كلّ نار
بل تونس هي الكبرى يا حمار ǃ
عبد القادر المقري
نشرت
قبل 4 سنواتفي
المفروض في مذيعين ماسكين ميكروفونات محطات ذات نسب سماع عالية، أن يكونوا أثقف و أعقل و لو قليلا من متوسط مستمعيهم … و أن ينشروا الأمل حين يعمّ يأس، و أن يكونوا أوفياء إن لم أقل للبلد الذي يقتاتون منه، على الأقل للحقيقة التي هي جوهر الصحافة على اعتبار أنهم صحفيون في وسيلة صحفية …
نعرف أن الكرامة الوطنية صارت موضة قديمة لدى كثير من نخبنا و زعاريرنا، و خاصة منذ السطو على ثورة خلناها للحرية و الكرامة … و نعرف أن الخزائن جُرّفت و جُفّفت بالكامل منذ ذلك التاريخ مما أدى بنا إلى التحوّل لشحّاذين محترفين و عواهر على أرصفة العالم … و نعرف أيضا كمّ الجهالة الجهلاء التي غمرت إذاعاتنا و تلفزاتنا من زمن، و منذ أن غزاها أصحاب الشهائد المضروبة و مفلسو الفنون و السياسة و الرياضة و أصبحوا زملاءنا بالسيف و النطع … لا، هم أصبحوا معلّمينا و مدرّسي الشعب في وقت هُمّش فيه المعلّمون …
و لكن لكل صبر حدودا، و لكل بشر مسالم نقطة ضعف يثور عند استفزازها و لا يطيق سكوتا … و قد استفزّني شخصيا أحد نجوم إذاعة موزاييك في برنامجه الصباحي … كانت الحكاية أكبر منه حين ورد تعليق على خطإ اتصالي لأحد الوزراء تحدى التونسيين بأن من لا يعجبه الوضع فليغادر البلاد (بالأمارة) … و تلك قصة قد نعود إليها و لكن مجالنا الآن ليس هذا … قلت حينما طال الحديث عن الزلقات الاتصالية في البلدان حديثة العهد بالديمقراطية مثل تونس و بعدها الجزائر، قاطع مذيعنا ضيفه (أو كرونيكوره) قائلا: أرجوك لا أقبل المسّ بأختي الكبرى …
بهت جليسه كما بهتّ من جهتي، فما دخل أختك و عائلتك في موضوع وزراء و رؤساء؟ … فأجاب متأثرا عن التساؤل بأن أخته و “أختنا الكبرى” هي الجزائر جارتنا … أي نفس العبارة الركيكة الجبانة التي يرددها ساسة المساسية و الانبطاح منذ 2011 دون خجل أو شعور بالذنب … نعم … الذنب تجاه هذا الشعب المرضرض الذي تنهال عليه الشتائم و الأخبار السود و القرارات الجائرة منذ عرف هذه الفئة من الماسكين برقابه سياسيا و اقتصاديا و إعلاميا في سنواتنا العجاف …
ما يتجاهله، أو الأصحّ ما يجهله طرّا هذا المذيع الهُمام، أننا بمنطق التاريخ طولا و عرضا، لم نكن أخا أصغر (أو أختا صغرى) لأي كان و خاصة من أجوارنا … لا أدري إن درس هذا السيد تاريخ الدولة القرطاجية التونسية التي سادت محيطها طوال 500 سنة على الأقلّ … و حتى بعد الهزيمة الأخيرة ضد روما و تقسيم شمال إفريقيا، كان لبلادنا المستعمرة نصيب الأسد من جغرافيا المنطقة … و كان لـ “أفريكا” الرومانية امتداد شاسع على شرق حدودها الحالية و غربها … و قد نحا الجغرافيون الإيطاليون نحو أسلافهم عند ضبط خرائط العالم منذ خمسة قرون، فأطلقوا اسم بلدنا العظيم على كل القارة المقابلة لقارتهم …
و كذا فعل الرحالون و القادة العرب حين تعاملوا مع دول مهابة و امبراطوريات أنشأها هذا البلد على أيدي فاطمييه و أغالبته و حفصييه … و وسموا أرضنا على الدوام باسم “إفريقية” و هو عنواننا الرئيسي الذي احتفظنا به إلى حدود التقسيم العثماني الذي ربط كل مقاطعة استولى عليها باسم مدينتها الأكبر … و مع ذلك، فقد بقيت تونس إلى وقت قريب هي الأكبر و الأهمّ و الأكثر إشعاعا بين جيرانها … و استقبلت منهم ـ حتى أيام محنتها الفرنسية ـ جاليات بالآلاف لجأت إلى بلدنا و درست نخبها في جامعه الأعظم و تخرّج منهم قادة و رؤساء دول لا ينكرون ذلك …
