جور نار

بطاقة إيداع في شعب مغلوب بأمره … على أمره …

نشرت

في

بعد أن فعلها مولانا وأصبح قاضي قضاة الأرض…وبعد أن أصبح إعفاء القضاة وطردهم من مشمولات مولانا…هل يحق لي أنا المواطن الذي لا ابحث عن كرسي ولا عن موقع بين الأمراء والاسياد…أنا الذي لا يملك شيئا على هذه الأرض غير ملابسه…أنا الذي لا يملك غير قلمه وكرامته … ووضوح رؤيته… وصدق نواياه…

<strong>محمد الأطرش<strong>

هل يحق لي أن أسأل مولانا وتاج رأسنا، كم من وعد أنجزناه بما اتاه… وكم من جائع أطعمناه …وفقير أنجدناه… وغريق أنقذناه… ومريض عالجناه… وسائل اعطيناه…ومشروع أتممناه…ودين دفعناه……وكم من مظلوم سيلتقيه يوم الحساب…وكم من طالب حقّ منه سيطالبه بحقّه من قاضي السماء…هل يحقّ لي أن اسأل مولانا أمير المؤمنين والصالحين والوطنيين والشرفاء، كيف تقضي بين الناس وعلى الناس بمجرّد شبهة أو سطر في “موقع فايسبوكي” وهم من كل ما قيل عنهم وما كتب عنهم وفيهم، أبرياء حتى اشعار آخر…فهل من أجل الظلم انتخبناك…هل من أجل تصفية الحسابات انتخبناك…هل من أجل الانتقام لبعضهم انتخبناك…فكم من مشكلة من مشكلات البلد تمّ حلّها بعد أن أعلن مولانا في مرسوم “أميري” عن إعفاء سبع وخمسين من القضاة؟

 هل فكّر حقّا مولانا في ماذا سيقوله يوم نُساق جميعا في حالة تقديم أمام قاضي السماء وهو الذي أصبح اليوم وبالأمس قاضي الأرض وقلم الادعاء، فقاضي السماء ليس في حاجة لإصدار بطاقة جلب أو بطاقة إيداع فكلنا في حالة إيداع حتى يحكم بيننا قاضي السماء…ماذا سيقوله للفقراء حين يطالبونه بحقّهم…وما فعله من أجلهم وهو الذي نادى طويلا باحتياجاتهم قولا ليس فعلا…ماذا سيقول للمستضعفين في الأرض الذين بحثوا في عهده عن طريق للخلاص من قبضة الجوع والخصاصة والحاجة…وماذا سيقول لمن سلبهم غيرهم ما كان لهم في عهده، ألم يعدهم السلطان بالعدل والكرامة وإعادة الحقوق لأصحابها…ماذا سيقول لمن مرضوا ولم يجدوا دواء ولا علاجا…وإذا وجدوه لا يجدون ثمنه…وإذا وجدوا ثمنه فبالتوسل والسؤال…ليعيشوا ذلّ المنّ وذلّ السؤال…ماذا سيقول لمن غرقوا في المتوسط هربا من الخصاصة والجوع والإحباط الذي في عهده عشناه…ماذا سيقول لمن كانوا ينتظرون منه رفعا لمظلمة ولم يجدوه…

ماذا سيقول لمن ظلمهم من القضاة يوم يقفون أمام قاضي السماء يطالبون بحقّهم من قاضي الأرض…ماذا سيقول لأبناء القضاة الذين ظلموا…ماذا يقول لمن انتحر من أبناء وبنات القضاة هربا مما يقال عن والدهم أو أمهم…ماذا سيقول لمن فقد عقله منهم بما حلّ بوالده أو والدته…ماذا سيقول لمن عانى هتك عرضه وتهكم واستهزاء رفاقه في الدراسة من أبناء القضاة المعزولين…ماذا سيقول للقاضيات اللواتي اتهمن بالزنا وهن منه أبرياء يوم الحساب…ماذا سيقول لأبناء من اتهمن بالزنا بعد أن سجنوا انفسهم داخل غرفهم خوفا من كلام الناس وشماتة الأصدقاء والاعداء…هل يعلم حجم الوجع والألم والعار الذي لحق بهم وأمهاتهم منه ومما اتهمن به أبرياء…ألم يأمر الله بالستر على النساء…ماذا سيقول لقاضي السماء حين يطالبه من نعتوا بالفساد ومن اتهموا بتهم لا صلة لهم بها…ماذا سيقول لمن هتك عرضهم وشوهت صورتهم أمام كل الناس فقط لأنه عزلهم بشبهة لا شيء أكّدها…ماذا سيقول لمن عاقبهم أتباعه ومن هم حوله وأفسدوا حياتهم فقط لأنهم يعارضون مشروعه ولا يقبلون به سلطانا…

