جور نار

بلد العقوبات

نشرت

في

في تونس وحدها، يفغر الناس أفواههم حين يسمعونك تطالب الإدارة بأن تقضي شؤونك في آجال معقولة لا تتجاوز اليوم أو اليومين بدل الستة أشهر … و يصيبهم شديد الدهش، حين تتساءل عن عدم الاقتصار على وثيقة واحدة (بطاقة التعريف مثلا) بدل كمّ الوثائق و الورق الذي عليك تسليمه لأقلّ شأن …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

في تونس وحدها … توقفك الشرطة و تتحرّى و تتعب نفسها في التحرّي، لأجل معلوم جولان غير خالص أو وصل تأمين … و لا تبذل نفس التعب عندما يبلغها مواطن عن حادثة براكاج أو نطرة تعرض لها … كما يتسلح أمننا بآخر التكنولوجيات (رادار، تابلات …) لضبطك في وضع مخالف، و تحرير الخطية عليك بسرعة البرق … و لكن إمكانياته تعجز و ميزانيته تشحّ، عندما يتعلق الأمر بتركيب كاميرات في الشوارع لمراقبة عمليات الاعتداء على المارة و المارات، و ملاحقة المجرمين و إنصاف الناس منهم …

في تونس وحدها …لا يعني التأمين سوى تلك الورقة التي تستظهر بها عند كل دورية، و يجب أن تكون محيّنة و مشهرة في شكل ملصقة واضحة على بلور السيارة … و يا ويلك إن حصلت لك زلة في هذا … أما معاني التأمين الأخرى، مثل التعويض عن حادث أو إسداء منح للأرامل و الأيتام جراء ذلك الحادث … أو تقديم منح لكبار السن أو التكفل بمصاريف علاج أو رعاية مسافر خارج البلاد … أو المسارعة بإصلاح محلّ حصل به تلف أو حريق حاشاكم … أمّا كل هذا، فبإمكانك انتظاره إلى القرن القادم أو الذي يليه …

في تونس وحدها … تترابط الخدمات في ما بينها بشكل يضيّق عليك الخناق بدل أن يسهّل حياتك … فلا يمكن لك أن تتجوّل دون دفع التأمين، و لا يمكن لك أن تأخذ التأمين دون دفع معلوم الجولان، و لا يمكن لك أن تأخذ ملصقة معلوم الجولان دون أن تكون خالصا في الخطايا و الضرائب المختلفة من يوم ولدتك أمك … كما لا يمكنك خلاص فاتورة الكهرباء دون أن تدفع معها (و حتى قبلها) إتاوة لإذاعة و تلفزة لا تسمعهما ولا تتفرج عليهما … و لن أزيد عن ورقة الماء و ما يلحقها من جزية لديوان الأوناس …

في تونس وحدها … يقع استغلال الإعلامية لا لتيسير قضاء حاجات الناس، بل للتجسس على ماضيهم الإداري و المالي و حتى العائلي … فالبنك لا يستعمل أزرار الكمبيوتر لإسنادك قرضا في ساعة زمن كما يحصل عند دول أخرى … بل للتفتيش إن كانت لك مشكلة مّا مع بنك آخر لا يعنيه، أو لإثقالك بعشرات الرسوم الصغيرة التي تصبح كبيرة يتجمّعها … و عناوينها تتنوّع في الأسماء و الرموز و التعقيد و لكنها تتشابه في الاستيلاء عليك … و في حملها أسوأ المفاجآت بتضمين رسم جديد أو ارتفاع رسم قديم أو حذف مجانية خدمة كنت تخالها دون مقابل … و خاصة بإضافة وثائق مطلوبة منك و يلزمك دوران دهر لإحضارها …

في تونس وحدها … عندك في كل تحريكة مخالفة، و في كل مخالفة خطية، و في كل خطية محضر و آجال وتنبيهات و عدول تنفيذ و إنذار بالمحكمة و السجن … لديك دولة تتعامل مع المواطن على أنه مخادع أو قلاّب أو لصّ أو في أحسن الحالات عدوّ حتى يثبت عكس ذلك … و إن أثبت براءته، فلن يتغير شيء، أنت دائما مدان … معظم نصوصنا القانونية تبدأ بأفعال “يُمنع” و “يُحجّر” و “يتحمّل” … و تختم بعبارة “حسب التراتيب الزجرية الجاري بها العمل” …

لا أفهم كيف يتم الحديث عن القانون الذي يحمينا، و في نفس الوقت و كلما وقعت في مأزق سمعت ألف صوت يقول لك: القانون لا يحمي المغفلين … بالاستنتاج، إذن هذا يعني أن القانون يحمي الشطّار والمتحيلين و مزوّري الأوراق، أما أنت و أنا فلنا الله.

ألسنا حاملي صفة “عقوبة الله”؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version