أشقاؤنا لا ينكرون فضل تونس عليهم، و لا ينكرون كبرها و عمقها و مكانتها و حجمها التاريخي و الحضاري الذي لا يقاس بالمتر و لا بالكيلومتر و لا بعدد السكان … و إلاّ فستصبح أمريكا (300 مليون ساكن) هي الأخت الكبرى لليونان (10 ملايين نسمة) … و تصير كندا (مساحتها 9 مليون كم مربع) هي الشقيقة الكبرى لأنكلترا (130 ألف كم مربع، أي أصغر من تونس)، لا العكس … و تصبح أوطان النفط و الغاز و الثروات هي الشقيقة الأكبر للعالم كله و أمّه و أبوه و جدّه الرابع عشر، بمنطق مذيع الغفلة و ملقنيه من خطباء السياسة و منافقيها، و من فاقدي الكرامة و الشرف الوطني …
تصفح أيضا
“إنه ليوم صيفي، فما أجمل الشمس تنير الدنيا وتدفئ الأركان الباردة وتحيي العظام وهي رميم … لقد اغتنمنا الفرصة هذا الصباح فأخرجنا المفارش حتّام تتخلص من رطوبة الشتاء” …
ومضى صاحبي صلاّح باراشوك السيارة إلى داخل ورشته، ومضيت أسأل نفسي عن الشتاء والصيف وأيّ صيف؟ نحن في بداية شهر فيفري والمفترض أنها سحب ورعود وتهاطلات وإنذارات حرس وطني وحماية مدنية وقبلهما مصلحة الأرصاد … لا … لم يقع شيء من هذا، عدا مطرتين متوسطتين وبعض ثلوج بعين دراهم وتالة وهضابنا الغربية … ورافقت ذلك رحلات سياحية لأبناء المدن وصور سعيدة على فايسبوك … انتهى التصوير بانحسار السماء عن طقم نضيد من الزرقة القاتلة … فلا غيوم، ولا عواصف، ولا ثلج ولا مطر بعد هذا …
أيّ كرب نعيش يا ربّاه …
حتى السدود فرحت أياما قليلة وبدأت في ردم جفافها المنذر، غير أن الأمتار المكعبة الأولى بقيت هناك تنتظر المزيد ولا مزيد … وعاد خوف العطش إلى القلوب، وهل هناك شرّ من العطش؟ شعوب بكاملها هُجّرت أو اندثرت عبر التاريخ جرّاء هذا التهديد أكثر مما فعلته الحروب … عمائر خضراء مترامية راحت نضارتها إلى الأبد وتحوّلت إلى صحارى … ونحن من هاتين الفئتين تحديدا، مصنّفون ضمن أكثر الشعوب هشاشة مائية وتعرّضا لهذا الموت الذي لا حياة بعده … فحتى هجرة القرون الخوالي لم تعد ممكنة، بعد أن أقيمت دول ورُسّمت حدود و أُشهِرت تأشيرات دخول …
قبل بلوى العطش، ابتلانا الدهر بطوائف سياسية مجرمة تستوي عندها الدولة والفريسة، الوطن ودار الجيران، الرأس وحائط مبنى بعيد … ارتقت ظهورنا كالدواب طوال 12 سنة ففعلت كالذي لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى … على طول تلك المدة، شهدنا أعواما سِمانًا ومواسم خير ومطر عميم … منذ 2011 والسماء كريمة معنا كرم شعبنا وأريافنا ومدننا الداخلية وعواصم جنوبنا وشمالنا … لكن طبقة قطران السياسة وزفتها أهدرت جود السماء كما أهدرت عطاء الأرض وسكّانها …
بالعكس … فقد حوّلت عطاء ملايين الأصوات التي رفعتها عاليا، صيّرت ذلك خنجرا في الصدور و ذريعة لسرقة رزقنا وتقاسم أسلابنا والإفلات من محاسبتنا … تماما مثلما حرّفت مسار الماء من رواء للبشر والشجر، إلى فيضان ماحق وكوارث طبيعية ونداءات استغاثة من كل جنب … سدودنا المذكورة أعلاه بناها إما الاستعمار أو “الاستبداد” كما تشتمون في خطبكم الكثيرة، أما أنتم فلم تنجزوا ولو … طبعة جديدة من كتاب “السد” للراحل محمود المسعدي !
