في تونس، احتفلنا كبقية دول العالم بيوم الشغالين…وعيدهم الذي به بعضنا يسعدون …ويخطبون ويصرخون ويولولون ويهددون…وبنضالهم يفاخرون، لكن بماذا سيفاخرون يا ترى وأغلب الشعب اليوم من الفقراء…وغدا قد يجوع…
تعالوا لنعترف أننا نعيش في أسوأ حال منذ وصول التتار والمغول بلادنا ويسوء كل يوم اكثر…تعالوا لنعترف أننا نعيش الإفلاس غير المعلن منذ سنوات…فالإفلاس ليس فقط حينتعجز الدولة عن سداد ديونها أو حين تعجز عن خلاصأجور الموظفين والعمال…الإفلاس هو أيضا حين يعجز المواطن عن توفير حياة كريمة لأطفاله…حين يشعر أطفالنا بالإحباط واليأس والعجز أمام صعوبة الحصول على شغل…وعلى ما يبعد الجوع والخصاصة عنّا وعنهم…وحين يذوب الراتب خلال اقل من عشرة أيام ويعلن جيب المواطن الحداد عليه حتى آخر الشهر…
في تونس الذي بها البعض يفاخرون وبخرابها يحتفلون ترتفع سنويا نسبة الذين هم تحت خط الفقر يعيشون…وفي تونس اليوم ترتفع نسبة البطالة ومن عن الشغل يبحثون، ووراءه يلهثون إلى ارقام مفزعة وخطيرة… فلا شغل ولا كرامة كما كانوا في حراك البؤس يصرخون ويطالبون…فأين وعود الاتحاد وقياداته وما كانوا به علينا يخطبون…وفي حراكهم يصرخون…ألم يزعموا أنهم حاضنة حراك التتار والمغول والسكير الذي حرق نفسه قربانا…فلا قربان كان…ولا هم يزعمون…ويحزنون؟ في تلك الأيام تحايلت قيادات الاتحاد على الشعب وعلى من بهم رغبة جامحة في الصراخ والنباح المباح وروجوا لتزعمهم كل الحراك وفتحوا أبوابهم لكل الأبواق…فتربعوا على عرش البلاد دون بيعة أو انتخابات، لسان حالهم يقول “نحن من جاءت بنا شرعية (الثورة)”…وبدأت سلطة هؤلاء الأغبياء تتوسع إلى أن فاقت سلطة الدولة…فأصبحوا يشاركون في كل اللجان…ويساهمون في صياغة كل التوصيات…ويهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم تؤخذ توصياتهم بعين الاعتبار…
وهنا أسأل ألم يقع إشراك الاتحاد في كل اللجان…؟ ألم يقع إشراكهم في منظومات الإصلاح…؟ ألا يكفي ان يشارك أهل كل القطاعات في إصلاح قطاعاتهم عبر استشارات وطنية تمس كل شرائح القطاعات المعنية دون اللجوء إلى الاتحاد، ليقفز على اللحظة ويفتك المبادرة بعقلية الاحتكار المقيتة… وهنا أسأل هل سمعتم بابن نقابي عاطل عن العمل…؟ لا…هل سمعتم بنتائج مناظرة وطنية أو جهوية دون أن تكون “مُحلاّة” بأسماء أبناء الاتحاد؟ فهم لا يغيبون عن قائمة الناجحين “كي الملح عالطعام”…ألم يصل بهم الامر في بعض الجهات بضمّ أسماء لقائمة الناجحين دون أن يكونوا من الناجحين؟ كل قيادات الاتحاد تتدخل لتشغيل البعض من أفراد عائلاتها…وأقاربها…وأبناء عمومتها…وأبناء خالتها…ومن جاورهم…ومن صاهرهم…ومن جالسهم… ومن دفع بالتي هي أحسن في بعض الأحيان…
