جور نار
بلد ناطحات التراب (5)
نشرت
قبل 8 أشهرفي
رجاني بعض القراء الكرام أن أفسر عنوان الجزأين الماضيين من المقال … ولكي أجيب عن ذلك، أعود إلى بضعة عقود خلت حينما كنا على مقعد الدرس في الثانوي …
المادة كانت جغرافيا والدرس يتعلق بأشكال المدن … وكان أستاذنا المهيب سي منصف بوغزالة، يشرح لنا كيف تصاغ الحواضر معماريا مع تفصيل ذلك بالرسم والصورة … واستعرض لنا نماذج من المدن العصرية المخططة شوارعها بنظام المربعات كنيويورك، أو بنظام الدوائر على غرار لشبونة، أو بنظام الأشعة أو الطائرات المتلاقية في الوسط … مثل ساحة النجمة أو الكونكورد بباريس … وفي الأخير وصل بنا إلى هندسة المدن الفوضوية (العربية) التي تتداخل مسالكها مثل العروق في نبتة مسنّة، ورسم لنا حبّة من ثمرة متكمّشة وقال: هذا يسمّى تصميم البطاطس (Plan patate) … وقد رسخ ذلك في أذهاننا …
مع العلم بأن مدننا العتيقة وعلى عكس ما قد نتصور، فيها هندسة محكمة ووراءها مهندسون لهم فكر… وتلك المدن والأحياء تملك نظاما مرتبطا بحاجات ذلك الوقت… فللأسواق مكانها، وكذلك للدواوين والمدارس ودور العبادة وورشات الحرف وقلاع الجيوش، وصولا إلى المساكن والجنائن … أي نظام المدينة والحظيرة والجامعة … والذي يتجول في بلادنا العربي من العاصمة إلى القيروان إلى صفاقس إلى المهدية إلى الكاف وباجة والمنستير وسوسة وبنزرت وتوزر وتستور وسليمان إلخ … يلاحظ هذا، كما يلاحظ وفرة المرافق العامة التي كان مصمم المدينة يضعها على ذمة المارة، مثل الخانات (الفنادق) وحنفيات الماء الأثرية وأحواضها في الكاف وتبرسق مثلا، والتي ما زال بعضها شغّالا إلى اليوم …
تحدثنا عن فكر؟ نعم … فن العمارة رؤية ومنطق وغايات وأولويات، ومباني الأوطان الحارة الجافة ليست هي نفسها حيث البرودة والرطوبة، كما أن نوافذ المدن كثيرة التعرض للشمس مثلا هي أقل اتساعا من غيرها حيث يشحّ نور الشمس غالب السنة … بنفس المنهج، يتصرف المعماريون والمصممون بحسب مساحات الأرض المتاحة ويراعون ما يبقى للزراعة في بلاد تقل فيها الأراضي الخصبة … أو يحسبون حساب كلفة تلك الأرض في فاتورة العقار النهائية، تحت مبدإ: أكثر ما يمكن من البناء بأقل ما يمكن من الكلفة … لهذا، وبما أن مجلس ولاية (مثل نيويورك) رفض أن يعطي للبناءات أكثر من مساحة معينة على حساب الأراضي الفلاحية والمحميات الطبيعية… وفرض عليك فوق هذا، منتزها حضريا في قلب المدينة لا سبيل إلى المساس به كـ “سنترال بارك”… بما أنه فرض واقعا كهذا، لم يبق لبلدية المدينة وباعثيها العقاريين سوى التصرف في الجزء المتاح لهم كرصيد عقاري … ومن هنا جاء الامتداد العمودي للمدينة بدل التوسع أفقيا … يعني إذا كانت الأرض باهظة الثمن وربما مستحيلة الاستغلال، فإن الهواء في المقابل، لا ثمن له ولا اعتراض على استغلاله …