لو قيّض لنا أن نقيم صلاة استسقاء جديدة وسط هذا الجفاف، فلن نقول فيها سوى: اللهمّ هات سحبا سوداء و سيْلا عرِما، وابعثْه فقط حيث يسكن من خانوا تونس وأكلوا أخضرها ويابسها … اللهمّ اشوِ أكباد أمّهاتهم كما فُجِعتْ أمهات من حرقوا وغرقوا جرّاء سياسات النكبة … أما نحن، فلنمُت بعدها من الظمإ … المهمّ بعد أن نرى جثث الجناة تطفو أمامنا كأسماك نافقة لفظها البحر .
أشهد أنّا عشنا مثل هذا اليوم من 12 سنة … ليس المقصود هنا 14 جانفي الذي قيل ويقال ويمكن أن يقال عنه الكثير الكثير … لا، لسنا في معرض ذلك اليوم المثير للجدل … بل اليوم الذي يليه، أي 15 جانفي 2011.
يوم السبت 15 من الشهر الأول لسنة 2011 هو برأيي أهمّ يوم في تاريخ تونس كلها و لا مبالغة … لامبالغة ولا هزل … والأسباب متعددة أولها أنه اليوم الوحيد تقريبا في تاريخنا الطويل، الذي لم يكن يحكمنا فيه أحد، لا من داخل البلاد ولا من خارجها … ومن ينظر إلى تاريخنا منذ إنشاء الدولة التونسية في 814 ق م، يرى أنه كانت على رأسنا دائما دولة ورئيس دولة مهما كان الاسم والصفة … سواء في دولتنا القرطاجية الوطنية التي تحولت إلى امبراطورية حكمت العالم القديم طيلة 500 عام … أو تحت الاحتلال الروماني الذي جاء بعد خسارة الحرب الثالثة واستمر قرونا … عقبته مراوحات بين الحكم الوطني والتدخل الأجنبي إلى حدود الأسبوع الثاني من سنة 2011 !
إذن لم نعرف زمن “سيبة” كما عرفتها شعوب أخرة جارة و غير جارة في معظم فترات تاريخها … كما لم نعرف ـ ويا للغرابة ـ هذه السيبة حتى عند هروب رئيسنا الأسبق أبو سيرين رحمه الله ومعه كامل الطاقم الموالي الذي اختفى إما جسديا أو معنويا … كما تبدّى ذلك في لجلجة آخر “وزير أوّل” حمل عندنا هذه الصفة وهو المحترم (ولكن الضعيف) محمد الغنوشي …
إذن حدث هروب فشغور فظهور لبضعة وجوه بين عشية 14 وليلها الطويل … هرب المرحوم، وشغر كرسيه، وظهر سي محمد ووراءه ثلاثة باشوات من البرلمان والمجلس الدستوري إلخ … ولن نعود ثانية للحديث عن الربكة التي حصلت بين مادتين في دستور ذلك الوقت (57 و58 أو 56 والله نسيت) … وحصل اختصام شكلي فُضّ بسرعة حول من يمسك الدفة الآن … ولكن الجمهور كان لاهيا عن كل هذا، مخطوف الأنفاس بتعاقب الأحداث والجزيرة تقنبل علينا أخبارا ونعيا وظفرا واحدا وراء الآخر بعدد دورات شريطها المتحرك أسفل الشاشة …
مع المغرب كلمني الزميل عامر بوعزة من إذاعة المنستير على المباشر وقال لي بصفتك كذا وكذا، ما تقول في هذه الهزّات المتلاحقات؟ … أجبته في حماسة أغبياء السوق: ما حدث هو ثورة … صُدِم الرجل وهو يسمعني أكيل الشتائم يمينا وشِمالا كالمخبول فلم أترك إنسا ولا جنّا إلا حدفته بماء النار … القلب مطفطف فلا لوم … وأكيد أن الزميل (الذي عوقب) يلعنني إلى هذه الساعة وكله ندم على أنه فتح الميكروفون لأحد المختلّين عقليا …
الصحيح أننا كنّا أكثر من عشرة ملايين مختلّ … نعم … وعلى “الحكماء” الذين يشربون اليوم قهوتهم الساخنة بأعصاب باردة، أن يعيدوا في ذاكرتهم تلك اللحظات، تلك الأيام، تلك الأعوام … بعيدا عمّا فعله السرّاق الجدد من فظائع، بعيدا عن قدرنا الذي يجعلنا دوما نترحّم على السواد القديم قياسا إلى المداد الذي يجيء بعده، بعيدا عن المخطط العالمي لإسكانهم عنوة فوق رؤوسنا، بعيدا عن هجمة الظلام التي أنستنا السكرة خطرها المتربص … صغارا آه قد كنّا وقد كان … كل الشعوب زمن الثورات تجيش عندها العواطف فتعمى منها الأبصار والبصائر … ولكن ذلك ظرفي، ولا بدّ للعين أن تعود للانفتاح، ولكن بعد ماذا؟
