تابعنا على

جور نار

بطاقة إيداع في شعب مغلوب بأمره … على أمره …

نشرت

في

بعد أن فعلها مولانا وأصبح قاضي قضاة الأرض…وبعد أن أصبح إعفاء القضاة وطردهم من مشمولات مولانا…هل يحق لي أنا المواطن الذي لا ابحث عن كرسي ولا عن موقع بين الأمراء والاسياد…أنا الذي لا يملك شيئا على هذه الأرض غير ملابسه…أنا الذي لا يملك غير قلمه وكرامته … ووضوح رؤيته… وصدق نواياه…

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
<strong>محمد الأطرش<strong>

هل يحق لي أن أسأل مولانا وتاج رأسنا، كم من وعد أنجزناه بما اتاه… وكم من جائع أطعمناه …وفقير أنجدناه… وغريق أنقذناه… ومريض عالجناه… وسائل اعطيناه…ومشروع أتممناه…ودين دفعناه……وكم من مظلوم سيلتقيه يوم الحساب…وكم من طالب حقّ منه سيطالبه بحقّه من قاضي السماء…هل يحقّ لي أن اسأل مولانا أمير المؤمنين والصالحين والوطنيين والشرفاء، كيف تقضي بين الناس وعلى الناس بمجرّد شبهة أو سطر في “موقع فايسبوكي” وهم من كل ما قيل عنهم وما كتب عنهم وفيهم، أبرياء حتى اشعار آخر…فهل من أجل الظلم انتخبناك…هل من أجل تصفية الحسابات انتخبناك…هل من أجل الانتقام لبعضهم انتخبناك…فكم من مشكلة من مشكلات البلد تمّ حلّها بعد أن أعلن مولانا في مرسوم “أميري” عن إعفاء سبع وخمسين من القضاة؟

 هل فكّر حقّا مولانا في ماذا سيقوله يوم نُساق جميعا في حالة تقديم أمام قاضي السماء وهو الذي أصبح اليوم وبالأمس قاضي الأرض وقلم الادعاء، فقاضي السماء ليس في حاجة لإصدار بطاقة جلب أو بطاقة إيداع فكلنا في حالة إيداع حتى يحكم بيننا قاضي السماء…ماذا سيقوله للفقراء حين يطالبونه بحقّهم…وما فعله من أجلهم وهو الذي نادى طويلا باحتياجاتهم قولا ليس فعلا…ماذا سيقول للمستضعفين في الأرض الذين بحثوا في عهده عن طريق للخلاص من قبضة الجوع والخصاصة والحاجة…وماذا سيقول لمن سلبهم غيرهم ما كان لهم في عهده، ألم يعدهم السلطان بالعدل والكرامة وإعادة الحقوق لأصحابها…ماذا سيقول لمن مرضوا ولم يجدوا دواء ولا علاجا…وإذا وجدوه لا يجدون ثمنه…وإذا وجدوا ثمنه فبالتوسل والسؤال…ليعيشوا ذلّ المنّ وذلّ السؤال…ماذا سيقول لمن غرقوا في المتوسط هربا من الخصاصة والجوع والإحباط الذي في عهده عشناه…ماذا سيقول لمن كانوا ينتظرون منه رفعا لمظلمة ولم يجدوه…

ماذا سيقول لمن ظلمهم من القضاة يوم يقفون أمام قاضي السماء يطالبون بحقّهم من قاضي الأرض…ماذا سيقول لأبناء القضاة الذين ظلموا…ماذا يقول لمن انتحر من أبناء وبنات القضاة هربا مما يقال عن والدهم أو أمهم…ماذا سيقول لمن فقد عقله منهم بما حلّ بوالده أو والدته…ماذا سيقول لمن عانى هتك عرضه وتهكم واستهزاء رفاقه في الدراسة من أبناء القضاة المعزولين…ماذا سيقول للقاضيات اللواتي اتهمن بالزنا وهن منه أبرياء يوم الحساب…ماذا سيقول لأبناء من اتهمن بالزنا بعد أن سجنوا انفسهم داخل غرفهم خوفا من كلام الناس وشماتة الأصدقاء والاعداء…هل يعلم حجم الوجع والألم والعار الذي لحق بهم وأمهاتهم منه ومما اتهمن به أبرياء…ألم يأمر الله بالستر على النساء…ماذا سيقول لقاضي السماء حين يطالبه من نعتوا بالفساد ومن اتهموا بتهم لا صلة لهم بها…ماذا سيقول لمن هتك عرضهم وشوهت صورتهم أمام كل الناس فقط لأنه عزلهم بشبهة لا شيء أكّدها…ماذا سيقول لمن عاقبهم أتباعه ومن هم حوله وأفسدوا حياتهم فقط لأنهم يعارضون مشروعه ولا يقبلون به سلطانا…

ماذا سيقول غدا يوم نلتقي جميعنا بقاضي السماء عن كل ما قاله وصرخ به في خطبه …عن الظلم…عن المظلومين…وعن الفقراء والمحتاجين…ماذا سيقول لقاضي السماء عن وعده بالعدل…ووعده بمحاربة الظلم…ألم يقل طويلا إن السلطة التي تحكم بنفسها هي الأكثر ظلما…فكيف يحكم اليوم بنفسه…ألم يقل طويلا إن السلطة الأكثر ظلما هي تلك التي تسوس بقانونها وتشرّع بهواها وتكتب فصول دستورها على مقاسها ألا يفعل ذلك اليوم؟ ألم يقل طويلا إنه جاء ليمنع التمادي في الظلم…ومحاربة الظالمين…ألم يقل طويلا إنه جاء ليضرب على يد الظالم ويأخذ حقّ المظلوم…ألم يقل ما يشبه قول عمر إنه لن ينام وبين شعبه جائع… وبين رعيته فقير ومحتاجٌ…فإن اعتبر نفسه رئيسا فنحن شعبه…وإن حسب نفسه سلطانا فنحن رعيته…فهل بمثل هذا تعامل الرعية من سلطانها ويعامل الشعب من رئيسه؟؟

ماذا سيقول وهو الذي أوهمنا جميعا بأنه شديد الايمان بالنظريات الحديثة للحكم…وأوحى لنا من خلال ما يقوله في خطبه بأنه يعي جيّدا أفكار مونتسكيو وجان جاك روسو …ماذا سيقول لنا وهو الذي يقول إنه يؤمن بالمفاهيم الانسانية لابن خلدون…ماذا سيقول وهو الذي تحدث طويلا عن الحكم الرشيد والعدل بين الناس…ماذا سيقول وهو الذي أقضّ مضاجعنا طويلا بخطاب منتصف الليل الحامل لشعارات لم نر منها شيئا إلى يومنا هذا…ماذا سيقول وهو الذي يصرّ دائما في خطبه على حقوق المواطن…وحريته…وكرامته…

هل جاءنا مولانا حاقدا على كل من حكموا قبله وقواعدهم وأتباعهم ومؤسساتهم وما تركوه وما أنجزوه وما حققوه…فهل سيلغي كل من جلسوا على كرسي قبله حتى وإن كان الكرسي لحاجب او لموظف بسيط… وهل سيهدم كل البناء حتى وإن كان قن دجاج…هل سيقدر على بناء دولة وأمة على مقاسه ومقاس ما يريده من أغدقوا عليه بالزغاريد والتصفيق والهتاف ومن أوسعوه ثناء وتملقا ونفاقا… واسمعوه مدحا وشكرا وغناء…ألا يمكن أن تكون المصالحة الشاملة هي الأنسب لهذه الأمة التي تعيش وجعا لم تعرفه منذ ثلاثة آلاف سنة…ألا يجب ان نضع الحقد والكره والانتقام والثأر جانبا ونبدأ من جديد دون أحقاد…فالحاقد لا ينصف بل ينحاز ويظلم…والحاقد لا يبحث عن الحقيقة بل يبحث عن عثرات الآخرين…

مولانا يحكم بالسماع…وبالرؤية…وحسب النشرات الجوية لمريديه وما يقولون…ويزعمون…ويروّجون…وبما يقوله أتباعه وما تكتبه قواعده…مولانا لم يلتفت يوما إلى مشاغلنا الحقيقية بل اكتفى بمعالجة كل شؤون حكمه والتأسيس والتأثيث لولايته الثانية التي يريد أن يحكمها سلطانا لا رئيسا…أسَأل مولانا…أقرَأَ مولانا قصّة طعن نجيب محفوظ رحمه الله في عنقه سنة 1995 من قبل شاب اتهمه بالكفر والخروج عن الملّة بسبب روايته “أولاد حارتنا” الرواية التي منعت من الطبع في مصر من شيوخ الأزهر، بعد محاولة القتل رقد نجيب محفوظ فترة طويلة في المستشفى حتى تماثل للشفاء، وأُعدم الشابان المشتركان في محاولة الاغتيال رغم رغبة محفوظ في عدم اعدامهما وتأكيده على أنه غير حاقد عليهما….وأثناء محاكمة من حاول اغتياله سأل القاضي الرجل الذي طعنه: لماذا طعنته…؟! فأجاب: لأنه كافر وخارج عن الملة…!! فسأله القاضي: كيف عرفت…؟! فرد قائلاً: من رواية “أولاد حارتنا” …!! فسأل القاضي بدوره: هل قرأت “أولاد حارتنا” …؟! فأجاب المجرم: لا…!! وأنت مولانا هل قرأت ما يفيد ثبوت كل التهم التي وجهتها للقضاة المعزولين أم قرأت فقط ما كتبه أتباعك على حساباتهم “الفايسبوكية” وما كتبه الوشاة من تقارير لا أحد يؤكّد صحتها من عدمها قبل بحث دقيق من أهل الاختصاص؟؟ فهل بما فعلته مع القضاء أصبح شعبك مشبوها…وجب إصدار بطاقة إيداع فيه؟؟

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 69

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

وكان ايقاف الكوكتيل في اكتوبر 1982… وكان عليّ ان اقوم بعمل ما… ليس من طباعي ان ارضى بالقرارات التعسّفية وخاصّة تلك التي اشتمّ من ورائها مؤامرة …

عبد الكريم قطاطة

كان لي يقين بأن المدير بالنيابة انذاك المرحوم محمد الفراتي تصرف تحت نميمة ما… وتأكّد حدسي عندما جاءني الزميل رشيد العيادي بعد اشهر من الايقاف، واسرّ لي وبكلّ حميميّة انّ المرحوم الفراتي خضع لعمليّة ابتزاز من احد النقابيين لا اتقاسم معه بعض المواقف النقابية… انا كنت ومازلت اؤمن بأنّ العمل النقابي على مستوى القيادات العليا انتهى بعد موت حشّاد كعمل نقابي وطني صرف… وانّ كل من جاؤوا بعده كانت اعمالهم تخضع لحسابات سياسية وشخصية ضيّقة… وكنت لا اجد ايّ حرج في الاصداع بهذا الموقف… وبقدر ما كنت اقدّر واحترم صدق نسبة كبيرة من القاعدة النقابية المناضلة بحقّ من اجل مصالح الطبقة الشغيلة، بقدر ما كنت احترز جدا من مواقف الهياكل العليا …

