جور نار

بلقاسم حبّة : مثال في تواضع الكِبار وأنموذج في كسر الحتميّات

نشرت

في

“لو تتمكّن الجزائر من استعادة نوابغها المنتشرين عبر المعمورة موفّرة لهم كل ما يحتاجونه، لرأينا جوهرة ضخمة يعمّ ضياؤها الضفة الجنوبية لحوض المتوسط” الروائي ياسمينة خضرا.

وما يُقال عن الجزائر ينسحب أيضا على تونس… تماما.

من هو بلقاسم حبّة ؟

<strong>منصف الخميري<strong>

يُلقّب بالعربي الأكثر اختراعا، وهو مُصنّف ضمن الـ 100 مخترع الأكثر إنتاجا في العالم، في رصيده 1500 براءة اختراع في مجال الحوْسبة والالكترونيات الدقيقة. هو باحث جزائري متخصّص في الإلكترونيات والنانوتكنولوجيا على وجه التحديد، ولد سنة 1957 بالمْغيّر في ولاية وادي سوف الجزائرية، التحق بجامعة هوّاري بومدين للعلوم و التكنولوجيا التحق بعد حصوله على شهادة الباكالوريا سنة 1974، ثم  على شهادة الدراسات المعمقة في الفيزياء سنة 1980.

حصل على منحة وطنية للدراسة بجامعة ستانفورد الأمريكية في ولاية كاليفورنيا، التي توّجها بشهادة الماجستير في الفيزياء التطبيقية و أخرى في علوم المواد، و بعدهما على شهادة الدكتوراه في الطاقة الشمسية.

عمل حبّة بشركة اي بي أم (IBM) عملاق الحاسب الآلي، ثم عاد إلى الجزائر و تحديداً إلى جامعة بسكرة، التي عمل فيها كأستاذ لمدة قصيرة، ما لبث أن غادرها متجهاً إلى اليابان بعد حصوله على عرض من شركة (NEC) اليابانية الرائدة للانضمام إليها، ليكمل أبحاثه خاصة في مجال تصغير مُكوّنات الأجهزة الإلكترونية.

يُحسب له تطوير النسخة 2 و 3 من جهاز البلاي ستايشن على مستوى الجزء المتعلق بالذاكرة وتطوير وظائف الرقائق الالكترونية الموجهة لصناعة الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر وغيرها من أجهزة التكنولوجيات الدقيقة.

أهم ما تحتفظ به الذاكرة بعد الاستماع لبلقاسم حبّة والاستمتاع بحواراته :