بدأت البلاد في الانحدار إلى أسفل منذ 14 جانفي 2011 حين أطلقنا العنان واستسلمنا لموجة المطالب والترضيات وتسوية الوضعيات وخيرنا الرضوخ لما يطلبه الشارع…وسلطة الشارع المدعوم بقيادات النقابات التي استولت على كل القطاعات…فالزيادات غير المدروسة والكرم الحاتمي للحكومات المتعاقبة على البلاد من سنة 2011 إلى انتخابات سنة 2014 أفرغت كل خزائن الدولة وأغرقت البلاد في الديون… وكل هذا بسبب تعنّت الاتحاد وغطرسته وطغيانه على البلاد…ففي عهد عبد السلام جراد رحمه الله رأينا العجب العجاب في التعامل مع المطالبة بالزيادات في الأجور…فكل اعتصام وايقاف للإنتاج تقابله زيادة في الأجور لتهدئة الأمور…فالخوف من الشارع ودكتاتورية الشارع المدعومة باستبداد وغطرسة النقابات أجبر الحكومة على تلبية كل الطلبات…فدخلت البلاد مرحلة من الترضيات لفكّ الآلاف من الإضرابات والاعتصامات… فالزيادات التي تمّ توزيعها يمنة ويسرة لم تقابلها زيادة في الإنتاج بل انحدرت كل مؤشرات الإنتاج إلى أسفل…
وما زاد الطين بلّة هو أغنية “العفو العام” التي جاؤوا بها لإنقاذ رؤوسهم من الفوضى العارمة التي حلّت بالبلاد…فالعفو التشريعي العام أفرغ جزءا من خزينة الدولة…ثم جاء فرحات الراجحي ليزيد الأمور سوءا وتعقيدا بإعلانه العفو عن آلاف الأمنيين المطرودين دون دراسة لملفاتهم، فغرقت البلاد في موجة من قرارات تسوية الوضعيات أثقلت كاهل الخزينة وأصابت كتلة الأجور بالسمنة القاتلة…ثم تواصل العبث بمقدّرات البلاد حين أعلن علي العريّض حملة لتسوية وضعيات كل الأمنيين في محاولة منه لاستقطاب المؤسسة الأمنية سياسيا بجميع أسلاكها، فسقطنا في منحدر يصعب الخروج منه…بعد أن استنسخت عنوة كل القطاعات ما وقع مع العريّض من تسوية للوضعيات…وتواصل الأمر على هذه الحال مع وصول حسين العباسي إلى ساحة محمد علي أمينا عاما…فتضاعف عدد الاعتصامات وتعطيل مواقع الإنتاج إلى درجة أصبح التصرّف في موارد البلاد يوميا كأي دكان أو حانوت حي….ما تكسبه اليوم تصرفه غدا…فكل المواقع الإنتاجية الحساسة كانت معطّلة من قبل النقابات…وبدأت الدولة تبحث عن حلّ لخلاص أجور موظفيها…ولم تجد غير الاقتراض للمحافظة على استقرار الوضع…
ورغم ذلك، ورغم دراية الاتحاد بوضع البلاد الاقتصادي وبما عليه وضع خزينة الدولة واصلت هذه المنظمة خنق البلاد قطاعيا وبالتناوب….فالبلاد لم تعش هدنة اجتماعية بمعنى الهدنة منذ 14 جانفي2011…فالإضراب تلو الإضراب وقطع الطريق تلو الآخر…هذا حالنا منذ 2011 فعن أية مساندة ومساعدة من الاتحاد قيادته اليوم يتحدثون…وعن اية نضالات رجالاته يخطبون…ويصرخون…في كل مناسبة ؟؟؟ الاتحاد خدع الجميع…واستولى على كل مفاصل الدولة والبلاد… فالطبوبي ومن معه ومنذ جلوسهم على كراسي ساحة محمد علي نجحوا في فرض التعيينات بجميع أصنافها…وفرض الإقالات بجميع أصنافها…والتحكّم في الانتدابات وقائماتها…فهم من يختارون من يريدونهم ليكونوا في مواقع القرار…وهم من يمضون على قرارات الإضرابات وتعطيل مواقع الإنتاج، وقطع الطريق أمام كل عودة للإنتاج العادي…
فهل هذا اتحاد حشاد…وعاشور؟؟ ومن كان وراء كل الخراب…اتحاد جراد والعباسي والطبوبي أم الأحزاب؟؟ فعلام تبكون اليوم وأنتم من كان وراء كل هذا الخراب…وما يعيشه الشعب من عذاب؟؟