ماذا سيقول غدا يوم نلتقي جميعنا بقاضي السماء عن كل ما قاله وصرخ به في خطبه …عن الظلم…عن المظلومين…وعن الفقراء والمحتاجين…ماذا سيقول لقاضي السماء عن وعده بالعدل…ووعده بمحاربة الظلم…ألم يقل طويلا إن السلطة التي تحكم بنفسها هي الأكثر ظلما…فكيف يحكم اليوم بنفسه…ألم يقل طويلا إن السلطة الأكثر ظلما هي تلك التي تسوس بقانونها وتشرّع بهواها وتكتب فصول دستورها على مقاسها ألا يفعل ذلك اليوم؟ ألم يقل طويلا إنه جاء ليمنع التمادي في الظلم…ومحاربة الظالمين…ألم يقل طويلا إنه جاء ليضرب على يد الظالم ويأخذ حقّ المظلوم…ألم يقل ما يشبه قول عمر إنه لن ينام وبين شعبه جائع… وبين رعيته فقير ومحتاجٌ…فإن اعتبر نفسه رئيسا فنحن شعبه…وإن حسب نفسه سلطانا فنحن رعيته…فهل بمثل هذا تعامل الرعية من سلطانها ويعامل الشعب من رئيسه؟؟

ماذا سيقول وهو الذي أوهمنا جميعا بأنه شديد الايمان بالنظريات الحديثة للحكم…وأوحى لنا من خلال ما يقوله في خطبه بأنه يعي جيّدا أفكار مونتسكيو وجان جاك روسو …ماذا سيقول لنا وهو الذي يقول إنه يؤمن بالمفاهيم الانسانية لابن خلدون…ماذا سيقول وهو الذي تحدث طويلا عن الحكم الرشيد والعدل بين الناس…ماذا سيقول وهو الذي أقضّ مضاجعنا طويلا بخطاب منتصف الليل الحامل لشعارات لم نر منها شيئا إلى يومنا هذا…ماذا سيقول وهو الذي يصرّ دائما في خطبه على حقوق المواطن…وحريته…وكرامته…

هل جاءنا مولانا حاقدا على كل من حكموا قبله وقواعدهم وأتباعهم ومؤسساتهم وما تركوه وما أنجزوه وما حققوه…فهل سيلغي كل من جلسوا على كرسي قبله حتى وإن كان الكرسي لحاجب او لموظف بسيط… وهل سيهدم كل البناء حتى وإن كان قن دجاج…هل سيقدر على بناء دولة وأمة على مقاسه ومقاس ما يريده من أغدقوا عليه بالزغاريد والتصفيق والهتاف ومن أوسعوه ثناء وتملقا ونفاقا… واسمعوه مدحا وشكرا وغناء…ألا يمكن أن تكون المصالحة الشاملة هي الأنسب لهذه الأمة التي تعيش وجعا لم تعرفه منذ ثلاثة آلاف سنة…ألا يجب ان نضع الحقد والكره والانتقام والثأر جانبا ونبدأ من جديد دون أحقاد…فالحاقد لا ينصف بل ينحاز ويظلم…والحاقد لا يبحث عن الحقيقة بل يبحث عن عثرات الآخرين…

مولانا يحكم بالسماع…وبالرؤية…وحسب النشرات الجوية لمريديه وما يقولون…ويزعمون…ويروّجون…وبما يقوله أتباعه وما تكتبه قواعده…مولانا لم يلتفت يوما إلى مشاغلنا الحقيقية بل اكتفى بمعالجة كل شؤون حكمه والتأسيس والتأثيث لولايته الثانية التي يريد أن يحكمها سلطانا لا رئيسا…أسَأل مولانا…أقرَأَ مولانا قصّة طعن نجيب محفوظ رحمه الله في عنقه سنة 1995 من قبل شاب اتهمه بالكفر والخروج عن الملّة بسبب روايته “أولاد حارتنا” الرواية التي منعت من الطبع في مصر من شيوخ الأزهر، بعد محاولة القتل رقد نجيب محفوظ فترة طويلة في المستشفى حتى تماثل للشفاء، وأُعدم الشابان المشتركان في محاولة الاغتيال رغم رغبة محفوظ في عدم اعدامهما وتأكيده على أنه غير حاقد عليهما….وأثناء محاكمة من حاول اغتياله سأل القاضي الرجل الذي طعنه: لماذا طعنته…؟! فأجاب: لأنه كافر وخارج عن الملة…!! فسأله القاضي: كيف عرفت…؟! فرد قائلاً: من رواية “أولاد حارتنا” …!! فسأل القاضي بدوره: هل قرأت “أولاد حارتنا” …؟! فأجاب المجرم: لا…!! وأنت مولانا هل قرأت ما يفيد ثبوت كل التهم التي وجهتها للقضاة المعزولين أم قرأت فقط ما كتبه أتباعك على حساباتهم “الفايسبوكية” وما كتبه الوشاة من تقارير لا أحد يؤكّد صحتها من عدمها قبل بحث دقيق من أهل الاختصاص؟؟ فهل بما فعلته مع القضاء أصبح شعبك مشبوها…وجب إصدار بطاقة إيداع فيه؟؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version