هذا طبعا علاوة على عناصر أخرى تدخل في التصميم، كاختصار المسافات وقرب المرافق من بعضها البعض، وتجميع الخدمات بدل تشتيتها، وإحكام مخطط المرور والنقل، وتمكين متاجر الجوار من سوق استهلاكية مكثفة من شأنها تحقيق أرباح ضخمة دون رفع مشطّ للأسعار … ودون نسيان سلاسة العمل الأمني وضمان أكثر ما يمكن من السيطرة على الطوارئ الكبرى في مجال يسهل فيه تنقل القوات النظامية وحتى رجال المطافئ والإسعاف … ويقابل هذا الاقتصاد في مساحات الأرض المبنية، تصرف مريح في سعة الشوارع والساحات العامة المحيطة … فإذا بقوانين الطريق العمومي تتيح شوارع فسيحة للجولان، وتمكّن هذه الكثرة من المتساكنين المتجمّعين في مكان واحد، من التحرك بيسر في جميع الاتجاهات … سواء كمترجلين أو كمستعملي وسائل نقل بشتى درجاتها، من الحافلة العملاقة إلى الدراجة الهوائية … لكل مجاله وحظوته والقانون الذي يحميه …
قلبي بدأ يوجعني عند الاقتراب مما حدث ويحدث في بلادنا العزيزة … عندنا يكاد يتم العكس تماما، وبشكل عبثي تتساءل بعده هلى عندنا مهندسون يفكرون في حياتنا، بل هل عندنا مهندسون يفكرون، بل هل هناك مهندسون من الأساس؟ … أولا وكما أسلفنا، تشعر أنه لا يوجد وعي بتاتا بأننا بلد ضئيل المساحة قياسا إلى معظم بلاد العالم … وثانيا هذه المساحة أربعة أخماسها إما صحراء أو مناطق قاحلة أو شبه قاحلة أو جبال صمّاء لا يسكن فيها حتى النسر الحالق، فماذا بقي؟ … مربعات صغيرة أو متوسطة بالشمالين الشرقي والغربي، وحوالي العاصمة والمدن المعمورة، وهي بالكاد تكفي ـ زراعيا ـ لإعالة شعب متوسط العدد يذهب معظم دخله لأجل الطعام … ومائدته تصرّ إصرارا على أن تكون من القمح ومشتقاته … ورمضانه يستهلك من البيض ما تعجز عنه كل طيور العالم … وعيده الكبير يأتي على الصين الشعبية نفسها لو كان سكانها خرفانا لا بشرا …
يعني لا قدرنا على تحقيق مداخيل تضمن لنا احتياجات أكبر من مجرد الأكل، ولا استطعنا تنويع ذلك الأكل نحو أنماط غذائية أرقى من الخبز والمقرونة والكسكسي، ولا ـ كي قدّر ربي ـ وفّرنا منظومة إنتاج تحقق لنا الاكتفاء وعدم مد الأيدي نحو هذه البلاد أو تلك الباخرة أو ذاك الصندوق الدولي … وهكذا ها أننا ندور ندور ونرجع إلى السياسة والكرامة والقرار السيادي … وها أننا نجد مفتاح كل ذلك في تفاصيل تبدو صغيرة ولكنها هي اللبّ لو كانت لنا ألباب … فلو كان لنا إحساس عال بالكرامة، لوضعنا اكتفاءنا الذاتي الغذائي قبل كل الأولويات، ولصار شعارنا “نموت ولا نستدين” بدل “نموت نموت ونحيا الوطن” وهو كلام إنشائي أجوف، فلو متنا جميعا من سيبقى في هذا الوطن؟ كما قال ساخر…