نمرّ … من الغد صحونا فماذا رأينا؟ كانت الشوارع شبه مقفرة إلا من حطامات هنا وهناك، حجارة متناثرة بمختلف أحجامها، علامات طريق مقلوعة، كتابات ورسوم على الحيطان، عجلات مطاطية محترقة، مؤسسات حكومية مخروبة أو سوداء من أثر النار … لم يكن هناك بوليس واحد، لم يكن هناك أعوان بلدية، لم تكن هناك قباضة مالية تجبي الناس، تقصد شركة الكهرباء لخلاص فاتورتك فيعترضك باب حديدي موصد … فقط بضعة مواطنين متوجسين كانوا يتنقلون بتردد، والعلامة الوحيدة على وجود دولة هي لفرق الجيش المرابطة في مواقعها بالطريق العمومي منذ أيام بعد …
فجأة أفاق البلد على أنه لم يعد هناك من يحرس، ومن ينظف، ومن يدير الشأن العام … عرفنا قيمة مرافقنا، عرفنا دور الشرطة الأنبل بكثير من القمع والمنع وخموس وعاشور، عرفنا قيمة الملك العام الذي لي ولك وليس رزق بيليك، عرفنا خاصة خاصة قيمة بعضنا البعض، قيمة بني وطنك وبني مدينتك و بني حيّك … عرفنا قيمة إناء شفّاف عالي الهشاشة ولكن لا ثمن يعوّضه، اسمه بلادك، اسمه ملاذك، اسمه تونس الخضراء …
مئات الدروس في التربية الوطنية، ألاف الخطب الرسمية، أكداس من أغاني الإذاعة طوال عقود حول حب الوطن و العلَم وتاريخ مقاومة الاستعمار، أفلام عمار الخليفي عن الفلاّقة والزعماء ومعارك التحرير … هذه كلّها لم تفعل فينا سوى أنها كرّهتنا في الوطنية المفروضة كدواء المستوصف … ولكن لحظة خواء وصفاء كالتي عشناها صبيحة 15 جانفي، نفذت إلى قلوبنا كأشعة ليزر … هناك حبّ لا ينكشف إلا ساعة نخاف على من نحبّ، وأعتقد أننا يومها شعرنا بخوف مرعب على بلد ملقى بين أيدينا كطفل في حالة إغماء … فهرعنا مفزوعين صارخين صوتا واحدا: اللطف كل اللطف عليك يا حبيبنا …
بلجظة … الذي كان نائما في منزله هبّ راكضا إلى العمل، الحافلات دارت محرّكاتها وخرجت لنقل المسافرين، المستشفيات صار جيشها الأبيض يقرن الليل بالنهار ولا يرتاح، المدرّسون فتحوا المؤسسات التربوية وأقسموا على إنهاء العام الدراسي في أفضل الظروف، أفواج من الشباب تجنّدت لتنظيف الشوارع، لجان من المواطنين تكوّنت في كل حومة عند سماع أخبار نهب واعتداءات، وحملت ما ملكت أيديها من هراوات وربضت بمدخل كل نهج في صقيع الليل، اشتعلت مواقد في الهواء الطلق لتدفئة فرق الحراسة، جاد كل بما لديه من أغذية وأغطية للمتطوعين الأشاوس، تبودلت المواد الغذائية بين الجيران وأُغِيث من نقصت عنده مجانا ومحبة …
وتحررت لغة الكلام … وسائل الإعلام لأول مرة صارت في ايدي الصحفيين، والخبر صار مقدسا، والمواطن البسيط صار هو الخبر … وافتكّت سيدي بو (زيد) مكان سيدي بو (سعيد) في معالمنا الأهمّ وصورتنا السياحية عبر العالم … وصار الانتماء إلى تونس الأعماق أشرف ألف مرة من التبرّج بأصل تركي أو أندلسي وعائلات مزعومة … ومن رحم مأساة بلغت ذروتها يوم انتحار ذلك الشاب حرقا، ولد كائن، جديد علينا صدقه ومداه اللانهائي: الأمل …
كل هذا حدث في يوم، تلته أيام تشبه الحلم … قبل أن يهبط على جماجمنا جحفل من جنود المظلات تجشّأت بهم مطاراتنا من عواصم الغرب … وعاد إلينا قفير نحل نسيناه تقريبا وهو يطِنّ من منافيه الذهبية، فإذا به يضع أقدامه على هذه الأرض ويصفّر نهاية الفسحة، نهاية الفاصل، نهاية حلم يصعب تكراره … وتلك قصة أخرى