هذه المواقف لم تكن لتُرضي بعض الاطراف النقابية في اذاعة صفاس وكانت ترى في اجهاري بها زعزعة لمكانتها ولنفوذها… خاصّة ان العديدين بدؤوا يحملون نفس مواقفي لذلك كان من صالح هذه الاطراف النقابية ابعاد عبدالكريم مع ضمان فترة علاقة سلمية مع الادارة، وهكذا لا يجوع الذئب ولا يشتكي الراعي …

في الاسبوع الاول لايقاف البرنامج لم اكن اعرف هذه الحقيقة … ولكن مهما كانت الاسباب كان عليّ ان افعل شيئا ما… وقررت ان اكتب واخترت الجريدة الاكثر انتشارا انذاك (“البيان” الاسبوعية) والتي يرأس تحريرها الزميل نجيب الخويلدي وكان المقال الزوبعة “زوبعة باذاعة صفاقس” وبتاريخ 11 اكتوبر 1982 بالصفحة السابعة للجريدة … احتلّ المقال صفحة كاملة من صفحات الجريدة وهو في كلمات مقال موجّه الى المسؤولين عن الاعلام والى القرّاء… فيه تشريح لواقع الاعلام بتونس وفيه حيثيات لما حدث لبرنامج كوكتال من البريد الى الاثير … علما بأني كنت وجهت قبل نشر المقال رسالة الى وزير الاعلام واخرى الى المدير العام لمؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية السيد عبدالعزيز قاسم ولم اتلقّ ايّ ردّ …. علاوة على انّي كنت تنقلت الى رئاسة المؤسسة طمعا في موعد مع الرئيس المدير العام وبتوسّط من مدير الاذاعة الوطنية انذاك المفكّر والاديب والاستاذ الجامعي الصديق رياض المرزوقي، الذي كان وللامانة على قدر كبير من التقدير لي والتعاطف معي …

في الحقيقة كان املي كبيرا في حصول اللقاء مع الرئيس المدير العام السيد عبد العزيز قاسم باعتباره رجل فكر وادب الا انّه رفض رفضا باتا وساطة السيد رياض المرزوقي ورفض وبكلّ حدّة مقابلتي وبالتالي عدت بخّفيّ حنين … لهذه الاسباب وبعد ان استحال عليّ توضيح موقفي ممّا حدث التجأت الى الصحافة المكتوبة (البيان) حتى اُطلع كلّ من يهمّه امر الكوكتيل بما حدث … المقال احدث زلزالا رهيبا نظرا إلى دوزة الجرأة التي جاءت فيه من جهة ونظرا إلى أن ايّ مسؤول في تلك الحقبة (يجنّ جنونو) متى كتبت الصحافة عن خلل ما في مؤسسته …

وكان اوّل ردّ فعل من الادارة العامة ان قرّرت يوم 13 اكتوبر وبمكتوب رسمي اعادتي الى خطّتي كمركّب افلام بالتلفزة التونسية… اي انهاء علاقتي باذاعة صفاقس… يوم تسلّمي المكتوب الرسمي لنقلتي كتبت لرئيس المؤسسة ردّا اعلمته فيه برفضي المطلق لقراره الذي اعتبرته جائرا في حقّي لانه لم يمكّني من سماع موقفي… ردّي كان مرفوقا برخصة مرض من احد الاطباء المختصيّن في الامراض النفسية كما يفعل العديد منّا اتقاء لفحص مضاد من طبيب المؤسسة باعتبار انّ المرض النفسي لا يخضع لهذا الإجراء… اضافة لواقعي العائلي الذي يحتّم عليّ البقاء باذاعة صفاقس…

الا انه وككل المديرين الذين يستاؤون من تنطّع بعض المنتمين الى مؤسساتهم (وهكذا هم يرون في من يقول لا)، ردّ عليّ بالمراسلة التالية يوم 18 اكتوبر: (جوابا على مكتوبكم المؤرخ في 16 اكتوبر 1982 المتعلّق برفضكم الالتحاق بعملكم ضمن اسرة التركيب بادارة التلفزة بتونس، اذكّركم بأنكم تشغلون خطّة مركّب وانّ ضرورة العمل تقتضي ان تباشروا مهامّكم الاصلية بقسم التركيب ابتداء من 9 نوفمبر تاريخ انتهاء رخصة المرض التي تحصلتم عليها، وذلك نظرا إلى وفرة العمل بهذا القسم الشيء الذي يستوجب تعزيز الاطار العامل به. اما الاعتذارات التي قدمتوها كتعلّة لبقائكم باذاعة صفاقس فانها غير مقبولة من الوجهة القانونية وانّ القانون الاساسي العام لموظّفي الدولة يفرض عليكم الالتحاق بمقرّ العمل الذي تعيّنه لكم الادارة. لذا فإن عدم مباشرتكم لعملكم بادارة التلفزة في التاريخ المذكور اعلاه يُعتبر رفضا للعمل ويُعرّضكم للعقوبات الادارية الواردة بالقانون الاساسي. الامضاء المدير العام للاذاعة والتلفزة التونسية) وجاء امضاؤه شخصيّا بعيدا عن العنعنة …

هذا الرد وبما فيه من تهديد ووعيد لم يرعبني بتاتا بل زاد في تنطّعي وقررت التصعيد ولكن دون تهوّر… كان عليّ ان اجد حلاّ يقيني شرّ ردود افعال الادارة فقررت ان اطلب رخصة عطلة لمدة سنة دون مقابل… كنت واثقا من انّي ساحصل على الموافقة لأنهم وبكلّ غباء ينظرون الى الامر من زاوية (اعطيوه رخصة بعام نرتاحوا من بلاه)… قلت بكلّ غباء لأنهم لم يتفطّنوا الى امر قانوني هام الا وهو انّه واثناء تلك الرخصة ولمدّة سنة، استطيع ان اكتب ما اشاء دون معاقبتي اداريا لأنه ليس من حقّ مجلس التاديب ان ينعقد لمحاسبة ايّ موظّف وهو في حالة رخصة طويلة دون اجر …اي بما معناه رضينا كطرفين برخصة دون اجر (وكل واحد شيطانو في جيبو)…

ومنذ قبول الادارة بمطلب رخصة دون مقابل لمدّة سنة حدثت اشياء عديدة … اوّل ما حدث تعيين زميلة في توقيت الكوكتيل ليعود برنامج اهداءات كما كان من قبل… هذا أعتبره امرا طبيعيا للغاية اذ لا يمكن لأية اذاعة ان تتوقّف على اسم ما مهما كان حجمه وعليها ان تسدّ الفراغ البرامجي الذي يتركهه في غيابه… لكن غير الطبيعي ان تستهلّ تلك الزميلة في اوّل ظهور لها بمقدّمة من نوع {بداية من اليوم سنقطع مع الميوعة وستتمكن ايّة فتاة من ان تواكب البرنامج مع ابيها والولد مع امّه!!! …اشنوّة يخخي كنت نعمل في بورنوغرافيا في الكوكتيل ؟؟؟… ولأن التاريخ لن يرحم ايّ واحد منّا، تعود نفس الزميلة وقبل خروجها للتقاعد في برنامج ارادت ان تكرّم فيه بعض الزملاء في مسيرتها… تعود لتختارني من ضمن المُكرّمين… هي لم تكتف باختياري كافضل منشّط في تاريخ اذاعة اذاعة صفاقس فقط، بل قالت بالحرف الواحد: عبدالكريم ليس منشطا فقط هو “ربّ” التنشيط !…

من تداعيات مكتوب رئيس المؤسسة الذي حمل كما اسلفت التهديد والوعيد، ان وجد بعض النقابيين الذين قاموا ببيعة وشرية مع المرحوم الفراتي لازاحة عبدالكريم من امام المصدح… وجد بعضهم الفرصة سانحة ليكتب مقالا مطوّلا عن عبدالكريم وعن الكوكتيل متهما اياي ايضا بالتهريج وبجهل مقوّمات العمل الاعلامي الناضج، ومدافعا عن قرار الادارة دفاعا حتى الادارة نفسها لم تقم به… والحال انّ برنامج الكوكتيل احتلّ في نفس تلك السنة المرتبة الاولى لدى المثقفين والطلبة في حين انّ برنامج ذلك المُدّعي لم يحصل الا على المرتبة العاشرة … وهو بكلّ غباء لم يدرك انّ التهمة التي وجّهها اليّ هي موجّهة ضمنيا للطلبة والمثقفين … وهنا لابد من الاشارة الى انّ السنوات التي تلت ازاحت سحب الخلاف الذي بيننا بعد جلسة تحاور وصفاء …

علاقتي بالمستمعين تواصلت من خلال حوارات عديدة اجرتها معي عديد القنوات الاعلامية في الصحافة المكتوبة… كان الجميع يطالب بمشروعية عودة الكوكتيل… الجرائد وخاصة الاسبوعية منها اصبحت منبرا اعلاميا للمستمعين واصبحت العرائض تفد من كل حدب وصوب وتفتّقت قريحة العديد منهم لتحكي عن مواجعها ….اتذكّر جيّدا برقية تعزية من مستمع في 7 ديسمبر 1982 كتب فيها معبّرا عن لوعته لفقدان الكوكتايل (“يا ايّها القاتلون لا اقتل ما تقتلون ولا انا قاتل ما قتلتم لكم ضميركم ولي ضميري اتقدّم لكم باحرّ التعازي بعد ان لفظت انفاسك الاخيرة اذاعتي ولم تحتفلي بعيد ميلادك الحادي والعشرين. لقد فارقت الحياة وانت في ربيع العمر جازى الله من كان سببا في قتلك. رحمك الله رحمة واسعة ورزق كافة مستمعيك واحباءك جميل الصبر والسلوان وانّا لله وانّا اليه لراجعون”) …

اذكر في هذا الباب ايضا رسالة يتيمة اقسم بالله انّها كانت الوحيدة… جاءت من احدهم تحت عنوان “نعم نحن من اوقفنا الكوكتيل” … ولأنه مرّة اخرى التاريخ لا يرحم، جاءني صاحب الرسالة في وسط التسعينات وطلب المعذرة بعد ان اصبح زميلا في اختصاص آخر وقال لي حرفيا: اريدك ان تغفر لي ما كتبت يوما لأنه انذاك كان السبيل الوحيد لديّ لادخل معمعة الانتاج باذاعة صفاقس، وفعلا نجحت خُطتي ودخلت كمكافأة على ذلك المقال الذي كتبته ضدّك … كان يروي لي والدموع في عينيه وبكلّ خجل… ربّتُّ على كتفيه وغفرت له واصبح من اقرب الزملاء اليّ… ان نسيت لا انسى تعاطف العديد من الزملاء باذاعة صفاقس معي، بعضهم كان يكتب باسماء مستعارة في الجرائد، مطالبين بعودتي (ابتسام المكوّر)… البعض الاخر كان يتحاشى محادثتي امام اعين الجواسيس في الادارة حتى لا يناله الطشّ … فكان ياتيني ليلا الى منزلي ليُعبّر لي عن مساندته المعنوية (العين بصيرة واليد قصيرة)…

وبعد ؟؟؟

بعد ذلك كان عليّ ان اجد عملا ولو وقتيا لضمان خبز عائلتي… انا ساكون ولمدّة سنة دون مرتّب وعائل لزوجة وابنة… وهنا لابدّ من الاشادة بما وجدته من زوجتي ومن عائلتي من مؤازرة كاملة دون اي احتراز… لن انسى افضالهم وصبرهم عليّ… ولكن وبعد يا سي عبدالكريم ..؟؟؟ تكبّر راسك اوكي، اما رزق عائلتك ؟؟ حليب بنتك ..؟؟ تذكرون جيدا فيضانات اكتوبر 82 ؟؟؟ حتى سيارتي انذاك تعاطفت مع الوضع وقررت ان تكون لها رخصة طويلة الامد من جرّاء مياه الفيضانات…يعني كيف تمشي تقطّع السلاسل …وصدقا لم اشعر يوما لا بالحاجة ولا بالندم …كنت وساموت مؤمنا بأنّ الاقدار حقيقة ثابتة لا تُجادل …اذ انّه من قال انّي ساصبح يوما ما منشّطا ؟؟؟ صحيح انّي درست العلوم السمعية البصرية في دراستي العليا بفرنسا… صحيح ايضا ان السنة الاولى من الدراسة خُصّصت للجذع المشترك بما في ذلك التنشيط الاذاعي والتقنيات الاذاعية من ضمن ما درست، ولكن الاختصاص كان الاخراج التلفزي …فاذا كانت الاقدار هي التي جعلت منّي منشّطا وبكل فخر واعتزاز لماذا اشتكي من اقدار اخرى لم تعطني ما اردت ؟؟؟ او نغّصت عليّ بعض ردهات السعادة في ما اردت او احببت ..؟؟؟

ولم تطل مدّة البطالة بلا اجر …تحرّك بعضهم وعرض عليّ فكرة ان اهتم بالشؤون الثقافية في كلّية العلوم الاقتصادية والتصرّف بصفاقس …فؤجئت بالعرض ولكن لم يفاجئني صاحبه …هو زوج الزميلة ابتسام، الصديق العزيز جدّا توفيق المكوّر …اعرفه مذ كان تلميذا في التعليم الثانوي نسكن في نفس المنطقة ولكنّه كان انذاك انزوائيا جدا… وعندما توطّدت علاقتي بابتسام توطّدت علاقتي بكلّ عائلتها وخاصّة بوالدها المربّي الفاضل سي عمر رحمه الله وبزوجها خويا التوفيق …هو انسان عملّي لابعد الحدود جدّي في العمل بشكل منقطع النظير، فنان في جلساته مع الاصدقاء، يهوى الموسيقى الراقية والعزف على العود وهو في تلك الفترة يشتغل كاتبا عاما لكلية التصرّف وله علاقة حميمة مع عميدها السيد عباللطيف خماخم …

عرض عليّ الامر ودون تردد وافقت ..وافقت لا لأنني عاطل عن العمل بل لأنّ علاقتي بالصديق التوفيق تريحني للعمل معه …وصدر يوم 23 فيفري 1983 قرار تعييني من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي كمسؤول عن الانشطة الثقافية بكلية العلوم الاقتصادية والتصرّف بصفاقس … وبدات مرحلة مهنية اخرى في حياتي …الم احدّثكم عن الاقدار …حياة الواحد منّا كبحّار يخرج بمركبه الى البحر ويرمي الشباك بحثا عن السمك … هل هناك من يدّعي انّه قادر على معرفة نوع السمك الذي سيصطاده …قد يكون كعيبات صبارص يعملو ستة وستين كيف …قد يكون كعيبات مللو حجر اللي ولّينا نسمعو بيه اكاهو ولسنا من قبيلة هاضاكا … لنجده على طاولتنا … اما الكروفات الروايال هاكي عاد قريب سوم الكيلو يشري مرجع تراب …

فقط كل ما ندعو به الى العزيز الرحمان ان يرأف بذلك البحّار حتى لا يتعرّض في كفاحه اليومي في لجج البحر الى مداهمة قرش، خاصّة ونحن معه نعيش زمن مداهمة القروش من قرطاج الى مونبليزير …

ـ يُتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 68

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

الاشهر الثلاثة الاخيرة من سنة 1982 شهدت اوّل منعرج في حياتي الاذاعية… في البداية كانت هنالك نقاط ضبابية جدا في التعامل مع المدير بالنيابة المرحوم محمد الفراتي…

عبد الكريم قطاطة

احسست بجفاف وبرودة من جانبه على امتداد مدّة لا بأس بها … كنت اظنّ انّ تحوّله من رئاسة مصلحة الاخبار الى مدير بالنيابة، جعله يلبس كسوة الطاووس المزهوّ بالثوب الاداري الجديد خاصّة وهو من الصنف الذي يصعب عليك فكّ شفرات نظراته… اذ قد يبدو سعيدا وهو غير ذلك تماما والعكس صحيح ايضا… وحتى في بعض المناسبات النادرة جدا التي دعاني فيها الى مكتبه كنت افاجأ بحواره معي في شؤونه الخاصّة والتي لا تمت لا للعمل بأية صلة… اذ كان يسألني احيانا عن حيرته في نوعية الغداء التي تؤرّق مضجعه واخرج بيد فارغة واخرى كلّها دهشة…

وللامانة كلّ هذا لا يُنقص من قيمته في شيء كواحد من افضل صحفيي اذاعة صفاقس في فترته …الاّ انّ بعض تصرّفاته كانت تبعث على القلق …ثمّ تجمّدت العلاقة معه بشكل مباشر لتُصبح بالمكاتيب… اتذكّر مرّة انّه سالني بالهاتف عن محتوى حصّتي القادمة من برنامج “كوكتيل” وهو ما لم يحدث اطلاقا مع سلفه المرحوم قاسم المسدّي… وطلب منّي ان يكون الردّ كتابيّا فكتبت له الاتي (وكل الوثائق التي ساعرضها عليكم مازلت احتفظ بنسخ منها)، كتبت له: الموضوع الرئيسي المقترح للحصّة المقبلة سيكون محوره النقل العمومي ومشاكله والهدف منه الاستماع لمشاغل الناس في هذا القطاع الحيوي، واذكّرك انّنا في وسيلتنا الاعلامية اذاعة صفاقس من واجبنا ان نستمع للمواطن ونقول للمحسن احسنت وللمسيء اسأت، واذا يُعاب علينا ان نكون كذلك فذلك شرف لنا، وليعلم كل واحد منّا انّ مسؤوليتنا تاريخية قبل ان تكون وظيفيّة اداريّة ..

كنت مدركا خاصّة بالجملة الاخيرة الواردة في مكتوبي انّي اشير اليه مباشرة بخطابي حتى اوقظ فيه جانب الصحفي المسؤول لا المدير بالنيابة على مقعده الوثير …ولكن يبدو انّ ذلك المقعد الوثير مغر… منذ فتنة عثمان رضي الله عنه هو مغر …ولو ادّى بقاتل أحد المُبشّرين بالجنّة إلى غرس خنجره فيه وهو يصيح (الله اكبر) …وكأنه قتل عدوّ الله … تماما كما يفعل منذ تلك الحادثة كلّ من يتصوّر انّه المهدي المنتظر في زمننا هذا .. رحم الله الامام محمد الغزالي الفقيه المصري في العصر الحديث الذي دعا دعاءه الشهير (اللهم ابعد اهل السياسة عن الدين وابعد اهل الدين عن السياسة) ….

بعد تلك الارساليات فوجئت يوما بنصف ورقة ارسلها اليّ المرحوم الفراتي يقول لي باحرف مبعثرة تشبه جدا روشتة الطبيب في طلاسمها والتي لم استطع فكّ رموزها الاّ بعد الاستعانة بصديق زميل يفهم في الطلاسم… ومفادها هنالك مستمعة اسمها كذا اشتكتك اليّ حيث انّك اهملت رسالتها ولم تردّ عليها … ضحكت صدقا حتى استلقيت على ظهري (ما هذه استلقيت على ظهري ؟؟… هكذا يقولون في القصص عن الامراء والملوك وابو دلامة او جحا يقصّ عليهم النوادر… وهنا لم افهم تماما اللوحة اذ كيف لملك جالس في مجلسه ان يستلقي على ظهره …؟؟ انا ادرك جيدا انّ لهؤلاء بيوت نوم فاخرة متعددة الصفات والمحتويات من القينات والغلمان … ولكن هل وقتها كان الملك (يعمل شاطح باطح) في بيت نومه وبالتحديد على سريره وعمّك جحا يروي نكته وهو راكش يبلع في ريقو .. يغزر وكل شيء فيه حي موش كان عينو حيّة … ساترك الامر للوافدين الجدد على المشهد الاعلامي جماعة شمس الشموسي يتدارسون الامر لأني اقّر بأنهم اكثر اختصاصا وكفاءة منّي .. والله لا يحضّرنا محاضر سوء) ..

اذن تلقّيت الرسالة وكان ردّي في منتهى السخرية… اجبته قائلا: “اوّلا انا لا اعرف هذه المستمعة بتاتا ثمّ وهو الاهم، الكوكتيل ليست له سلّة مهملات” .. اجابني: “انا لم اتحدث عن سلة مهملات تحدثت عن اهمالك لرسالة الصديقة” …شوفو هاكي القضية النووية اللي يحكي عليها مدير مع منتج ؟؟؟ .. ولأنني كنت ومازلت من قبيلة (وإذا عدتم عدنا) كتبت له: “بما انّ البرنامج ليست له سلّة مهملات فضمنيّا ليس هنالك اهمال لأية رسالة “… لم يردّ ولكن بدأت مجموعة من الشكوك تخامرني …اشبيه سي الفراتي هذا …؟؟ يخخي ما رقدش بلقدا قام يتوحّم عليّ؟؟ … للتوضيح انا احكي عمّا وقع في تلك الفترة دون رتوش وللتوثيق فقط لأننا وستكتشفون ذلك علاقتنا انتهت بكثير من الاحترام والتقدير الصادقين …

لم افهم وقتها بالضبط ما يُحاك لي في الخفاء …بل لم اتوقّعه بتاتا …الا انني فوجئت يوم 8 اكتوبر وانا ادخل للاستوديو بالفنّي يقول لي السيّد محمد الفراتي قرّر ايقاف الكوكتيل …حاف … قطّبت حاجبيّ للتعبير عن استغرابي العميق … وسألت الزميل الفنّي … اشنوّة ..؟؟؟ علاش ..؟؟؟ هزّ زميلي كتفيه وقال: ما نعرفش ما عندي حتّى معلومة قالولي قلتلك… خرجت من الاستوديو واتجهت الى مكتب المدير بالنيابة …طلبت من السكرتيرة الزميلة سامية ان تعلم السيد الفراتي بوجودي في مكتبه طالبا مقابلته …كلّمته في الامر ثم اغلقت الهاتف لتبلّغني الآتي: قللك ما انجمش نقابلك عندو ما يعمل …

عندها برز عبدالكريم الخايب للوجود … فتحت بابه دون استئذان ودخلت عليه كان يشرب كأس عصير ويغمس فيه “ڨرن” من البشكوتو… سلّمت عليه بكل هدوء واخبرته بما اخبروني به حول ايقاف الكوكتيل …وسألت: انجم نعرف الاسباب ؟؟… لم يأبه بسؤالي وقال: “انا ما آذنتلكش بالدخول وهذا يتسمّى اقتحام مكتب موظّف اثناء القيام بعمله” … اتّك اتّك شوف هاكي التهمة الخطيرة …نظرت اليه وقلت لشنوة تغطيس الڨرن في الكاس وطرف ما يلحق طرف، من الاعمال الجليلة عندك ..؟؟؟ اجاب من فضلك احترم غيرك … علا صوتي في تلك اللحظة وقلت آمرا ايّاه باصبعي على فمي بما معناه اسكت واستمع اليّ .. نظرت اليه بكل سخرية واستهتار وقلت .ذلك الكرسيّ الذي جلست عليه غرّك كثيرا وتوهّمت نفسك “مدير بالحق” ..ولكن خذه وعدا وعهدا عليّ ستغادر وقريبا ذلك الكرسيّ وساعود الى مصدحي رغم انفك …

لم ينبس ببنت شفة ولا حتّى بربيبتها … وغادرت المكتب والاذاعة الى لست ادري …سرت وحدي شريدا محطّم الخطوات، تهزّني انفاسي تخيفني لفتاتي، بعضي يمزّق بعضي، لست ادري الى اين ..طفت ربما يومها كلّ شوارع صفاقس وكل طرقها وثناياها وكانت عائلتي وكرامة التي لم يتجاوز عمرها بعض الاشهر هي ملاذي … اخبرتهم بالامر ولم اجد منهم جميعا الاّ الدعم غير المشروط وكلّ على طريقته وباسلوبه …

في الغد اتجهت الى الاذاعة لاجد استجوابا اداريا رسميا مرقونا في انتظاري وهذا محتواه (السيد عبدالكريم قطاطة لفت نظري في المدّة الاخيرة انحراف برنامجك “كوكتيل من البريد الى الاثير” عن طابعه التنشيطي التثقيفي الترفيهي وخروجه عنه بتحاليل قضايا سياسية من وجهة نظر تخالف اتجاه البرمجة وسياسة الحكومة، مثل طرق موضوع حول اليهود وفيه اثارة للمشاعر وبث التباغض بين الاجناس، كذلك مثل تعليق على مقابلة رئيستي بريطانيا والهند باسلوب ساخر قدّمت فيه احكاما جملية تقييمية عن سياسات دول العالم الثالث… الامضاء محمد الفراتي مدير اذاعة صفاقس) … يا بوقلب حب يلبّسهالي ولا تقرا لا تكتب هذا اولا، ثم هو مدير بالنيابة اعطاوه الكريّع مدّ ايدو للجديّق ! …

دعوني افسّر لكم ماذا حدث بالضبط في الموضوعين المشار اليهما… اولا بالنسبة لموضوع اليهود قرأت دراسة علمية لتاريخ اليهود منذ القدم دون ايّ تعليق منّي… امّا الموضوع الثاني فقلت فيه استقبلت السيدة انديرا غاندي السيدة مارغريت تاتشر واقامت على شرفها مادبة عشاء… وعلّقت بقولي زعمة مأدبات العشاء والغداء في البلدان الفقيرة موش لو كان وكّلو بيها شعوبهم خير ..؟؟؟… انا واع جدا بأن طرحي ليس بريئا بالمرّة ولكن هذا كان يحدث بشكل دائم في البرنامج مع سلفه المرحوم قاسم المسدّي فما الذي تغيّر ؟؟؟ هل الفراتي اكثر حرصا وكفاءة من سلفه ..يستحيل … خاصّة والمعروف عن المسدّي انّه واحد من جنود النظام وبكل حماسة ..الامر اذن فيه الف واو ..

في نفس اللحظة التي انتهيت فيها من قراءة الاستجواب كتبت له الرد: سيدي (حاف لا اسم ولا صفة ولا مندوب) تحية وبعد (حتى هذي شايحة كما ترون) ردا على ماجاء في مكتوبكم هذا، اعلمكم بأني غير مقتنع بتعليقكم على الموضوعين المشار اليهما حيث انّي اعتبر نفسي المتحدّث عن مشاغل تهم المواطن التونسي بموضوعية تاريخية وعلمية ولا تقبل مجالا للقدح وليس من شانها ان تثير الشغب، حيث يعلم المستمع موقف البرنامج من اليهود ومن الصهيونية… الا انّي اؤكّد لكم انكم ترقبتم الفرصة لإبعادي عن الميكروفون بعد نوايا مبيّتة وهذا من شأنه ان يضرّ بمؤسستنا الاعلامية ويخلق فيها تكتّلات واحلافا كنتم فيها المسؤول بدرجة كبرى… اؤكّد لكم ان كلّ حيثيات وجزئيات ما قمتم به لحدّ الان في هذا المضمار ساُطلع عليها وزير الاعلام والمدير العام لمؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية والرأي العام في رسالة مفتوحة ستُنشر على احدى صفحات الجرائد… وانّني ادين هذا التصرّف من جانبكم الذي اعتبره لامسؤولا من جهة، وتعسفا على حقوق آلاف المستمعين وسيرا ضدّ مسار الجماهير العريضة لهذا البرنامج … للحوار بقية …الإمضاء: عبدالكريم قطاطة …

ذلك كان محتوى الردّ على استجواب محمد الفراتي رحمه الله وغفر له بعد ان غفرت له يوما مّا كل الذي حدث وبشهادة السيد محمد عبدالكافي مدير اذاعة صفاقس… ففي 1987 هذا الاخير دعاني يوما الى مكتبه وقال لي السيد محمد الفراتي يريد ان يجلس اليك ويعتذر لك عما حدث سنة 82… انا من طبعي لم ارفض يوما ايّة يد تمتدّ لي للاعتذار كما لم ولن اتأخر يوما عن تقديم ايّ اعتذار متى اخطأت… لذلك قبلت الطلب وجلس ثلاثتنا… كان المرحوم محمد الفراتي اوّل من تكلّم: شوف خويا عبدالكريم اوّلا انت اذاعي من الطراز الممتاز ومكانك ليس في اذاعة تونسية فحسب بل في ايّة اذاعة عالمية … ثانيا انا جئت الان لاعتذر لك عما صدر منّي…دارو بيّ اولاد الحلال الله لا يسامحهم… وها انا امدّ يدي لاصافحك بكل صدق وارجو ان تغفر لي ماحدث …

نهضت من مقعدي وذهبت اليه عانقته وقبّلته وقلت له اطو الصفحة ليس لي ايّة صغينة احملها تجاهك … وكأنّ القدر كان يناديه …اذ انّه بعد اسبوع من تلك المقابلة تعرّض صحبة الزميل علي الجرّاية الى حادث مرور قاتل رحمهما الله …. نم يا زميلي محمد انا مسامحك دنيا وآخرة …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

“صعيدي” في الألعاب الأولمبية (2)

نشرت

في

عبد القادر المقري:

لطالما كان محصول أبطالنا من ذوي الهمم، في الألعاب الأولمبية وبطولات العالم إلخ، أكبر عددا وعدّة مما جلبه إلينا رياضيونا الأسوياء رغم قيمة ما فعله بعض هؤلاء…

عبد القادر المقري Makri Abdelkader

وهنا يتبادر إلى الذهن أن ذلك قد يفسّر ببعض السهولة في أولمبياد ذوي الاحتياجات الخاصة قياسا إلى الأولمبياد الآخر… ظننّا ذلك وكان الظن إثما، نعم … فألعاب ذوي الإعاقة لم تعد (بل لم تكن يوما) تجمّعا خيريا أو تسلية يوصي بها المرشد الاجتماعي للإحاطة النفسية … أبدا… بل هي مسابقات صارمة القوانين عالية الكفاءة تعتصر من المتسابق آخر رمق من موهبته وجهده وإرادة النصر التي يعمر بها قلبه… زائد فوق ذلك التكوين والإعداد والمعسكرات (كم أكره كلمة “تربصات” الرائجة عندنا بوقاحة) … هم هناك محترفون بأتم معنى الكلمة ويخضعون لتراتيب لا ترحم ولا محاباة فيها ولا صدقة جارية… حديد في حديد يعني، فلنكفّ عن استصغار ما هو كبير وجليل…

ولعمري فإن هذا يجعلنا ننظر بعين مقدّرة إلى إنجازات روعة التليلي ووليد كتيلة وقد أصبح الاثنان بعدُ من أساطيرنا ومن مراجع الرياضة العالمية … ويضاف إليهما شباب آخرون رفعوا رقابنا ورايتنا ونشيدنا كالتيساوي وبوكحيلي وأعتذر لمن لم يحضر الآن على طرف لساني… ننظر بعين الإكبار ونضع تلك الأسماء في مدار أعلام تونس ومفاخرها عبر الدهور… وكنت دائما أضع القمودي والشتالي جنبا إلى جنب مع ابن خلدون وابن منظور والشابي والمعزّ والجنرال حنبعل … وصار حتما علينا أن نضيف للائحة الشرف واحدة كابنة قفصة، هذه الروعة القصيرة جسدا واللامتناهية قيمة وهمّة ومجد ملكات…

بقي في القلب شيء من حتى… من المفروض ونحن من سنوات طويلة نرى رياضيينا البارالمبيين يكتسحون الدنيا بالقليل القليل الذي أخذوه… من المفروض أن ذلك فرصة لنا لكي نراجع سياساتنا سواء في العناية بهذا الصنف من الرياضة والرياضيين، أو بوضعية المعاقين في بلادنا بصورة هامة… لا منّة منا ولا شفقة، بل واجب دستوري لا نستحق دونه لقب دولة… صراحة… في هؤلاء ثروات تهزأ ببترول وغاز وأية سخطة يتعلل بها أي مسؤول ليبرر فقرنا وعجزنا وانبطاحنا “الاضطراري” لصندوق النكد الدولي والاتحاد الأوروبي، وهذه الطليانة التي تهدّ علينا بين الفينة الأخرى لتتفقّد مدى إجادتنا لدور عسّاس الحدود البحرية لبلادها…

معاقونا (وأسمح لنفسي باستعمال المصطلح الحقيقي حتى يأتي ما يخالف) معاقونا، أثبتوا دائما أنهم كنوز حية تكفيها نصف فرصة لصنع العجب… لا في الرياضة فحسب… بل في الإمكان أن يطلع منهم “هاوكينغ” تونسي، وطه حسين تونسي، و”هيلين كيلر” تونسية و”تولوز لوتريك” تونسي إلى آخر القائمة… شرط أن نعطيهم حقهم كبشر وأن نهيّء مؤسساتنا وفضاءنا العام لكي يكون لهم محضنا وحقلا خصبا وحافزا للطاقة…

نفعل ذلك بوعي وصدق وعمل لا يتوقف على مناسبات… لا أن نتذكرهم مرة كل نصف قرن بحميّة مباغتة أقرب إلى البروباغندا أو الموضة الزائلة بعد يومين اثنين… فنصدر كما فعلنا ذات تسعينات منشورا يأمر الإدارات بتخصيص مدرج خاص بالكراسي المتحركة… عاجلا وكما اتفق… فإذا بجميعها تسارع باستدعاء أقرب “بنّاي” وتطلب منه إنجاز مزلق بالإسمنت فوق الدروج الموجودة أو بجانبها أو بأي مكان… المهم تطبيق المنشور إرضاء لسلطة لا يهمها شيء… وقد أعطى ذلك في بعض الأحيان أشكالا سريالية أو زوايا حادة إلى درجة أنه لو استعملها معاق على كرسي، لتطلّب منه ذلك حبالا للتسلق صعودا، أو لانطلقت عجلاته كالسهم إلى عرض الطريق وهو نازل…

أكمل القراءة

صن نار