يقول فولتير إن “أفضل حكومة هي تلك التي تضُمّ أقل ما يمكن من الأشخاص عديمي الفائدة”
عندما أتذكّر أنّ وزيرا ساءَهُ أن ينتظر تفعيل قانون العفو التشريعي العام وتمكين المنتفعين به من مستحقاتهم التعويضية، فأمر بإعدادقرار أمضاه بنفسه يقضي بصرف مبلغ 615 ألف دينار لفائدته تعويضا عن السنوات التي حُرم فيها من إمكانية ارتقائه الى الرتبة الجامعية الموالية. ونفس هذا الوزير عيّن مختصا في “بيع قطع غيار الدراجات الهوائية والنارية” مستشارا له بالديوان، وهو نفسه الذي كان يتفقّد تحديد وِجهة القِبلة مكتبا مكتبا في أروقة وزارته ومعابرها. .. في خطوة تاريخية غير مسبوقة تهدف الى تطوير منظومة التعليم العالي والارتقاء بمستوى أداء الجامعة التونسية.
عندما أتذكر وزيرا “متشلقحا” يفترش الأرضية الرخامية لمكتبه في حركة شعبوية يستدر من خلالها تعاطف الموظفين والمستشارين ثم يمضي الى النزل الفاخر المجاور في حركة شيراتونية ليعالج من خلالها تفاصيل ملف زائرة ليلية آواها على وجه الفضل على حساب أولاد الحفيانة (حتى الشلاكة ما خلطوش عليها).
عندما أتذكّر وزيرة تمثلت أكبر إنجازاتها في “سِلْفي” تاريخي مع نِعال ليلى بن علي وتحدّيها للتونسيين صارخة بهيستيريا مرزوقية “ولتشربوا ماء البحر”.
عندما أتذكّر وزيرا يؤنّب والي سليانة ويحثّه بنبرة فيها تهديد ووعيد لأنه امتنع عن الزجّ بقوات الأمن في مواجهة دمويّة مع أهالي مكثر المنتفضة ويؤمّن إفلات أحد أباطرة الارهاب والقتل من قبضة الأمن ويتواطأ بشكل فجّ في غزوة المنقالة ومهاجمة السفارة الأمريكية من الخلف.
عندما أتذكّر رئيسا أغوته حركة النهضة الفائزة مؤقتا في انتخابات 2011 وراودته على نفسه حتى عنّ له قَطَريّا وتركيًّا تنظيم مؤتمر أعداء سوريا ومغتصبيها والسكوت (في أحسن الأحوال) عن بيع البغدادي المحمودي وتسفير قطعان من الشباب والنساء الى جبهات ذبح إخواننا في سوريا.
عندما أتذكّر وزيرا وهابيا مَعْطَرا كل ما استطاع فعله في وزارة التشغيل دعوته لجمهور المعطلين عن العمل من خرّيجي الجامعات إلى الإقبال على جني الزيتون. وهو نفسه الذي فرض أن يقطن بالمركز الوطني لتكوين المكوّنين برادس مشترطا تهيئة مدخل خاص به وتعبيده في ظرف أقصاه أسبوع حتى يتسنّى له دخول مقر إقامته الجديد ومغادرته بعيدا عن أعين المراقبين.
عندما أتذكّر أن حكومة من الحكومات التي أحكمت قبضتها على تونس ترأسها خليفة سادس برتبة مختص في التفجير والتفخيخ وكان قد أفرغ رئاسة الحكومة من صلاحياتها الفعلية لفائدة قرارات يومية منبثقة عن اجتماع يشرف عليه شيخ الجماعة مباشرة بعد صلاة الفجر في بيته.
عندما أتذكّر وزيرا يُوظف الامكانيات التكنولوجية الضخمة التي تزخر بها الوزارة التي يشرف عليها لخدمة أجندات حزبية مشبوهة ولا تهتز له قصبة أمام رُكام سيارة باهظة الثمن “تُفشّخها دلّولة بوها” على مرأى من شارع تونسي مقهور.
عندما أتذكّر وزيرا لم يترك حيلة الا واعتمدها لتدجين جهاز القضاء (تماما كما فعل بن علي وربما أشنع) وتوظيفه في الانتقام من خصوم حركته والتستّر على ملفات الاغتيال السياسي وتأمين مسالك حماية الضالعين في الإرهاب.
عندما أتذكّر وزيرا تتمثل كل استراتيجيته في إشهار سطل سحري أمام الحرائق التي طالت غاباتنا وتكفّله بتوزيع الكمامات في الطريق العام لمواجهة تفشي وباء الكوفيد، ثمّ سارع إلى تصديق أسطورة الدكتور الهُلامي “كمّون” مكتشف لقاح الكورونا مؤكدا أن له اتصالات منتظمة مع الطبيب المعجزة بواسطة البريد الالكتروني.
عندما أتذكّر وزراء تنكّروا لأحزابهم الأم المنسحبة من الائتلافات الحاكمة متمسكين بشراهة بمواقعهم الوزارية خوفا من فقدان فتات الامتيازات البائسة التي كانوا يجنونها… ثم غادروا المشهد من الباب الصغير غير مأسوف عليهم.
عندما أتذكّر أن أسوأ ما أنجبت منظمة طلبة التجمع ممن كانوا مكلفين بإفساد الانتخابات وملاحقة الطلبة المعارضين … يصبحون وزراء وكتاب دولة وولاة ومديرين عامين متسربين من الشقوق التي يزخر بها جدار زواج المتعة بين الشيخين وجماعتهما.
عندما أتذكّر ارتجالية من حكمونا وروح الغنيمة التي تأسّس عليها لهاثهم وراء المواقع والمناصب وعقلية الانتقام من دولة قائمة رغم هِناتها ومنسوب الحقد على مكتسبات مدنية ومجتمعية خُيّل إليهم أنها “رِجس من عمل الشيطان”… عندما أتذكر أن عشر سنوات تم اقتطاعها بمَكر من تاريخنا دون تسجيل أي تقدم يُذكر في أي مجال من المجالات… عندما أتذكر كل هذا (ناهيك عن المعطيات التي تخفى عنّي شخصيا ومتأكد أنها بحجم خيانات وطنية أعظم) يحصل لديّ انطباع أن غياب الحكومة قد يكون أقل ضررا من تشكيل حكومة قد تكون نسخة من سابقاتها. بلاش حكومة خير.