“صاح الأوّل: شيّات
وصاح الثاني: شيّات
وصاح الثالث: شيّات
… و رحت أشيّت مع شعبي”
إذن لا مناص لي اليوم من أرافق عموم العملة التونسيين في شغل مسح الأحذية، أحذية لاعبي منتخب المغرب، وأفرح رغما عنّي بنصر لا دور لنا فيه ولا عائد … بالعكس، فقد يستغلّ جارنا البعيد هذا الإنجاز ليضيفه إلى صورته السياحية والاستثمارية، و يزيد من تحويل وجهة قُصّاد تونس، المتناقصين بطبعهم … و قد يقرّب الحدث السعيد بينهم و بين شعب الجزائر على حساب شعبنا الغفلان، كما حدث لنا دائما مع كافة الأشقاء الأشقياء … و قد بدأت بعدُ إشارات المودّة تطفح من مواقع التواصل الجزائرية التي كانت بالأمس القريب تبخّر برائحة المغاربة، ودون تمييز … و لعلها مصداق لنظرية الشيطان العبقري “هنري كيسنجر”: ديبلوماسية البينغ بونغ …
طبعا هذا الكلام سوف لن يرضي جلّ من قد يطّلعون عليه … و لكن ماذا تريد؟ لا بدّ من استشفاف عقبات الطريق خلف ستارة يوم ضباب … ونحن على ما يبدو دخلنا منذ أيام في حالة ضباب و شراب و سكر واضح و انتشاء بفتوحات إخواننا المغاربة في كرة القدم … ربما هي غريزة الدم الأخوي دون ريب، و ربما هي تعويض عن خيبتنا الداوية في نفس المسابقة، و ربما ـ و هذا الأخطر ـ كتعويض عن بؤسنا اليومي الذي لا فرح فيه ولا بارقة أمل … و يوم أمس فقط، كان أمامنا في الشارع رجل عجوز يجرّ كرّوسة بها قارورة غاز منزلي … و كان رهاننا عليه كالآتي: هل يكون عائدا بالقارورة ملأى عودة الظافرين، أم مازال هائما يطوف على الدكاكين و محطات البنزين هل من غاز للّه يا محسنين !
كاد الفقر يكون كفرا، و أنا أعرف أني قد كفرت أكثر من مرة منذ بداية المقال، بل منذ بداية السنة، بل منذ بداية العشرية … و من منّا لم يفعل ذلك؟ … بالمستقبل، بالرزق، بعشاء الليلة، بالأمان، بالصداقة، بالأخوّة، بالجوار، بنخبنا كل طوائفها و هي تردح علينا سنينا دون إنتاج مفيد … كل من يأتي منهم ينسيك رداءة من جاء قبله، وفي كل فشل يتبارى عندنا المبررون مع المتهربين مع المتراشقين بالتهم مع الباحثين عن تيس فداء … نزلوا بنا إلى درك أسفل في كل شيء، فتضاءل اهتمامنا و طموحنا و تفكيرنا وكلامنا و شعورنا و أخلاقنا … أصبحنا منحطّين في عصر الانحطاط هذا، و كم أحسد الشعراء الذين ما زالوا يكتبون شعرا، و الموسيقيين الذين ظلّوا يجترحون نغما، والصنائعية الذين ما فتئوا ينمنمون نقائش فنية على الذهب أو النحاس أو الجبس … إذ ليس زمننا زمن فنّ، بل نجح حكّامنا في إرجاعنا إلى حقبة المغاور و جلود الحيوان …
فهل يغنيني بعد هذا أن تفوز المغرب بكأس العالم؟ … يمكن أن يكون ذلك على الأقلّ لو جاء من حظ تونس، و لكن … مِن أيّة الطُرْقِ يأتي نحوك الكرَمُ …؟
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
استطلاع
صن نار
- منبـ ... نارقبل 13 ساعة
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل 16 ساعة
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل 20 ساعة
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل 24 ساعة
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل يوم واحد
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل يوم واحد
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل يوم واحد
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل يوم واحد
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية