رب السماوات و الأرض اسمه العدل و من عدله أنه ينصر الدولة العادلة و إن كانت كافرة و لا يمنح نصره للدولة الظالمة و إن كانت مؤمنة. فهل ما تعيشه تونس اليوم عدل أم ظلم؟ أم يدخل في معنى “و ما ظلمونا و لكن كانوا أنفسهم يظلمون”؟
نحن من قال شاعرنا الكبير أبو القاسم الشابي “إذا الشعب يوما أراد الحياة… فلا بد أن يستجيب القدر” فتبنّينا قوله و جعلنا من الأقدار تابعة مطيعة لإرادة الشعب و القضاء منّا و يده لنا أو علينا و هو في كل الحالات سلطة مستقلّة تتفوّق على باقي السلط بعلويّتها و شموخها و هي تكاد تكون السلطة الوحيدة التي تقبّلها الشعب دون جدل و لا عناد و أدمجها في تراثه و تقاليده وماضيه “اللي يقصلو وذنو الحاكم (القاضي) ما يتسمّاش عكروت” فالقضاء اذن هو السلطة الأولى و الأعلى والأهم في دولة تحاول النهوض من سباتها و الوقوف على قدميها لمواجهة مصيرها في مرحلة حسّاسة من تاريخها.
و لكن أين الشعب المؤمن بإرادة الحياة ليدفع بقضائه نحو الأفضل و يبقى له سندا وقت الحاجة… منّا من يقول ها أن القضاء تحرّك و أوقف رئيس حزب و وزيرا مباشرا و آخر سابقا و أوقف مديرين و عمداء و موظّفين و عملة فماذا تريدون أكثر؟ و الجواب هو نريد نسقا أرفع لأن النسق الحالي يساهم في رفع درجة سماكة الضباب المحيط بالقضاء و يكثر من التأويلات إثر كل قرار قضائي فنحن نعلم حجم التنديد الذي رافق إيقاف سامي الفهري و حجم الجدل الذي صاحب سجن شفيق جراية و انتظروا نفس ردّ الفعل في قضية نبيل القروي و لا أحد يقدر على اسكات من يسأل أسئلة تبدو شرعيّة إن نظرت إليها دون أن تكون على علاقة بإحداها و هي
هل الفهري و جراية و القروي هم الفاسدون و المتهرّبون و المبيّضون الوحيدون في هذا البلد؟
لماذا لم يتحرّك القضاء لإيقاف من أعلن جهرا عن شبهة فساد أو عن أموال تأتيه من مصادر غير معلومة من خارج الوطن؟
لماذا لا يتحرّك القضاء إلا ضدّ صنف دون آخر و في مواعيد تتزامن مع أزمة سياسية أو انسداد قنوات الحوار بين مكوّنات الساحة السياسية؟
لماذا؟ و لماذا؟ و لماذا؟ أسئلة تضرب مصداقية القضاء و تشكّك في قراراته مهما كانت صائبة و معقولة إضافة إلى حجم التأخير الذي صاحب كل القضايا المطروحة بين أيادي قضاتنا في كل درجات التقاضي و هذا ما جعل البعض يصم القضاء بقضاء البحيري لتشويهه … و عندما يمسّ القضاء أحد حلفاء البحيري يصبح القضاء قضاء سعيّد و عكاشة فمتى يعلن قضاءنا تحرّره من كلّ التجاذبات و يرفع عصا العدالة عاليا و يطبّق المثل الشعبي “حد ما فوق راسو ريشة”.
حرّروا أنفسكم يا قضاة تونس لتحرّرونا معكم فنحن حائرون تائهون متسائلون هل يمكننا أن نفرح لجرأة القضاء و شجاعته و نزاهته أم نحزن لبقاء الحال على حاله و خلود قضاء التعليمات.
نحن يا سادة نؤمن بحرية القضاء و بقدسيّة قراراته و لكنّنا نمقت قضاء التعليمات مهما أفرحتنا و أتت كما نرغب و نحب. نحن على العهد باقون فكما كنّا نحتقر القاضي الذي وضع الأبرياء في السجون بتعليمات فوقية في عهود سابقة و ما زلنا نحتقر القاضي الذي يضع المجرمين و المشبوهين وراء القضبان لكن دائما بتعليمات فوقية… لا احترام للقضاة في ظل التعليمات و لا أمل للإقلاع في مثل هذه الأوضاع.