  • أنه قامة علمية وتكنولوجية شاهقة جدا على المستوى الكوْني ولكنه عندما يعود إلى بيته في واد سوف يرتدي قشابيّته الصحراوية وينصهر ضمن إخوته وأبناء عمومته كأنه لم يغادر بلدة المْغيّر أبدا، ويحلو له أن يحتفي بضيوفه – مهما علت مكانتهم- مقدّما لهم الشاي والمقروض وبعض الحلويات المحلية البسيطة. رجل أصيل في تفكيره وجلسته وهندامه وخطابه وطريقته في التفاعل والضحك مع مُحدّثيه.
  • التواضع لدى بلقاسم حبّة قيمة ثابتة وصامدة أمام النجاحات الباهرة التي يحققها يوميا على المستوى العالمي. عندما يُسأل عن تطويره لجهاز البلاي ستايشن على سبيل المثال، يقول “لا أحد في العالم يستطيع أن يقول إنه اكتشف السيارة، بل ساهم في تطوير جزء ما أو جزيئية ما داخل السيارة … وأنا كذلك لدي بصمتي الصغيرة في كاميرات الهواتف النقالة و ذاكرات العديد من الأجهزة الإلكترونية وتصغير مكوّنات الأشياء، هذا كل ما في الأمر”.
  • ظلّت الجزائر وجَعًا يسكُن بلقاسم حبّة، وكان منشغلا دائما بضرورة المساهمة في بناء شيء مّا يستفيد منه بنو جلدته، وذلك من خلال تقديمه المحاضرات داخل مدرجات الجامعات الجزائرية والتوجيه المتخصص للشركات الناشئة داخل وخارج الولايات المتحدة. وقد تمكن أيضا من تجميع أكثر من 600 عالم جزائري مبثوثين عبر العالم لديهم أكثر من 3000 براءة اختراع في موقع انترنت متخصص. أمّا حلمه الأكبر فيتمثل في انشاء مركز بحث في الجزائر لمساعدة الباحثين الشبان والمخترعين الناشئين. لكن أصحاب الأعمال، يقول حبّة، لم يقتنعوا بعد بأهمية الاستثمار في مثل هذه المشاريع اضافة الى العراقيل الادارية المتعددة والمتنوعة.
  • من الطرائف التي يرويها، يقول ” نهار مالنهارات في 2013 كلّمني مدير غوغل قالي اش قولك كان تجي تخدم معانا؟ قتلو فك عليا خاطيني انا غوغل انتوما تديروا سوفتوير وانا مجالي الهاردوير، ياخي قالي أرواح غير أرواح نهدرو، بعد الحديث معاه، عجبني العرض وقلت علاش لا؟ غوغل من أكبر الشركات في العالم، آما قتلو جاي نهدر معاك و انا ماعنديش حتى سيرة ذاتية CV جايبها معايا، ياخي قالي مدير غوغل ولا يهمّك، توة انا نعطيك “السي في” متاعك، نحن نعرفك جيدا وإلا لما توجهنا إليك”… بقيتُ هناك حوالي سنتين ثم غادرت لأن مجال الهاردوير ثانوي جدا بالنسبة إلى غوغل وهو أمر لا يتماشى مع طموحي وأحلامي لأنني أريد دائما العمل في مجالات رئيسية.
  • سُئل عن أهم العناصر المساعدة على تطوير البلد وخلق مناخ بحث واختراع متميّز، فأجاب : أولا : الاختراع هو ان يضع الباحث نصب عينيه حلّ مشكل موجود في المجتمع، والحلّ لما تجده “يدخّل الدّراهم للمجتمع وللناس الكل”. الجامعة الجزائرية مثلا مُحاطة بأسوار وهي منقطعة انقطاعا كليا عن المجتمع والشركات في المقابل تُسيّجها أسوار هي الأخرى، وليس لها أية علاقة بالجامعات.

ثانيا : لا بدّ من عقول مُفكّرة ودارسة بشكل مختلف (أي أن يكون المهندس مثلا مهندسا ومبادرا في نفس الوقت في علاقة بمشاكل المجتمع) … مثلا لِمَ لَمْ يتمّ التفكير في صنع شريحة إلكترونية لرصد مطبّات السّير “الدّودان” خاصة أثناء الليل؟ أو كيف نوسّع في حجم حقول النخيل من خلال تسهيل عمليات الجني التي تتطلب مهارات يدوية ستنقرض ذات يوم.

 ثالثا :  لا بدّ من أصحاب أموال مؤمنين بأن الاستثمار في مجال مّا يعود بالفائدة على الباحثين والمجتمع وعليهم هم بالذات بطبيعة الحال.

رابعا : على المجتمع والشركات والدولة الوطنية القبول بأن تشتري من باحث جزائري عندما يقوم بتصنيع منتوج ما أو تطوير تطبيقة إعلامية معينة… (أي إعطاء الفرصة للمحلي قبل الاستنجاد بالتوريد).

خامسا وأخيرا :  لا بد من تطوير ثقافة المجتمع التي يجب أن تُبنى على الاحترام… أي تقدير أفكار الناس ومشاريعهم وما هم قادرون عليه بدلا من الحكم عليهم من خلال هندامهم أو شبكة علاقاتهم أو لَكْنتهم.  

ما هو حُلمك الذي لم تحقّقه بعد بلقاسم حبّة ؟

(بعد تفكير وجيز) أحلم بأن أكتب كتابين اثنين على الأقل:

كتاب حول التكنولوجيا ومستقبل التكنولوجيا في العالم… و خاصة تلك التطورات التي أراها قادمة لا محالة.

وكتاب ثان يُجيب عن تساؤل الكثيرين “كيف لهذا القادم من الصحراء “بلادْ الغْبارْ” أن ينجح ويخترع ويدخل نادي أكبر الشركات العالمية ويسجل اسمه على كل هاتف أو كاميرا أو منضدة بلاي ستايشن تُباع في العالم؟ ” نوع من السيرة الذاتية التي قد يتأثّر بها الشباب و تجعله يؤمن بحظوظه كاملة في النجاح والتميّز مهما كانت ظروف نشأته صعبة.

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version