كم أترحّم على لاعب كرة القدم نزار العيساوي … أترحّم عليه وعلى مصير صغاره ولوعة أمّه وقصف شبابه … كان مسؤولا عن كل هؤلاء مؤنسا لهم وهو نفسه ما يزال في ربيع العمر … فإذا به يسكب بنزينا ويشعل نارا وينتهي فحمة في حروق بنعروس ويضحي بأثمن ما في الكون بلحظة طائشة، فلماذا، لماذا، لماذا ؟؟؟
مهما قيل في التبريرات والتعليلات، فلا أحد منها كان يستحق المس من قدسية الحياة … وحدها الشعوب المتخلفة الموغلة في التخلف، من لا تكترث لنعمة الحياة التي لا توهب مرتين … ووحدها عقلية البداوة الموحشة ترحب بالموت بل تسعى إليه وكأنه لعبة مسلية …. هم يقولون بأنه القهر من بائع يحتكر السلع ويرفع الأسعار، أو من تسلط أمني متواطئ مع المحتكرين … أما الواقع فيقول بأن شابا قضى على حياته وحياة من يحبّونه ويحتاجون إليه، لأجل بضعة أصابع من الموز … نقطة إلى السطر.
صورة بشعة نعم، ولكنها هي أصدق وصف لما يقع … وما أبشع عديد الصور لو نظرنا إليها مجردة من كل حماسة دعائية … وإلى الآن لم أنس موت شهيد آخر في صورة بغيضة وهو الفلسطيني محمد الدرة … دعنا من القصائد التي انهمرت بعدها وكادت تغرقنا … فالطفل لم يكن في وضع الجندي المدافع عن وطنه، بل كان يرافق أباه إلى سوق السيارات لشراء عربة من هناك … وفجأة وجد الإثنان نفسيهما ـ ودون قصد ـ في مرمى مواجهة بين مقاومين فلسطينيين وقوات العدوّ، والفضاء ممتلئ حجارة ورصاصا حيا … صورة الوكالات ترينا رجلا لاجئا تحت حائط ومختبئا وراء طفل صغير، ويده تشير للشرطة بالمكان الذي فيه محتجّون ويرجوها التصويب نحوهم لا نحوه هو … وربما لهذا السبب خرج رئيس حكومة الاحتلال ذات مرة ليقول: إنهم يتخذون من أطفالهم دروعا بشرية !
وبين شهيد أب جبان وشهيد قرطاس موز، مسافة عبث كم يقتلنا … ألا ما أتفهنا وأتفه قضايانا وما آلت إليه … ألا ما أصغرنا وأصغر همومنا والواحد منا يبقى يفكر ساهما في الملكوت بالساعات … تقول أنت لعل باله مشغول بوضعنا المعيشي، أو ببؤس شعب ومذلة وطن، أو بومضة اختراع علمي أو بحل معضلة هندسية عجز عنها الأولون … لا، كل تلك الطاقة الفكرية والزمن المستهلك في إعمال الرأي كانا: كيف خسرت طرح بيلوت البارحة وما هي الورقة التي كان عليّ لعبها … أو ما مصير بطل المسلسل بعد أن عبر البحر في قارب بدائي إلى سواحل إيطاليا، هل سيغنم بقعة في الفردوس الموعود أم سيأكله البحر وتضيع منه (ومنّا) أحلام الثروة واليقظة؟
بقيت كلمة أخيرة إلى وزارة التجارة … قبل منشورك الحربي بتسعير الموز والتفاح وكأنهما أهمّ مادتين في هذه الحياة، كان الموز والتفاح وسائر الفواكه تباع على قارعة الطريق ولا أحد تقريبا سائل عنها … حتى أسعارها كانت تصعد أحيانا وتنزل أحيانا حتى إلى ما تحت السعر الذي فرضه الحاكم … ولكن ما إن خرج منشور التسعير حتى انقلبت الدنيا وهاجت العباد وأنتظم ألف صف ومليون حضبة وأصبح البانان موضوع أمن قومي … فهل حارب هذا المنشور الاحتكار، أم أعطاه جناحين ليحلق بهما في السماء السابعة؟