رمضان عندي و عند اللي كيفي لا يختلف عن غيره من الشّهور .. يلزمني نخدم باش نصرف على روحي و على بنتي .. ” عرفت أنّها أصيلة إحدى المناطق الدّاخلية و أنّها من أسرة كبيرة غير أنّ والدها قبل وفاته سجّل ما يملكه من أراض شاسعة باسم إخوتها الذكور و حرمها و شقيقتها من الإرث … أمّا زوجها فهو كما تقول ” قلبه بارد” و لا يعمّر في أية مهنة يمتهنها ويرفض العمل في شهر رمضان و يقضي نهاره نائما في البيت و يمضي لياليه في المقهى المجاور، و هي مضطرّة للإنفاق على البيت و على زوجها الذي لا يفكّر إلا في نفسه و في ملذّاته

تركتها و أنا أفكّر فيها و في مثيلاتها ممّن قست عليهنّ ظروف الحياة و سلبهنّ  المجتمع و العادات و التقاليد حقوقهنّ و حرمهنّ الواقع الرّاحة و الطمأنينة

في نفس الليلة تداول روّاد الفايسبوك خبر مقتل الضحيّة سعاد الصويدي خنقا على يد زوجها في القيروان

سعاد، ليست الضّحيّة الأولى و لن تكون الأخيرة مادمنا في مجتمع يعطي الأولويّة للرّجل و يجعله يتحكّم برقاب “حريمه” أمّه و ابنته و أخته و زوجته و حتّى صديقته  ..

سعاد، ليست الضّحيّة الأولى و لن تكون الأخيرة مادامت حقوق المرأة مجرّد شعارات نتشدّق بها منذ عقود في هذا البلد و مادام عيد المرأة مجرّد احتفالات فلكلوريّة تتجدّد كل سنة دون أن يصاحبها تغيير في مستوى السّلوك والعقليات ..

سعاد، ليست الضحيّة الأولى و لن تكون الأخيرة في مجتمع تنعدم فيه المساواة الحقيقيّة و تعشّش روح الجاهليّة و التعصّب لدى أغلب فئاته و يعيش أفراده  ازدواجيّة غريبة بين الظاهر و الباطن ..

سعاد، ليست الضحيّة الأولى و لن تكون الأخيرة مادام المجتمع يجد للأزواج القاتلين التّبريرات و مادامت الشتائم و الاتهامات تنصبّ على القتيلات دون مراعاة للكرامة الإنسانيّة  فالنّساء سبب كلّ الآثام و أصل كلّ الشّرور ..

سعاد، ليست الضّحيّة الأولى و لن تكون الأخيرة في مجتمع يعاني أغلب أفراده من الاضطهاد و يتسلّط فيه القويّ على الضعيف الذي يتسلّط بدوره على من هو أضعف منه  ليتحوّل كلّ فرد من ضحيّة إلى جلاّد، و يضطهِد فيه المُضطَهَدُ من هو أضعف منه و هل أضعف من المرأة في مجتمعنا الذّكوريّ  ؟؟

سعاد، ليست الضحيّة الأولى و لن تكون الأخيرة في بلد تؤكد الإحصائيات الرسمية فيه أن حوالي 75% من إجمالي حالات العنف المسلط ضدّ المرأة صادرة عن عنف زوجي، في بلد سجّل 15 جريمة قتل للزوجات سنة 2022 وحدها ..

سعاد ، ليست الضحيّة الأولى و لن تكون الأخيرة في دولة لم تضع استراتيجيات و خططا لحماية النّساء و لم تفعّل القانون 58 لسنة 2017  و لم تعمل على اتباع مقاربة شاملة تدمج الجوانب الثقافيّة و التربويّة و الحقوقيّة للقضاء على أشكال العنف القائم على  التّمييز بين الجنسين …

خبر مقتل سعاد ذكّرني في قوله تعالى  في سورة التّكوير :” وإذا الموءُودةُ سُئلت   بأي ذنبٍ قُتِلَتْ ”   فلا فرق بين وأد البنات في الجاهليّة و قتلهنّ مادّيا و معنويّا في مجتمعاتنا التي مازالت ترتدي روح الجاهليّة  و تلبس قشرة الحضارة  ..