مهندسونا والذين وراءهم من بلديات ووزراء إسكان وراسمي أمثلة عمرانية ومحرري قانون العمران وأعضاء لجان ومعدي مخططات تنموية بلا حصر … هذا الجمع العرمرم لا يضع في حسبانه معطيات بسيطة يعرفها تلاميذ الابتدائي حول تونس جغرافيا وتضاريس وموارد طبيعية … بل يفلّحون وكأن تحت أيديهم الكرة الأرضية بأسرها لا فضاءنا المحدود، ويخترقون الأراضي الزراعية طولا وعرضا وكأنها تختفي هنا لتولد من هناك … فإذا المساحات المبنيّة تمتدّ أفقيا بشكل لا متناه كما قلنا سابقا، وإذا بمدننا تبدو من فوق بالطائرة وكأنها مخيمات لا مدن … وتأكل ولايات بكاملها كانت بالأمس القريب ضيعات وحقولا وغابات خضراء مونقة، كأريانة وبن عروس ومنوبة، فتحولت اليوم إلى ركام رمادي مسطّح مترام كأنقاض مقبرة … وفي المقابل تتقشف في الفضاء العام حيث تضيق الشوارع بشكل لا يصدّق، وتنعدم المساحات الخضراء تماما إلا ما رحم ربك وما ترك المستعمر… حتى المنتزهات الحضرية عملها بن علي ذات مرة ووضع عليها فائزة الكافي، وما إن راح وراحت، حتى أهملت هذه المنتزهات تماما …
مهندسونا ومن وراءهم، لا يقيمون وزنا لقيمة الأرض كما أسلفنا، فإذا هم بدل الاقتصاد فيها يقتصدون في الهواء وكأنه بالفلوس … والله … تماما كما يقتصدون في ما تحت الأرض (وهو مجاني أيضا) كلما تعلق الأمر بمشاريع مترو الأنفاق التي أجهضت جميعا … هل هو الجهل؟ لا أظن ذلك، فأعرف الكثيرين منهم وفيهم أجلاّء وأدمغة ويقدرون على الخوارق، ولكن هناك مشكلة أعمق … أحدهم صديقي وقد سألته يوما عن نفورنا من بناء العمارات الشاهقة أو حفر أنفاق للمترو … ولماذا نحن أوطى عاصمة عربية وأقلها بهجة بعد طرابلس الغرب … فقال لي إننا نتجنب ناطحات السحاب خوفا على مرور الطائرات، ونتفادي الأنفاق لأن العاصمة قريبة من البحر … وقد صدقته فورا ليقيني أنه لا يوجد أي مطار في نيويورك وطوكيو وهونغ كونغ …وأن مجالنا الجوي أكثر ازدحاما من “هيثرو” لندن حيث تحط وتطير رحلة كل ثلاث دقائق … وفي ما يخص الأنفاق والبحر فالناس في باريس والقاهرة حفرت ممرات تحت النيل ونهر السين بالإسمنت المسلح، أما نحن فربما نبني بالشوكوتوم أو البسيسة؟
ضحك صديقي وفهمني وفهمته … كان يستعرض الأسباب “الرسمية” التي ينهي بها مسؤولونا باقتضاب وحسم كل تقرير أو نقاش في الغرض … أما الأسباب الحقيقية فهي عديدة متشعبة وأحيانا ترتبط بمصالح ضيقة لهذه الفئة أو ذلك الشخص … ففي المجلة العمرانية مثلا، يتوجب على كل من يبني عمارة تفوق أربعة طوابق أن يجهزها بمصعد كهربائي، وقد يتطور ذلك إلى ما أكثر من مصعد بحسب عدد الطوابق والشقق … والمصاعد تتكلف ما تتكلف، شراء وتركيبا وصيانة … فيهرب الباعث العقاري من كل هذا ويقول ماذا دهاني؟ بدل عمارة واحدة بعشرين طابقا أشيّد خمسا وأستريح من كلفة مصاعدها … أما عن الأرض فهي من الدولة وبفضل علاقاتي أقتنيها بالدينار الرمزي أو ما يشبه …
وينال مراده واضرب ذلك في مئات وآلاف … و”الله لا يفكّر” في البلاد وفي مصيرها وغذائها وأراضيها …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 14 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 14 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