جور نار

بين عاجل …وعاجل …

نشرت

في

مشكلة اللغة أحيانا أنّ البعض يشكّلها حسب هواه ليحوّلها إلى شبه مومس …فيصبح القبح في نظره مرادفا للجمال ..والخبث مرادفا للكفاءة العالية والعفرتة .. والكذب مرادفا للإفتاء .. وهكذا تُكيّف الأحداث والتعاليق على الأحداث من زاوية الهوى الماكر …واللغة العاهرة والمواقف الذئبويّة القذرة …

<strong>عبد الكريم قطاطة<strong>

يكفي للتدليل على ذلك ما نطالعه يوميا من أخبار موشومة بتلك العبارة: “عاجل”، لنكتشف في أغلبها لوحتين ..فإمّا أن تكون تلك الأخبار لا عاجل فيها شكلا ومحتوى وتصبح كلمة عاجل كمومس في أحد الشوارع تبرز ثلثي صدرها لاصطياد حريفها وما أن يختليا ببعض حتى يكتشف المغرّر به أنّه لا صدر لها ولا ما تحت الصدر ..وأنّ ما رآه في الأضواء الخافتة لذلك الشارع بوتوكس متاع خدمة ! .. وهذا ما يحدث في عديد القنوات الفيسبوكية .. لا تجد فيما عُبّر عنه بعاجل وفي جلّ ما ينشر من أخبار لا عاجل فيها إلا العنوان ..

هذه اللوحة الأولى لعاجل … اللوحة الثانية وهي الأتعس والأشقى والأنذل ..ما يروّجه البعض وتحت يافطة عاجل من تعاليق على الأحداث السياسية وخاصة بعد 25 جويلية ..دعوني في البداية أكشف عن هويّتي في هذا الباب ..أوّلا أنا مع ما وقع يوم 25 جويلية لأنّه كان يجب أن يقع ..و ثانيا ما وقع بعد 25 جويلية و في تقديري المتواضع “كعك ما يطيّر جوع” ..فلا الطريق الأنجع سُلك ..ولا صاحب الطريق عبّده كما يجب …هو كمن شغل الناس ولكنه لم يملأ الدنيا …

أعود لتلك الفئة الضالة التي تعلّق على ما يحدث من مواقف ما بعد 25 جويلية ودائما بيافطة “عاجل” منددة بالخروقات وبالانتهاكات وبالاعتقالات … كنت أكون معها وفي صفّها لو سمعت لها لا أقول صوتا بل مجرّد همس لما عشناه من مصائب وعلى امتداد عشر سنوات … المبادئ لا تتجزّ أ ..جلّ مندّدي اليوم وبشكل عاجل أيضا …لم أسمع لهم ركزا في حوادث اغتيال بلعيد والبراهمي والأمنيين البواسل … جلّ هؤلاء لم أسمع لهم ركزا عندما عشش الإرهابيون في الشعانبي و هم يمارسون هواية التزحلق على سفوحه وذبح الراعي وإرسال رأسه للمتوفّية قهرا على فلذة كبدها …وذاك عندهم فصل من فصول ممارسة رياضة التصدّي للكوليسترول …

ما سمعت لهم ركزا عندما عاد عشرات الأطفال في “كرادن” أشبه بدليفري متاع إسكالوب … لم أسمع لهم ركزا وأبناء بلدي يُرمَون بالرشّ في سليانة وهاهم ينوحون على الرشّ بالماء ..وهنا لا أبرّر الرشّ بالماء بل أواصل التعبير عن ازدواجية الخطاب العاجل والمواقف العاجلة … لم أسمع لهم ركزا وقافلة الأمن الرئاسي تصبح مذبحا ومسلخا لجنود تونس في قلب شوارع العاصمة ..لم أسمع لهم ركزا يوم أن قيل لمواطن غلبان اتعلّم عوم أو لمواطن حُرم من دوائه وهو يعاني من مرض السكّري اتعلّم ما تخرجش وقت حظر الجولان .. فـ”تعدّى في الطويل” … لم أسمع لهم ركزا عندما قال أحد الذين يدافعون عن حالته ـ وهو مفعول به اليوم ـ في حين عندما كان فاعلا صرّح كمسؤول بارز في دواليب الحكم، بأنّ إضراب الجوع هو قرار شخصي ويجب أن لا يستعمله صاحبه لابتزاز القضاء، وحتى محاميه من فصيلته ردّد سابقا نفس الموقف من المضربين عن الطعام …

لم أسمع لهم ركزا وركزا وركزا لعشرات الأحداث إن لم تكن مئات …وهاهم اليوم يحاولون إيهامنا بمواقفهم العاجلة بأنّ ما يحدث هو مخالف للقانون .. للدستور ..للحرية ولتلك القائمة المعهودة في كلّ ثرثرتهم .. القانون واحد أو لا يكون والدستور وطني أو لا يكون والحرية قيمة ثابتة وبنفس المعايير أو لا تكون ..ما تنشرونه وبيافطة عاجل هو وفي تقديري سيارة فاقدة للعجلات، فكيف لسيارة فاقدة العجلات أن تكون عاجلة .. لقد خبرناكم وخبرنا العاجل فيكم والآجل ..وعرفنا أنكم لستم من أهل العاجل و لا الآجل …

20 جانفي 2022

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version