جور نار

تبادلتم الأوجاع والألم…ألم يحن وقت تبادل النسيان؟؟

نشرت

في

مشكلتنا اليوم ومنذ عشر سنوات ويزيد أننا اسأنا إدارة الاختلاف…فجزء من منظومة ما قبل 14 جانفي لم يستسغ الى يومنا هذا أن يكون خصم الأمس ومن كان رافضا له ولوجوده، جزءا من منظومة الحكم اليوم…كما أن أغلب من كانوا ضدّ منظومة ما قبل الرابع عشر من جانفي، لم يقبلوا بوجود بعض من كانوا في منظومة حكم ما قبل ذلك التاريخ، ضمن دائرة الحكم بل أن بعضهم يرفض وجودهم أصلا ويطالب سرا وعلانية بنصب المشانق للبعض منهم…

<strong>محمد الأطرش<strong>

جميعنا نرفض القبول بالاختلاف وجميعنا لا يريد الاعتراف بأن الاختلاف هو أصل الخلق فالاتفاق هو الاستثناء…فالإنسان يعيش بالاختلاف منذ ولادته…في الجنس…في العائلة… وفي العمل وفي الشارع …في السياسة وفي الدين…خلاصة ما نعيشه اليوم هو أننا نفتقد إلى من هو قادر على إدارة اختلافاتنا بعقلانية ومنطق…ولن يكون ذلك ممكنا ما لم نتخلّص من الأحقاد وعقلية الثأر وتصفية الحسابات…ودون ذلك لن نخرج أبدا مما نحن فيه…

لن نتخلّص من الأحقاد التي استوطنت عقول هذا الشعب، دون أن نؤسس لثقافة الاعتذار…اعتذار القديم من الجديد…واعتذار الجديد من القديم…واعتذار الجلاد من الضحية…واعتذار الضحية التي انقلبت إلى جلاّد، من الضحية التي اتهمت بأنها كانت الجلاد…لنجنّب توريث الفتنة والأحقاد لمستقبل البلاد… لذلك أقول، على من حكموا قبل 14 جانفي أن يعترفوا بحقّ غيرهم في تجربة الحكم وعرض بدائلهم على الشعب ومساعدتهم على ذلك…وعلى من جاؤوا وجربوا الحكم بعد 14 جانفي وصُدموا بواقع غير الذي كان البعض يسوّق له عمّن كانوا يؤثثون المنظومة السابقة، أن يعترفوا بأنهم أخطؤوا في حقّ منظومة ناضلت وجاهدت من أجل بناء دولة شقّت طريقها بنجاح، رغم بعض الأخطاء والهنات كغيرها من المنظومات، على مدى أكثر من نصف قرن بعد أن تركها المستعمر خرابا…

ألم يقولوا فيهم ما لم يقله مالك في الخمر والجعة؟ فماذا لو أعتذر الجميع من الجميع…ماذا لو أعتذر الماضي من الحاضر…والحاضر من الماضي…ماذا لو خرج علينا اليوم، من دخلوا علينا ذات يوم بخطاب الحقد والثأر معتذرين عن الخراب الذي جلبوه معهم إلى الوطن وهم من وعدوا الشعب بالجنة… معتذرين عن الأحقاد التي زرعوها في قلوب الأغبياء من الأتباع والقطعان والسذج وهم من وعدوا الشعب بالعدل … معتذرين عن المظالم التي أبكت كل أجيال بناة هذا الوطن وهم من وعدوا الشعب بالتسامح والمصالحة… معتذرين عن الدمّ الذي سال دون مبرر من أجساد أبناء هذا الوطن وهم من وعدوا الشعب بالحياة والتعايش… معتذرين عن الفقر الذي استوطن البلاد وهم الذين أقلقوا راحة الشعب بصراخهم “سنقضي على الفقر”…

ماذا لو خرجوا معتذرين عن التهميش الذي أصبح شعار المرحلة وهم الذين وعدوا الشعب كل الشعب بالمساواة والتمييز الايجابي… معتذرين عن الإحباط الذي أصاب من خدعوهم بشعاراتهم الزائفة وهم الذين وعدوا الشعب بإعادة الأمل له ولأجياله القادمة … معتذرين عن الكذب والخداع الذي أصبح وباء ينخر جسد الأمة وهم الذين رفعوا شعار الصدق والأمانة…. معتذرين عن الكراهية التي نشروها بين أفراد الشعب وهم الذين صرخوا لا للتفرقة ولا للفتنة… معتذرين عن الخوف الذي أصاب كل الناس وهم الذين قالوا لا خوف بعد اليوم…كيف تريدون نزع الخوف ممن خرجتم عليهم “شاهرين” سيوف “نصب المشانق”… وقطع الأرزاق…والميز العنصري ضدّ كل من انتموا إلى المنظومة السابقة… أتظنون أنهم ينسوا لكم ذلك يوما؟… أقول…أنا مع معاقبة كل من أخطأ وأجرم بالأمس واليوم…لكن لست مع الحقد والتشفي ونكران الجميل وتصفية الحساب مع الجميع لمجرّد الانتماء…

كيف تريدون منهم أن ينسوا وأنتم لم تحاولوا حتى مجرّد التفكير في النسيان…وتلاعبتم بكل مقترحات قوانين النسيان… تريدون منهم أن ينسوا… ولا تريدون حتى التظاهر بالنسيان… أنسيتم أن أحد من تفاخرون بأنهم من قادة من تسمونها “ثورتكم” قال يوما أن مجرّد الاقتراب ممن انتموا إلى المنظومة السابقة هو كالتطبيع مع “الصهاينة”…ألهذا الحدّ كان أجدادكم بهذا السوء…أم نسيتم أن من تعايرونهم هم في الأصل أجدادكم وإخوتكم وتجمعكم بهم صلة رحم وتجلسون معهم حول طاولة واحدة في بيت واحد؟؟؟ فإن كانوا بكل هذا السوء لم تبحثون اليوم عن الانتساب إليهم وإلى تاريخهم؟ إن التاريخ لا يكتب بمفعول رجعي…فهل وجدتم تونس على هذا الخراب الاقتصادي والاجتماعي والأمني والسياسي يوم عدتم غزاة كــ”الوندال والتتار”…

وأسأل اليوم…كيف حال تونس اليوم؟؟؟… وكيف حال الوطن؟؟؟ وأسأل وأعرف أن لا أحد سيجيب عن سؤال يؤلم…أيمكن أن نلتزم الصمت… وأنت تشاهد…وتسمع أمك تبكي…؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version