خبر مقتل سعاد ذكّرني كذلك في كتابات و أقوال مجموعة من المدافعين و المدافعات عن حقوق المرأة و م بينهم الفنّانة و الكاتبة العراقية عفيفة العيبي التي تقول : ” أنا لا أؤمن بكل ما ذكر في الكتب الدينية حتى ولو كان صحيحاً فما يناسب المرأة في العصور الغابرة لا يناسب المرأة في هذا العصر، وأنا أقولها بملء فمي أنا لست ناقصة عقل كما ذكر في الحديث ولست عورة كما ذكر في حديث آخر ولست نجسة كالكلب الأسود ولا حتى الأبيض ولا أرضى أن يقال بأن ديتي في حالة قتلي نصف دية الرجل فأنا لست أقل أهمية من الرجل ولست نجسه حتى أنني أنقض وضوء الرجل بمجرد الملامسة ولست بلا إحساس لأبقى أربعة أشهر وعشرة أيام في المنزل حداداً على رجل قد يكون أذاقني الأمرّين في حياته ولن أرضى أن أحبس في المنزل حتى لا يفتن بي رجل مّا، ولن أرضى أن أغطي وجهي وكأنني أخجل منه ولست ضلعاً أعوج ولا قارورة ولا أرضى أن يتم قرني بالدابة..  

“ولماذا أصوم وأصلي وأحج وأعمل العبادات وحينما أموت وزوجي غير راض عني أدخل النا، ولماذا تقوم الملائكة بلعني حينما أرفض طلب زوجي في الفراش وحينما أقوم أنا بطلبه ويرفض فليس عليه شيء ولن تغضب عليه الملائكة، ولماذا حينما يُتوفى والدي – شفاه الله – أعطى نصف ما يعطى أخي من الإرث بالرغم من أنه عاش حياته منذ تخرجه من الثانوي لنفسه وتزوج أمريكية وعاش في ديارها ولا يسأل عن والده إلا نادرا، وأنا من قمت بخدمة والدي أثناء مرضه وكنت أسهر الليالي بجانبه وصرفت عليه وعلى علاجه من مالي وأجلت زواجي وعطلت الكثير من أمور حياتي ومع هذا فأنا بحاجة للمال وأخي غني جدا،  ولن أرضى أن أكون مجرد جارية ضمن أربع جوارٍ يأتيني الرجل ستّ مرات في الشهر وكأنه متفضّل علي بهذه المرات الست، ولن أرضى أن يضربني زوجي حتى ولو بمسواك بحجة إنني امرأة ومن حق الرجل أن يؤدب امرأته ولن اقبل أن يرفض زوجي مساعدتي مالياً لعلاجي حينما أمرض بحجة أنه ليس من واجبه شرعاً علاجي أو شراء كفني بعد مماتي، ولا أرضى أن يكذب علي زوجي لأن الكذب على الزوجة يجوز شرعاً،

“يؤسفني أن المرأة ليس لها الحق في تقرير مصيرها فيستطيع الزوج تطليقها متى ما شاء وإعادتها متى ما شاء وكأنها نعجة يقودها كما يشاء ويبيعها متى ما شاء ويؤسفني أن الزوجة حينما تريد الطلاق يقال لها ردي له مهره حتى لو كان قد مر على زواجها ستون سنة، ويؤسفني أن المرأة تعطى مهراً عند الزواج وكأنها بضاعة تشترى بمقابل،  لا أرضى أن يعتبرني احدهم ابتلاء ابتلى به الله والدي الذي سيدخل الجنة إن صبر على بلواه أي أنا وأخواتي البنات، ولماذا أطرد من رحمة الله بمجرد أنني نتفت إحدى شعرات حاجبي أو لبست الباروكة، ولماذا لا تدخل الملائكة المنزل وأنا كاشفة لشعري، ولماذا حينما يغيب عني زوجي ولا اعرف عنه شيئاً يجب أن انتظره أربع سنوات قبل أن يطلقني القاضي، ولماذا مع كل هذا الاحتقار للمرأة والإنقاص من آدميتها وتفضيل الرجل عليها واعتباره أكفأ وأعقل وأعلى منها بدرجة وهو الوصي عليها والمسؤول عنها إلا أنها حينما تخطيء فهي تأخذ نفس عقوبة الرجل ومع هذا (هنّ أكثر أهل النار) … “

و أنا أضع اللّمسات الأخيرة على المقال طالعني خبر مقتل زوجة أخرى على يد زوجها بالمنزه السّادس في العاصمة  فلم تعد سعاد الضحيّة الأخيرة فعلا …

بالأمس كان اسمها سعاد و اليوم اسمها نورهان …

سعاد الصويدي قتلت خنقا و نورهان الدريدي قتلت طعنا بسكّين و قبلهما  قُتِلت وفاء السبيعي حرقا وقُتِلت رفقة الشارني رميا بالرّصاص .. و قبلهنّ كثيرات و كثيرات .. و غدا على من سيكون الدّور؟؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version